القسم الأول : فصول حول العلاقة بين الفكر والفعل
فهرس المقال
- القسم الأول : فصول حول العلاقة بين الفكر والفعل
- القلب والروح في تراث[16] الأستاذ
- هو قطعة من قلبه، ونسمة من روحه
- لسان القلوب
- ظلام يسيطر على الأرواح
- حياة القلب والروح
- يا براعم الأمل!
- البشرية الحائرة
- أولا: فشل الأيديولوجيات
- ثانيا: موت الموت
- ثالثا: نهاية النهايات
- رابعا: ما بعد المابعد
- دور العالِم
- النظرية، المصطلح والمفهوم
- الصفحة 15
- الصفحة 16
- إخفاق الفزيائيين، وطبيعة ذلك
- إخفاق الفكر الغربي، وسقوط الأيديولوجيات التوتاليرية
- تفرد الفكر الإسلامي بإمكانية تحقيق السعادة البشرية
- أين الأستاذ فتح الله في هذا السياق؟
- الوحي وسعادة البشرية
- المنجزات العلمية
- خلافة الله في الأرض
- الصراع الموهوم بين العلم والدين
- الرؤية الكونية، ومصدر الحقيقة المطلقة
- ليس المقصد التهوين من شأن العلم المادي والتقنية
- فما هو المقصد المعرفيُّ المنهجيُّ، إذن؟
- وظيفة العلم، ونظرية كلِّ شيء
- الإسلام كلّ... كلٌّ يستحيل تجزُّؤه
- جميع الصفحات
ثانيا: موت الموت
أطلق نيتشه مقولته الذائعة الصيت: "لقد مات الإله" بالألمانية (Gott ist tot)، ثم تحوَّلت إلى حقلٍ للتفسيرات والتطبيقات؛ وبغضِّ النظر عن حقيقة الدلالة، هل هي إخباريةٌ أم تقريريةٌ، فإنَّ الفكر الإلحاديَّ حوَّل هذه العبارة إلى "إنجيل" وحوَّل "نيتشه الإنسان"، وكذا "إنسانَ نيتشه"، إلى إله ورمزٍ للعصر وللمعنى. ولم يتوقَّف نيتشه في هذه المرحلة، بل راح يعمل على إزالة ما أسماه بـ"ظلال الإله"، واقتلاع كلِّ آثار الإله على الأرض؛ ليفتح المجال واسعا أمام "الإنسان الأعلى"، قصد الانطلاق نحو المستقبل بأسلوبٍ دراميٍّ.
وعن آثار هذه الفلسفة الإلحادية يقول نضال البيابي: "لاقت هذه الفكرةُ صدًى واسعا عند قائدي الثورات، وحاصدي أرواح الشعوب، ومَن مسَّه مسٌّ من جنون العظمة، كـ"هتلر" و"ماوتسي تونغ"، وللأخير مقولة شهيرة في هذا السياق، جاء فيها صراحةً وصلفا: "إذا ما كنَّا عظماءَ بما فيه الكفاية، حتى نُنهي سيطرة الإله علينا، ألا نصبحُ نحن أنفسنا آلهة. ببساطة لأننا جديرون -فيما يبدو- بذلك؟"[42].
لكن، للأسف تنطوي دلالة "موت الإله" -كذلك- على العديد من النتائج المدمِّرة، منها: "موت الحقيقة"، و"موت المعنى"، و"موت الميتافيزيقا"، و"موت الأخلاق"؛ إلى أن تنتهي بحلول "الإنسانيِّ" في "الماديِّ"، فتُخضع الإنسانَ لمعايير المادَّة، ومن ثمَّ يتمُّ الإعلان عن "موت الإنسان".
يقول الدكتور أحمد عبادي: "نيتشه الذي أعلن عن موت الإله، هو في حقيقة الأمر أعلن عن موت الإنسان"[43].
واليومَ، على مشارف الألفية الثالثة، نسجِّل بصوت جهور موت "فلسفة الموت" أو "موت الموت"، بعدما أودت بالبشرية في مهاوي لا قعرَ لها؛ ثم على إثر ذلك "مات القاتل" نفسُه، وبقي ذكره عبرةً ولعنةً في جبين القرن الماضي، لما خلَّفه من دمار وخراب، ومن فتن وحروب، أبدع فيها حامل هذه الأوهام أيما إبداع، في سُبل التقتيل والتنكيل، والاستدمار وهتك الحرمات، ولم يكن الطرفُ المقابل، قادرا ولا جاهزا للمواجهة؛ فصدق في ذلك قوله تعالى: (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)(الأنفال:73). ولقد عجزنا فلم نفعل ولم نوقف النزيف، فكانت الأرض -نتيجةً لذلك- مستنقعًا للفتن، وساحة للفساد الكبير، ولا تزال.
أمَّا الذي بقي بعدَ هذا الانتحار الفظيع، فهو -ولله الحمد والمنَّة-: "الحياةُ"، و"واهبُ الحياة" سبحانه، و"السراج النبويُّ" المنير؛ أي بقي "الأملُ"، و"المستقبلُ"، (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(الصَّف:8).
- تم الإنشاء في