الفصل الثالث: عودة الفرسان نص المولد وخطاب الوداع
فهرس المقال
شعرية السرد
الأدبية تأخذ أحيانا سياق الأوراد، فيتلابس المضمون السردي كما تعرضه مساقات الرواية في مفتتحها، مع مضامين الذكر والأدعية المتواترة في حلقات الذاكرين. الديباجة التي ميزت مفتتح "الرواية-السيرة"، كانت بحليتها الأدبية الراجحة، وبتأنق شعرية خطابها، وتألق نبرتها، أقدر على امتصاص المشاعر والتنفيس عما في النفس من كروب المأْتَميّة.
وسنرى كيف أن السرد حين باشر التوثيق لحياة الأستاذ الإمام، قد تَخفّف من لبوس شعريته، فالتعبئة أضحت في ذلك المستوى من الرواية، تعبئة مواقع وعراكات ومآثر وقُرُبات، بحيث أضحت الرجاحة في الخطاب لعرض الأحداث، وذكر المناقب، وإحصاء مواقع الاشتباك والنـزالات التي تشكلت منها هذه السيرة الحافلة بالثمار، لأن المقام مقام استظهار مكونات هذه الملحمة وإبراز مفرداتها كما ارتسمت على شريط العمر.
شخص الأنصاري كما برز في سياق السرد، ظل يمثل الأمة في عصر الغبْن الذي سلف، حين مدت يدها للشقيق الأكبر تستدعيه وتستنجده وتحتمي به من انتهاكات الصليبيّين.
لا ريب أن وضع الأمة اليوم -زمن رجوع نكبة الاستعمار العسكري من جديد إلى أوطاننا كما وقع في العراق- لا يكاد يبتعد عن وضعها الذي كانت عليه بالأمس، فهي تبحث اليوم أيضا عن الحامي، عن شقيق أكبر يكفل لها المنعة والعزة والصون. وتركيا إذا ما أحيَتْ روحية الإسلام والحضارة، وابتعثتْ مشاعر القوامة الملّية التي تميزتْ بها الخلافة العثمانية، وإذا ما استنفرت قدراتها المادية والمعنوية، وعرفت كيف تتقرب من أشقّائها وتقربهم إليها، فستجد نفسها متأهّلة من جديد لمدّ أجنحتها وأشرعتها على جغرافية الأمة، والسير معها نحو الرفْعة والسؤدد والمشاركة في صنع التاريخ العالمي، كما كان شأن الأمة بالأمس.
إن الكتابة عن الرموز تعني الانخراط في السلك وإعلان الانتماء. والأنصاري حين أصر على أن يختتم رحلته الحياتية بتوثيق سيرة "إمام المرحلة"، فإنما شاء أن يعلن انتسابه الروحي والأدبي إلى كتائب هذا الإمام العارف بالله، العامل على ما يخدم عباد الله، ويكفل لهم سعادة الدارين.
[1] الدكتور فريد الأنصاري من علماء المغرب الأفذاذ، توفّي سنة نوفمبر 2009، وكان آخر أعماله قبل أن يلقى الله روايته الرائعة "عودة الفرسان" والتي كتب فيها سيرة الأستاذ فتح الله كولن بأسلوب روائي شيق. وصدر الكتاب عن دار النيل في القاهرة سنة 2009.
- تم الإنشاء في