الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
فهرس المقال
- الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
- رؤية كولن للتاريخ
- ثقافة كولن القرآنية
- تأثر كولن بالسيرة النبوية
- آداب الترقي الروحي
- البنى الفاعلة في الحراك التاريخي
- المظاهر المعمارية العتيقة
- لماذا الارتباط العميق بالتاريخ؟
- السمة الفارقة لتنظير كولن
- استلهامات كولن من التاريخ
- أهمية استيعاب الكُنْه التاريخي
- التاريخ وبناء الهوية
- نموذج الفاعل التاريخي
- الصدارة واستحقاقاتها
- مقام خيرية الأمة
- فلسفة التبليغ عند كولن
- قراءة كولن للتاريخ قراءة علمية
- قانون الاستخلاف
- دور القادة والساسة في الظفر بالرهانات
- مهمة رجل الفكر ونضاله
- البكائية
- جميع الصفحات
فلسفة التبليغ عند كولن
إن هذه الحال الإسقاطية التي تُطابِق بين حقيقة الإسلام وواقع الأمة الشنيع والكسيف، قد وجهت لعملية الدعوة ضربة قاصمة؛ إذ انحبس الجهد التبليغي، وتوقفت مهمة البث والنشر، إلا على صعيد شبه تلقائي أو فردي أو جمعوي محدود، الأمر الذي أضر بالدين الإسلامي باعتباره شِرْعةً للعالمين. وإنَّ توقُّفَ مَدِّهِ عن السريان والجريان بين العالمين هو إخلال بمبدأ جوهري انبنت عليه الدعوة، نقصد مبدأ التبليغ. ومما لا شك فيه أن دور الإعلام المغرض مركزي في تشويه حقيقة الإسلام، وإعاقته عن الانتشار، مضافًا إلى ذلك -بطبيعة الحال- دورنا نحن الغائب.
لقد أناط الأستاذ كولن دور الدعوة أو الخدمة بالجماهير المسلمة، وبالجماعات المتنورة خاصة. فقد أنشأ فلسفة جديدة لمهمة التبليغ، ربطها بروح العصر وبأساليب التعاطي الرائجة بين الأمم.. إذ إن العقلية العالمية اليوم، ونتيجة المسار البراغْماتي، المادي، والليبرالي الذي عرفته الأنظمة -رأسماليها وشيوعيها سابقًا- قد أفرزت العقلية الانتفاعية وذات الوازع العملي الملموس، العقلية التي قد تتأثر بالدعوة من خلال الحوار المتفوق وذي الحجة الصريحة، وقد تتأثر بها كذلك انجذابًا حين يكون المظهر المادي والمستوى المدني وشاهد الحال الحضري لممثلي الدعوة مترقيًا، ولكن التأثر الأوكد والأبلغ بالدعوة يكون عندما تتم بواسطة برامج ذات مردودية اقتصادية واجتماعية وثقافية يفيد منها الآخرون، أي في صورة مشاريع خدمة ينهض بها الدعاة العاملون، ممن تستطيع الرؤية السديدة أن تجيّشهم، وترسم لهم الأفق، وتوجههم إلى الصالحات.
ومن المؤكد أن مادة كتاب "ونحن نقيم صرح الروح" هي من صميم التوجيه الذي يرى الأستاذ كولن أن على منهاج الخدمة الدعوية أن يسلكه في هذا العصر البراغْماتي الذي لم يعد يحتمل كثيرًا من أساليب التواصل القديمة.
ولا ريب أن مهمة الإقلاع شاقة، وهي تقتضي جهدًا مضاعفًا يُبذَل في تقوية الذات، وجهدًا مكثفًا آخر يوجّه إلى الميدان، ويرتقي بمستوى التواصل مع الآخر، وإيصال الدعوة إليه. لذا كان تحصيل أسباب النجاعة القصوى والفاعلية الكبرى أمرًا حتميًا، ولا مناص منه.. ودور النُّخَب المتنورة في هذا الصدد مركزي، واعتماد الفكر والثقافة والإعلام، وتقديم الخدمة الاجتماعية والمدنية، وحسن التدبير، من الشروط الأساسية التي يجب أن يتحلى بها اليوم رجل الدعوة.
وكما أن "القيام بمأمورية التبليغ رهان ووظيفة تعكس مدى قوامتنا ومسؤوليتنا واستحقاقنا لتبوؤ الصدارة، وتأهلنا للجدارة والكفاءة، فكذلك هو مبتغى ومطلب وتوْق وأفق يشحذ فينا روح التجدد والنماء واكتساب شرط الاستحقاق"[13].
- تم الإنشاء في