الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
فهرس المقال
- الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
- رؤية كولن للتاريخ
- ثقافة كولن القرآنية
- تأثر كولن بالسيرة النبوية
- آداب الترقي الروحي
- البنى الفاعلة في الحراك التاريخي
- المظاهر المعمارية العتيقة
- لماذا الارتباط العميق بالتاريخ؟
- السمة الفارقة لتنظير كولن
- استلهامات كولن من التاريخ
- أهمية استيعاب الكُنْه التاريخي
- التاريخ وبناء الهوية
- نموذج الفاعل التاريخي
- الصدارة واستحقاقاتها
- مقام خيرية الأمة
- فلسفة التبليغ عند كولن
- قراءة كولن للتاريخ قراءة علمية
- قانون الاستخلاف
- دور القادة والساسة في الظفر بالرهانات
- مهمة رجل الفكر ونضاله
- البكائية
- جميع الصفحات
الصدارة واستحقاقاتها
يرى كولن أن الأمم -كما تصنع روحيتَها الأيديولوجيةَ والفلسفية التي تعيش لها وتحيا بها- كذلك الروحية (الدينية) تصنع الأمم، وتهبها قيمتها في الحياة والوجود، والإسلام قضية خالدة صنَع أمةً امتلكت كل مقومات الخلود.
ليست القضية الوجودية -كما جسَّدها الإسلام- إلا اطرادًا روحيًّا وفلسفيًّا يدأب على تفعيل الكون، وتحوير شروطه إلى الأحسن، وتأطيره بالحكمة والعدل، وتطوير مقدراته لصالح الإنسانية، ولما كانت مسارات الأمم عرضةً دائمًا للغفلة والطيش والحيدة، وسوء الخيارات، فقد أناط القَدَر بالأمة المحمدية رسالة عالمية لا تنتهي بأجلٍ، لذلك وجدت نفسها منذ البعثة في موقع مداري كالكوكب لا تستغني الأنظار عن استرشاده.
فلا غرابة أن نرى الأمة اليوم، حتى وهي تعيش مرحلة انحطاط مزرية، لا تتوانى في لفت الضمير العالمي إلى مثل العدالة والخير والسلام، وما كان لها أن تجهر بصوتها -إذ لا صوت لمن لا يمتلك القوة في الحياة- لولا أنها تستمد قوة معنوية من عقيدتها، ومن صميم رسالتها، لذلك تجد نفسها لا تتردد -وهي تحت ركام رماد الانحطاط- عن إرسال النداء تلو النداء، تدعو إلى الحسنى. فهي على يقين من أنها ستنهض من عثارها الشنيع، وستستعيد دورها ومكانتها في ريادة العالمين، كما هيَّأها الإسلام لذلك.
وحين يعتد الدعاة المسلمون، وينادون اليوم بدور أمتهم المفترض في مجال الريادة، والسير في طليعة الأمم، على الرغم مما يرون عليه الأمة من أحوال الضعف والهوان الحضاريين، فليس هذا الاعتداد وهذا النداء وليد بطالة أو جنون عظمة، أو لمجرد أن سبق لسلفهم أن حازوا الصدارة، واحتلوا الصف الأول في عهدٍ ما، حتى يركبهم اليوم الغرور وأحلام اليقظة، فيسترسلون في افتعال مظاهر ذلك العز، والاعتداد بمجدٍ انطوت صفحاته، يلوكون أخباره يتعزون بها، ويتوهمون انبعاثه دون أن يظهر عليهم ما يؤشر لسعيهم الجاد إلى ذلك الانبعاث، كلا، إن طبيعة الرسالة المحمدية الدينامية التي ارتبطوا بها رباط وصاية ومسؤولية -حيث هم أوصياء عليها كما أنها وصية عليهم- هي نفسها التي تثورهم، وتبعث فيهم هذا الطموح إلى النهضة، وتجعلهم لا ينقطعون عن دور تمثيل الحق، حتى وهم على ما هم عليه من ضعف؛ لأن القناعة راسخة لديهم من أنهم سينهضون، وأن نهضتهم ستتولد عن نفس المحركات التي كانت وراء ظهور حضارتهم.
إن الوازع الانبعاثي النابع من صميم الرسالة المحمدية ذاتها، يهيب بهم إلى معاودة اليقظة، واستئناف المسير، طليعة للعالمين.
- تم الإنشاء في