الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
فهرس المقال
- الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
- رؤية كولن للتاريخ
- ثقافة كولن القرآنية
- تأثر كولن بالسيرة النبوية
- آداب الترقي الروحي
- البنى الفاعلة في الحراك التاريخي
- المظاهر المعمارية العتيقة
- لماذا الارتباط العميق بالتاريخ؟
- السمة الفارقة لتنظير كولن
- استلهامات كولن من التاريخ
- أهمية استيعاب الكُنْه التاريخي
- التاريخ وبناء الهوية
- نموذج الفاعل التاريخي
- الصدارة واستحقاقاتها
- مقام خيرية الأمة
- فلسفة التبليغ عند كولن
- قراءة كولن للتاريخ قراءة علمية
- قانون الاستخلاف
- دور القادة والساسة في الظفر بالرهانات
- مهمة رجل الفكر ونضاله
- البكائية
- جميع الصفحات
لماذا الارتباط العميق بالتاريخ؟
إن الارتباط بالتاريخ هو ارتباط بالإسلام. فتنويه الأستاذ كولن بالتاريخ جاء من هذا الصدد، كون الإسلام هو الهيكل الذي انتسجت عليه لحمة تاريخ الأمة التركية، فالاعتداد بالتاريخ، والحفاوة به، وإعطاؤه الاعتبار والرجاحة من حيث الفاعلية في تحقيق الإنهاض، إنما هي حال ناتجة عن التقدير الذي يعرب عنه الأتراك نحو الإسلام، فهم يعون أن بفضل ارتباطهم بالإسلام، وانصهارهم فيه، كانت لهم تلك الصحائف الذهبية التي سطّروها في سجل تاريخ الإنسانية.
إن الإسلام -كما يقول الأستاذ كولن- هو الذي استوعب في كنفه القبائل التركية البدوية الأولى، وهيَّأها لأن تكون طليعة للأمة المحمدية طيلة مراحل من التاريخ الإسلامي، وجعلها حاملة لراية الشريعة.
ففي وجدان كولن تتحدد انطلاقةُ التاريخ التركي بابتداء عهد البعثة؛ لأن الرسالة المحمدية هي التي مكَّنت لفيفًا من القبائل التركية من أن تتراص في صفّ الأمة، وتسطر ضمن مسيرة الأمة صفحات من حضارة الإسلام. فالترك شأن العرب سواء بسواء من حيث فضل الإسلام عليهم في ابتداء قيام شأنهم، وظهورهم في الحضارة، وحضورهم على مسرح التاريخ.
من هنا كان التاريخ عنوانًا على الاستمرار والحضور، ووصلاً لما انقطع من حبل الحضارة، ومناط حلم رفع راية الارتقاء من جديد، وتَصَدُّر المسيرة وقيادة الأمة؛ إذ الشأن في الماضي أن العثمانية رأت نفسها في بعض أطوار تراجع الحضارة الإسلامية، أنها الحلقة الأقوى في الكيان الملّي، فبادرت إلى استسلام المشعل، وحملت راية الخلافة، ونهضت بالعهدة قرونًا. بل إن التاريخ هو تلك البساتين الوارفة من المآذن المنتصبة، الشامخة، المظلة للحواضر التركية اليوم، المتطلعة إلى الأعالي، وهي بمثابة توقيعات إلهية تحدو الأمة التركية إلى الثبات على العهد والموثق. إن التاريخ كما يعيه كولن هو خارطة الطريق نحو بناء المستقبل الحافل بالإنجازات، والرافل في العزة، والمعصوم من الانزلاقات.
روح التفسير التي يتحلى بها فكر كولن وهو يستقرئ معطيات التاريخ، تحرص دائمًا على أن تومئ إلى الواقع الحي، والوضع الراهن؛ لأنها روح حية، واقعية، مرتبطة ليس فقط بوارد التأمل الذي هو نزعة عقلية ووجدانية تميز كل عاكفٍ، ولكن لأن كولن -وهذا الأصل- مرتبط بمنهج إصلاحي، وبرؤية استنقاذية، وببرنامج بنائي، إحيائي، مصيري، فما يهمه هو معالجة الواقع، وإيمانه قاطع بأنّ تفحص صفائح التاريخ، لاسيما سِيَر الأنبياء والرسل، وفي طليعتهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، من شأنها أن تمدنا بكثير من أسباب العلاج لما يواجهنا من أزمات وانسدادات وضغوط.[7]
- تم الإنشاء في