الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
فهرس المقال
- الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
- رؤية كولن للتاريخ
- ثقافة كولن القرآنية
- تأثر كولن بالسيرة النبوية
- آداب الترقي الروحي
- البنى الفاعلة في الحراك التاريخي
- المظاهر المعمارية العتيقة
- لماذا الارتباط العميق بالتاريخ؟
- السمة الفارقة لتنظير كولن
- استلهامات كولن من التاريخ
- أهمية استيعاب الكُنْه التاريخي
- التاريخ وبناء الهوية
- نموذج الفاعل التاريخي
- الصدارة واستحقاقاتها
- مقام خيرية الأمة
- فلسفة التبليغ عند كولن
- قراءة كولن للتاريخ قراءة علمية
- قانون الاستخلاف
- دور القادة والساسة في الظفر بالرهانات
- مهمة رجل الفكر ونضاله
- البكائية
- جميع الصفحات
استلهامات كولن من التاريخ
ومن العِبَر التي استلهمها كولن من التاريخ: إيمانُه بأن الذاتية الجمعية عندما تكون معافاة من أمراض الاختراق والهجنة والتفسخ، تتصرف بسلامة وأصالة في صنع مسارها وحَبْك تطورها. فكل مبادرة تُقْدِمُ عليها الذات، وكل فعل تنجزه في ذلك المضمار، إنما تحققه بحسب طبيعتها القح، ووفق وجدانها ومزاجها الأصليين، وحتى حين تتجاوز في الخيارات معاييرها المعبرة عن صميميتها، فإنها لا تتوانى عن إصلاح ذلك التجاوز وتعديله، تفعل ذلك أحيانًا حتى بصورة آلية؛ إذ السلامة الفكرية تجعل التصرف ينبع من الذات، ويترجم عنها في حالات الوعي كما في حالات التلقائية، سواء بسواء.
ولقد تكلم الأستاذ كولن في مواطن عدة من كتاباته عن دور الخزان اللاشعوري في مجال تحقيق المهام الحضارية. فالذات المبرأة من الخلل الاستيلابي، مهيأةٌ لأن تستشعر النشاز في كل خطوة قد تتعدى كُنْهَ طبيعتِها وقُحَّتِها..
على أن الذات المعتلة التي تكون قد تعرضت لعملية تفريغ تدميري، ومُورست عليها أفعال شحن وتعبئة بمحمولات مخالفة لروحها وطبيعتها، فإن فِعالَها وحِراكها يأتي مختلاً، ولا يعبّر عن أصالتها، فهي بسبب حالة المصادرة الاستيلابية التي تتعرض لها، والتمذهبات الأيديولوجية الفاسدة التي تتجشمها، تجد نفسها تسير ضد منازع فطرتها. من هنا كان لزامًا على حركات التاريخ الانبعاثية، أن تعمد أول ما تعمد إلى تصويب الخلل الذي طرأ على معايير الأمة، واستعادة روحيتها الأصل، وإعادة الذات إلى ذاتها حتى تتمكن من أن تسلك طريقها بلا تشوش ولا هجنة.
ويجد كولن في وقائع التاريخ الحقل الحفيل بالشواهد والعِبَر التي تثَبِّته على الطريق، بل إنه لا يفتأ يؤكد لكل داعية أن في الاستعصام بعِبَر التاريخ خير داعم لروحية الجهاد والمقاومة والوقوف في وجه النوازل، ولا يبرح يكرر أن العثمانية في صراعها الجهادي الطويل لم يكن في وسعها أن تصمد وتتجاوز حال الانقهارات والهزائم لو لم تعوّل على استلهام وتوظيف رصيدها من الدروس والتجارب التي سجلتها في ميادين البذل والعطاء.
فلقد خاضت العثمانية معارك كانت ضراوتها تهدد الوجود، مثلما وقع في معركة شنق قلعة، ومثيلاتها من معارك الاستقلال، لكن التسلح بعوامل البأس المعنوي المستمَد من الدين والتاريخ، كان هو المدد الأوحد الذي هيَّأ للعثمانية الثبات، بل وحقق لها النصر.
لقد تبددت سائر مظاهر المقاومة في تلك المعارك، وتبددت الإمكانات، وأُطيح بالخطط، ولاحت غيوم الهزيمة، "ولو لم تلجأ الأمة في النهاية إلى معاني روحها، وإلى جذور عقيدتها في معركة شنق قلعة، وفي حروب الاستقلال لما كانت هذه الأمة قائمة وموجودة اليوم"[8].
- تم الإنشاء في