الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
فهرس المقال
- الفصل الأول: الوعي بالتاريخ ودوره في إحداث النهضة
- رؤية كولن للتاريخ
- ثقافة كولن القرآنية
- تأثر كولن بالسيرة النبوية
- آداب الترقي الروحي
- البنى الفاعلة في الحراك التاريخي
- المظاهر المعمارية العتيقة
- لماذا الارتباط العميق بالتاريخ؟
- السمة الفارقة لتنظير كولن
- استلهامات كولن من التاريخ
- أهمية استيعاب الكُنْه التاريخي
- التاريخ وبناء الهوية
- نموذج الفاعل التاريخي
- الصدارة واستحقاقاتها
- مقام خيرية الأمة
- فلسفة التبليغ عند كولن
- قراءة كولن للتاريخ قراءة علمية
- قانون الاستخلاف
- دور القادة والساسة في الظفر بالرهانات
- مهمة رجل الفكر ونضاله
- البكائية
- جميع الصفحات
قانون الاستخلاف
بل إن هناك قانونًا مركزيًّا يستخلصه الأستاذ كولن، يتعلق بمسؤولية الأمة المحمدية، ودورها المستمر في الدعوة إلى الحق والهداية إلى شريعة الإسلام الخالدة.
لقد استخلص الأستاذ كولن من قوله تعالى: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)(الأَنْبِيَاء:10) مبدأ الوعد بخلود الأمة وبقائها حية في التاريخ في مقام الشرف والعزة "فإنكم مرشحون بفضل الذكر النازل عليكم للبقاء طوال التاريخ[21]".
ومن إلزامية الدعوة والوعد بوراثة الأرض تقوم فرضية الدور الذي لا ينتهي ولا يُلغَى ولا يتوقف، والذي أناطه الله بنا كأوصياء على الرسالة (الوصاية هنا ليست حصرية بتاتًا، بل هي مشاعة، ينهض بها كل قادر-فردًا كان أو جماعة- ممن ينضم إلى الركب المحمدي)، فالوعد بوراثة الأرض يعني رسو الخيرية والإمامية على المسلمين، ويعني وجوب ارتفاعهم في كل مقوماتهم إلى مرتبة هذه الخيرية وهذه الإمامية؛ لأننا نحن المستضعفون الصالحون الذين هيَّأهم الله لحمل رسالة تناهض الاستعلاء القهري، وتعادي الاستكبار الجبروتي على الدوام، رسالة تنحاز باستمرار إلى صفّ الضعفاء وتناصرهم.
لقد تكرر وعد الاستحلاف للمسلمين فيما عبرت عنه آية توريث الأرض: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الأَنْبِيَاء:105)، فوراثة الأرض هي وراثة للتاريخ والتحكم في شروطه، ومعنى وراثة التاريخ "هو وراثة كل ركام الماضي المعروف والمجهول والصغير والكبير، وإنماء هذا الركام، واستحداث مركّبات جديدة منه، ثم نقل ذلك كله إلى الأجيال القادمة: أصحابه الحقيقيين، فإن لم يوفِّ هذا الوارثُ رسالةَ التاريخ المتعلقة باليوم والغد حقها من الاهتمام، فسوف يعتبر مسؤولاً عن خراب اليوم وضياع الغد"[22].
لا يفتأ الأستاذ كولن في كتاباته وتوجيهاته يوصي بوجوب الاستفادة من عِبَر التاريخ، ومما تحويه مقابر التاريخ من جثامين دول طواها الله لحيدتها عن الجادة.[23]
وهو يؤمن أن تحقيق الانبعاث ينعكس عنه رأسًا وضعٌ دعوي إيجابي، بحيث تضحى سبل الدعوة مهيأة والنفوس إليها متفتحة. فاستعادة المجد التاريخي يساعد الأمة على التبليغ المؤثر "أجل عندما تأخذ هذه الأمة مكانها التاريخي اللائق بها، فستتوفر أمامنا فرصة أفضل وأكثر إقناعًا، وأعلى مستوى لتبليغ الخُلق والخُلق القرآني، عند ذلك سترى الإنسانية أن ما بحثت عنه في "المدينة الفاضة" كان قد طُبّق قبل عصور، وستذهل من هذا الاكتشاف"[24].
- تم الإنشاء في