الفصل الثالث: عودة الفرسان نص المولد وخطاب الوداع
فهرس المقال
سماء الأمل
إنه يعيش مفصلا دقيقا، بل متصدعا من عمره، لا تفتأ النفس تبحث فيه عن مسرب للانفلات من تحت الأنقاض، وإنّ وقْعَ ذلك الوضع المتأزم ليتردد دويه العنيف في أوصال الخطاب: "..لِزَمَانِ التحولاتِ وَقْعُ الزلازلِ على المنَازِل"!
النفس تظلّلها آناءات من الأمل وأخرى من اليأس، وتلك هي حال من تكون إصابته ضاربة في الأغوار، فحيال جثوم الحسرة على القلب، لا يسع الخطاب إلا أن يراوح بين محطتي الأمل واليأس، إذ لا تملك النفس إلا أن تلازم تلك الكوة الصغيرة المطلة على سماء الأمل تتطلع منها، لكن مسلسل الانهيارات يستمر دويُّه، ويستمر شريط الصور القاتمة يلف الحس بحَبْل الكآبة، يلتمع حينا، ويرتد إلى دكنته حينا آخر، فيطول العناء، ويتزايد حجم التمزقات: "كانت الأرض تدور بمنـزلة ذات طبيعة أخرى، تتداخل فيها الشعاعات بين غروب وشروق!".
واضح أن سياقات المدخل لبثت تومض باللون الأحمر، لون الخطر، معلنة عن تكدر الأفق ببوادر حُدادية، بحيث إن مفردات الخطاب ذاتها تعكس شيئا من برودة المدافن، وارتجاف القلوب المقهورة: "وكانت الريح تقصف ببرد قارس! وأسرابُ الحمام والنوارس تطير هاربة، لتحتمي من صقيعها تحت أضلاع المآذن والقباب!".
إن الحماية هنا مطلب ملحّ، يَخُصُّ الأنصاري، وإن مناط هذه الحماية بالنسبة إليه هو الاعتصام بالمآذن والقباب. خطاب الرواية في هذا الشطر من التوطئة يفصح عن كثير من المضْمَرات الروحية، ربما غير المدركة حتى من قبل الكاتب نفسه، والتي تعبر عن تعمّق حس الاستشفاع لديه.
إن مطلب الاحتماء يظهر ملموسا في ثنايا الخطاب، ومن خلال إيعازات واضحة. ولقد طفقت الأدبية وهي تسرد موضوعها، تلَوِّنُ المساقات بلون النفس وغبش جوها الصقيعي. هناك إفراغ وجداني تَهيّأ للأنصاري في مدخل الرواية، فاسترسل يغترف من عدة شاعريته، ويصوغ ألحانا فيها نبرة حزن معلنة. بل إن العبارات أحيانا لَتعكس في حدَّتها وجنائزيتها صورة الانتكاس، والانقباض، والانطواء على الذات، والانتظار المؤذي، والتطلّع إلى اليد التي تمسح على الجسد بأنامل بَلْسمية تزرع العافية.. هذه هي نوعية الأصداء التي تنتهي إلى حس القارئ وهو يتابع مطلع الرواية.
- تم الإنشاء في