الفصل الثالث: عودة الفرسان نص المولد وخطاب الوداع
فهرس المقال
ألم الميلاد
ولأن الأنصاري روحاني بِجِبِلَّته وعميق إيمانه، متمرّس بتلقي الإشارات وعَقْدِ نِيّاتِ الاستخارة، فقد أمْكنَهُ -كما تخبر الرواية- أن يقرأ في ما تلقاه من واردات أن النورسي يحيله إلى صاحب الزمان الذي سيتمكّن من أن يجد لديه حاجته ويحصِّل بغيته: "أما علمتَ أنَّ لكل زمان صاحبَه؟".
ولا يسع الأنصاري إلا أن يستوثق ليعرف من هو "صاحب الزمان"، فيأتي رد النورسي مفصل الإشارات والدلالات، إذ قال: "ويحك يا صاح! أما صاحب هذا الزمان فله مولدان اثنان! أولهما هو في المكان، وقد كان الذي كان؛ وأما الثاني فإنما هو في الزمان! فَارْتَقِبْ إبَّانَ هيجانِ الجرح، يومَ تأتي الرياح بحداء الأنين! فإنه لا ميلاد إلا بألم! واظفر بثاني المولدين تَرِبَتْ يداك! إنك يا ولدي إن تدرك إشراقتَه تكن من الفاتحين!".
ويفلت منه سؤال معرفة المصير: "قلت: فهل لي أن أكون من طلائعهم؟"
وواضح أنه بهذا السؤال يُصِرُّ على أن يكون واحدا منهم، بل أن يكون طليعة الطليعة، لأن في ذلك الموقع المتقدم تتحقق له الحياة الحق. إن المؤمن لا يرهبه الموت عندما تكون المزاحفة هي الطريقَ إلى الهدف، إنما الموت الذي يقهر المؤمن هو الموت خارج ميدان المعركة، إن توقّف المسلم عن الزحف بشتى أنواعه التعميرية والدعوية، يُعَدُّ بطالة قاتلة، حيث تكلّ أسباب الصمود، وتتراجع إرادة المغالبة. ولقد عبّر سيدنا خالد بن الوليد عما يجده المؤمن من وطْأة وغبن جرَّاء انتظار الموت على فراش العلة: "ها أناذا أنفَقُ في فراش الـسلولية كما ينفَقُ العير في المراح.. فلا نامت أعين الجبناء".
إن انتظار الأجل يتحول عند المبْتلين إلى حالة من الإنهاك الكابوسي الذريع، أشبه بواقعه عدوان غاشم يستولي على الحمى بلا مقدمات.
- تم الإنشاء في