الفصل الثالث: عودة الفرسان نص المولد وخطاب الوداع
فهرس المقال
عودة إلى الديار المغربية
وتومئ القصة إلى بعض أطوار تلك السنة التي قضاها الأنصاري في المغرب، يتصيد الانبثاقات الفجرية من هذا الصدد وذاك، وكل شيء من حوله يذكّره بفواجع التاريخ، فالنفس المروّعة لا تَقرأ في الأفق إلا ما يتساوق مع انكسافها: "ما بين طنجة وجبل طارق، يَرْقُدُ بوغاز الأحزان!.. لم تزل نوارسُه كلَّ مساء تحكي بنشيجها الشجي مأساةَ الموريسكيين".
وطبيعي أن تأتي اللوحة مفعمة بمعاني النعي والرثاء والقشعريرة والهيجان الشعوري العارم: "كنتُ أسير حافي القدمين ما بين طنجة وتطوان؛ لعلي ألتقط صوتَ حمام زاجل، قيل لي: إنه لم يزل ههنا مُذْ عَبَرَ أميرُ غرناطة الأخير طريداً من جنّته! فرثاه هذا الحمام الغريب بكنوز من أسرار الحكمة! قيل لي: إن له هديلا كلما انطلق شجاه اقشعرت له صخور الشاطئ! وبكَت النوارسُ واهتاجت الأمواج!".
إن انقطاع مدد التجليات عُقْمٌ وجداني لا تحتمله روح المرابط.. ومع ذلك تأْبى النفس إلا أن ترابط عند إقليم الرجاء، خلف أسوار ليلِ القنوط، متصبرة ومحتسبة، تتوقع حلول رحمة الله في كل آن.. ويتحدث الأنصاري عن مواعيد شقية كان الابتئاس يشتد فيها عليه. وتبلغ تلك المواعيد ذروتَها عند حلول المساء، والمساء كما نعرف هو مناط عذابات المفجوعين، فتنوع مشاهد النكبات تغدو هي المحطة التي ترسو عليها أرواح المنكوبين حين يحل الليل، وهي العلقم الذي يدمنون على تعاطيه في ذلك الميعاد المليء بالوحشة والزمهرير.
- تم الإنشاء في