الفصل الثاني: العصمة والأنبياء الآخرون

قبل الانتقال إلى الآيات الكريمة المتعلقة بهذا الموضوع نود التنبيه على بعض الأمور بشكل مختصر.

أولاً: إذا اختار أي نبي الشيء الحسن مع وجود الأحسن فهذا يعد زلة بالنسبة إليه، ولكن هذا لا يعد في مقاييسنا خطأ ولا زلة، لأن ما اختاره كان حسناً، غير أن النبي عليه أن يختار الأحسن، لأنه من المقربين. لنضرب مثالاً يقرب الموضوع إلى الأذهان:

لنفرض أن أحدهم يريد ختم القرآن الكريم، ولكن في كم يوم عليه أن يختمه؟ هنا يظهر أمامه ترجيحان، أحدهما أن يقرأ القرآن على مهل متأملاً معانيه فيختمه في عشرة أيام، والثاني قيامه بختم القرآن في سبعة أيام على أساس أنه دليل علي تمسك أكثر وحب أكثر لكلام الله تعالى.

لنفرض أنه اختار الترجيح الأول وختم القرآن في عشرة أيام، ولنفرض أيضاً أن رضا الله تعالى كان يتحقق بشكل أكثر وأفضل في الترجيح الثاني، فهنا يكون نيل رضا الله هو الأحسن، بينما يكون ما قام به هو الحسن، إذن، فلا يوجد هنا ذنب لكي يقال له: لقد أذنبت وأخطأت، كل ما يمكن القول هو أنه اختار الحسن مع وجود الأحسن، وليس من الصحيح هنا إسناد الذنب إليه.

هذا هو الوجه الحقيقي للأمور التي يقوم فيها الأنبياء بالاختيار حسب اجتهادهم الشخصي، لذا لا يمكن إسناد اقتراف الذنب إليهم، وسنعود فيما بعد إلى هذا الموضوع.

ثانياً: يُعد الأنبياء قبل كل شيء أئمة المجتهدين حيث يجتهدون في المواضيع التي لم ينـزل فيها الوحي سواء أكانت أحكاماً أم أموراً شخصية أم أموراً اجتماعية، وفي معظم الأحوال تتوافق هذه الاجتهادات تماماً مع المراد الإلهي، وفي أحيان قليلة قد لا تصيب تماماً هذا الهدف مع أنهم يتحرون الرضا الإلهي على الدوام، وقد يُعد بالنسبة لمستواهم الرفيع خطأ، لأن عليهم أن يصيبوا هدف الرضا الإلهي إصابة دقيقة، ولكن خطأهم في الاجتهاد لا يُعدّ ذنباً أبداً ولا يُخلّ بعصمتهم، لذا فلا يُحاسبون عليه. ولو فرضنا العكس -وهو فرض محال- فهذا ليس من شؤؤننا.

ثالثاً: إن مثل هذه الأمور البسيطة حدثت قبل نبوتهم، والزلة هنا تأتي بمعنى التزلزل البسيط، ولا تعني الوقوع والانكفاء على الأرض. والآن لنعط بعض الأمثلة الشاخصة لما عرضناه، ولنحول نظرنا أولاً إلى أب البشرية آدم عليه السلام.

أ- آدم عليه السلام

يشرح القرآن الكريم موقف آدم عليه السلام فيقول: ﴿وَعَصَى اٰدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ (طه: 121-122). واستعملت الآية تعبير "الاجتباء"، والاجتباء: الاختيار والاصطفاء، وهي عملية إنقاذ الشيء من أن يترسب إلى القاع أو من أن يتفرق يميناً وشمالاً كالفقاعات، أي أن الله تعالى أنقذ آدم من الوقوع في مثل هذا الوضع.

وسنتناول فيما بعد معنى كلمة "عصى" الواردة في الآية، وسنرى أنها لا تشير إلى معنى العصيان. والآن لنتابع موضوع آدم عليه السلام. نستطيع تعلم معنى الطاعة من آدم عليه السلام، فما أن زل حتى توجه إلى ربه الذي حفظه من السقوط: ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الأعراف: 23).

كان ذلك زلة، ولكن الله تعالى هداه إلى الطريق القويم بعد هذه الزلة والى الهداية، ونعلم من هذا أن هذه الزلة كانت قبل اجتبائه، ففي هذه الفترة كان آدم عليه السلام مثل نبتة انحنت أمام هبوب عاصفة ولكنها اعتدلت مثل سابق عهدها بعد انقضاء العاصفة ولم تقتلع من جذورها. والرسول صلى الله عليه وسلم يشبه المؤمن بالزرع ويشبه الكافر بشجرة الأرز التي لها منظر ولكن إن قلعتها الريح العاصفة لم تستطع أن تعتدل مرة أخرى: «مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يفِيءُ ورقُهُ من حيث أتتها الريح تُكَفّئها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكُفّأُ بالبلاء. ومثل الكافر كمثل الأرزة صمّاءُ معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء.»[1]

فإذا أخذنا هذا بنظر الاعتبار علمنا أن زلة آدم عليه السلام كانت قبل نبوته. ثم إن زلة آدم عليه السلام كانت عبارة عن نسيان وعدم تذكر، والله تعالى يخبرنا بذلك فيقول: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى اٰدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾(طه: 115). ويقول في موضع آخر: ﴿وَقُلْنَا يَا اٰدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾(البقرة: 35).

ولكن آدم نسي هذا، والنسيان طبيعة بشرية، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يحلل هذا الموضوع: «ونُسِّي آدم فنُسِّيتْ ذريتُه»،[2] وقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم -الذي يعرف الطبيعة البشرية أفضل معرفة- هذا الموضوع بهذا الشرح الجميل.. الإنسان ينسى، وآدم إنسان إذن، فهو ينسى وقد نسي فعلاً، وفي هذا الحديث يشير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تأثير الوراثة على تصرفات الإنسان وسلوكه، وعلى المختصين في هذا المجال الاستفادة من هذه الإشارة. إذن، فقد جاءنا النسيان من أبينا آدم عليه السلام، فالله تعالى وضع هذا في ماهية آدم عليه السلام وفي كروموزوماته، لذا لا نستطيع نحن التخلص من هذا. وعندما يذكر الله تعالى أن آدم نسي فهو يقطع سوء الظن ويبعده، ثم يقول بعده مباشرة: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ (طه: 115) أي لم نجده عاقداً عزمه على فعل تلك الزلة ولم يقصدها قصداً، بل بدرت منه في ساعة نسيان.

ماذا كانت تلك الفاكهة المحرمة؟ هناك وجهات نظر عديدة في هذا الموضوع لا نستطيع سردها كلها هنا، وإلا قلبنا هذه الصفحة إلى دكان بائع الفواكه، الشعير، الحنطة، الرز، التمر، العنب.. الخ، ولا يغير نوع الفاكهة الموضوع أو يؤثر فيه، فالمهم هو ما حدث من وضع ومن مشكلة بعد أكل هذه الفاكهة. أما قناعتنا في هذا الموضوع فتختلف عما قيل حتى الآن بعض الشيء.

الفاكهة المحرمة هي الغريزة البشرية التي لم يكن بمقدور آدم عليه السلام الوقوف في وجهها. وبفضلها تكاثر النسـل البشري، والأمر نفسه كان وارداً بالنسبة لأم البشرية حـواء، ونحن نرى -والله أعلم- أن الاقتراب من الشـجرة يأتي بمعنى العملية التي يتكاثر بفضلها الجنـس البشـري.

ومع ذلك فلا نقول إن أصح رأي هو ما نقوله، ولكننا نعتقد أن من المفيد إضافة هذا الرأي وهذا القول إلى جانب الآراء الأخرى في هذا الموضوع، فإن كان صحيحاً فهذا فضل من الله، وإلا فإننا نلوذ برحمته الواسعة.

أحب أن أنبه إلى أمر قبل الانتقال إلى الحكم الديني للنسيان والخطأ إذ يتوجب علينا وصل الحوادث المتفرقة التي يقصها القرآن علينا ثم عرضها بشكل تام.. والأمر نفسه وارد هنا، ففي مرحلة نبه آدم عليه السلام وحوّاء من عدم الاقتراب من الشجرة أو من الفاكهة المحرمة، ولكن كم من الزمن مر على هذه المرحلة؟ لا أحد يعرف هذا، ولكن الظاهر أن هذا الزمن كان طويلاً بحيث ساعد على نسيان آدم لهذا النهي، ثم تم تناول الفاكهة المحرمة بعد هذا النسيان.

والحساب مرفوع عن الخطأ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «رُفِع عن أمّتِي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه.»[3] وألا يعلمنا القرآن الكريم أن نستغفر الله تعالى إن وقعنا في هذه الأمور؟ ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أخْطَأنَا﴾ (البقرة: 286). أليست هذه الآية من الورد الذي نقرؤه كل يوم قبل النوم؟

نسي آدم عليه السلام وقطف الفاكهة المحرمة خطأً. فإذا كان هذا الأمر تم جراء الخطأ والنسيان الذي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الحساب مرفوع عنهما، فكيف إذن، يعد آدم عليه السلام آثما أو مذنباً؟

فإذا كان الإنسان الاعتيادي يجتنب ما هو ظلم وعصيان لدى الله تعالى، فكيف لا يجتنب الأنبياء الظلم والعصيان وهم الأشخاص المصطفون والمختارون من قبله تعالى؟ أرى أن قول العكس غفلة كبيرة، بل إن بعض العلماء كرهوا قراءة هذه الآية بهذا المعنى.. لا شك أنه يستطيع أي إنسان قراءة هذه الآية وشرح معانيها على ألا يكون وسيلة لفهم خاطئ، لأن آدم عليه السلام نبي ولا يمكن أبداً التحدث عن نبي وكأنه شخص عادي. وأسلوب القرآن حولهم يتأتى من زاوية درجة قربهم من الله تعالى وليس من زاوية تصرفاتهم، وكان القدماء يوضحون هذا بقول "حسنات الأبرار سيئات المقربين." [4]

وحتى في القانون البشري نرى أن موظف الدولة إن اقترف ذنباً تزداد عقوبته، فإن كان مخالف القانون حاكما أو محاميا ممن يعرف القانون تضاعفت عقوبته. فالأنبياء موظفون من قبل الله تعالى، وهم يعرفون أكثر من غيرهم ماذا يعني اقتراف الذنوب، لذا كان من الطبيعي مضاعفة عقوبة من كان بهذا الموقع إن اقترف ذنباً. ثم ألا يعد اقتراف الذنب في حرم الكعبة شيئاً أكبر وأشنع من اقتراف الذنب نفسه في الأماكن الأخرى؟[5]

ألا يذكر القرآن الكريم مضاعفة العقوبة لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم إن اقترفن الذنب؟[6]

ذلك لأن الكعبة رمز للقرب من الله تعالى، والناس هناك يُعدون ضيوف الرحمن، وكون أي امرأة زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم رمز أيضاً للقرب من الله تعالى، لأن بيت الرسول صلى الله عليه وسلم هو البيت الذي يتنـزل عليه الوحي، ويدخله جبريل عليه السلام على الدوام، لذا كان من الطبيعي مضاعفة العقوبة لأي ذنب يقترف في هذا البيت وذلك على قاعدة: "الغُرْم بالغُنْم"، فمع زيادة المغنم يزداد المغرم.

وهذا هو أيضاً وضع الأنبياء عليهم السلام، فقد شرفوا بالقرب من الله تعالى، وملك الوحي معهم في غالب الأحوال، لذا فمن الطبيعي أن يعد أقل زلة عندهم بمثابة ذنب، وأن تقدم الزلة وكأنها ذنب، لأن طبيعة موقعهم تستوجب هذا، ولأكرر هنا فأقول بأن هذا الذنب وهذه العقوبة أو الجزاء لا يمكن تقييمه من زاوية ذنب أو جزاء إنسان عادي أو ولي من الأولياء، بل هو صورة ذنب من زاوية وضعهم وموقعهم كأنبياء فقط وليس ذنباً حقيقياً، لذا لا يجوز إطلاق كلمة الذنب هنا.

ثم لنفرض أن الله تعالى أمر آدم عليه السلام بعدم ملامسة زوجته والصوم عن مقاربتها، ولكن لكون آدم عليه السلام قد تعلم الأسماء كلها فهو يعرف إذن، ما سيحل به بشكل من الأشكال. أجل، كان يعلم أن الدوامة التي دخل فيها ستقلبه مرات ومرات وتوصله -بتأثير من الدافع المركوز فيه- إلى النقطة التي خُطط لها.. فالإرادة الإنسانية التي تقاطعت في لحظة في عالم الأسرار في نقطة معينة مع المشيئة الإلهية أدت إلى هذه النتيجة، فإن لم نقل إنه نسيان -والقرآن الكريم يقول إنه نسيان- فعلى الأقل يجب مواجهته بمرونة.

وما دمنا وصلنا إلى هذه النقطة أرى من المفيد إيراد الحديث النبوي الذي يرويه البخاري ومسلم والترمذي، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه أتلومني على عمل عملته كتبه الله عليّ قبل أن يخلق السموات والأرض. قال: فحج آدم موسى.»[7] وهذا الحديث يبين أن آدم عليه السلام كان على حق في هذا النقاش، وهذا يعني أنه لم يقترف ما يعد إثماً بفعله ذلك.

عُلّمَ آدم عليه السلام الأسماء كلها -والمسميات كذلك- فعاش حياته مبهوراً في خضم أسرار هذه الأسماء، لذا فمن الغفلة ادعاء إمكانية قيام مثل هذا الشخص باقتراف ذنب عن سابق إرادة وتصميم. واحتمال آخر هو أن النهي عن تلك الفاكهة كان نهيا مؤقتا، وأن آدم عليه السلام كان يعرف هذا، ولكنه اجتهد برأيه ومد يده لتناولها قبل الأوان.. مد يده وأفسد صومه، وهذه العملية التي تعد الآن ثواباً إن تمت في دائرة الحلال كانت محرمة بشكل مؤقت على آدم عليه السلام، أو أن ذلك النهي كان بالنسبة لقربه من الله تعالى، لذا عُدّ تصرفه هذا زلة.

والمقياس الذي عرضناه في حق آدم عليه السلام سيفيدنا في فهم وضع الأنبياء الآخرين، إذ سنفهم أنهم متصفون بصفة العصمة، فالزلات المسندة إليهم ليست ذنوباً بالمعنى الذي نفهمه نحن من الذنب.

ب- نوح عليه السلام

ناجى نوح عليه السلام ربه لينقذ ابنه فتم تنبيهه، وقد يبدو هذا في النظرة الأولى زلة بالنسبة لنبي، لندقق النظر في وضع هذا النبي الكريم الذي يعد الأب الثاني للبشرية لنعرفه عن قرب في ضوء نور القرآن الكريم. يورد القرآن الكريم دعاء نوح عليه السلام وجواب الله تعالى وتنبيهه له: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ (هود: 45).

كان الانفعال قد سرى في كيان نوح عليه السلام وهو ينتظر الحادثة التي ستقع على رأس أمته، وكان قلقاً على مصير ابنه كأي إنسان آخر، فهل كان قلقه للمصير الذي سيلقاه ابنه أم لأن ابنه سيموت كافراً؟ لا شك أن قلقه لم يكن منحصراً على دنيا ابنه وعلى بدنه وجسمه بل علىحياته الأبدية وحياته الخالدة وهو الذي يعرف جيداً السعادة الأبدية التي هيأها مولاه، وكذلك عذابه الأليم، ثم أهناك أي والد لا يرتجف شفقة من مثل هذا المصير المرعب لابنه؟

أمام هذا الأنين الصادر من هذا القلب المكلوم جاء الإرشاد الإلهي الذي بين حقيقة الأمر: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (هود: 46).

إنه ليس من أهلك، صحيح أنه من صلبك وأن امرأتك ولدته وتربى في حجركم، ولكن أهلك هو من سار على دربك، ذلك لأنه اقترف عملاً غير صالح ودخل إلى دائرة فاسدة وتمرد عليك ودخل بين الكفار فقادوه إلى الغرق في المياه، وقاده الغرق إلى خسران حياته الأبدية، فلا تطلب مني شيئاً لا تعلمه حق العلم. إني أعيذك أن تكون من الجاهلين، ذلك لأنك أهل للعلم وأهل للمعرفة وللحب، لأنك تعلم مولاك الحق، فلا يليق بك هذا الطلب وأنت من الأنبياء والمقربين إليّ.

هذه هي الزلة الوحيدة لنوح عليه السلام الذي عاش تسعمائة وخمسين سنة إذ دعا من الله أن ينقذ ابنه المشرف على الغرق، فلماذا قام بهذا الدعاء وبهذا التوسل؟

أولاً: لقد بين القرآن الكريم أن الله تعالى أوصاه أن يحمل أهله والمؤمنين في السفينة: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ (هود: 40). كان هذا هو الوعد الذي أخذه نوح عليه السلام من ربه، وكان طلبه ودعاؤه مستنداً إلى هذا الوعد، ولكنه لم يكن يعلم صدور الحكم الإلهي ضد ابنه، لذا لم يكن طلبه إلا طلبا لوعد الله تعالى.

بنى نوح سفينة استناداً إلى الوحي، ودعا الناس إليها بناء على أمر الله تعالى، كان أفراد عائلته بالطبع ضمن هؤلاء المدعوين، دعا أفراد عائلته ولكن ها هو يشاهد ابنه وقد حاصرته الأمواج، فأسقط في يده ولم يجد هناك إلا ملجأ واحداً يلجأ إليه وهو ربه الذي يبقى المنقذ الوحيد عندما تنسد الأبواب جميعها.. التجأ إليه لإنقاذ ابنه، فلم يبق أمامه سوى باب الدعاء من ربه.

وقد فوجئ عندما أخبره ربه أن ابنه ليس من أهله، كان يحسب أنه من أهله لأنه ابنه، ولكنه عندما نبه رجع حالاً إلى ربه وأناب إليه واستغفره بهذا الدعاء الحار: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (هود: 47). إذن، فعندما التجأ نوح عليه السلام بطلبه إلى ربه لم يكن عالماً بالأمر، وعندما علم أسرع بالاستغفار، فهل يمكن إطلاق وصف الخطأ على هذا التصرف؟ وأي ضمير يرضى بذلك؟

ثانياً: ماذا كان طلب نوح عليه السلام؟ لقد طلب نوح من ربه هداية ابنه، وأليس هذا شيئاً طبيعياً لأي أب؟ أب هو في الوقت نفسه نبي يبذل كل ما في وسعه لهداية الناس جميعاً، لذا ألا يعد تضرع نوح إلى ربه لإنقاذ الحياة الأبدية لابنه تصرفاً طبيعياً بل تصرفا فاضلاً وهو الشخص الرحيم الذي مد جناحي رحمته ليظلل الناس جميعاً؟

أجل، نحن هنا أمام رحمة نبوية، هذه الرحمة التي تتجاوز خيالنا نحن، ولولا هذه الرحمة الواسعة لما كان بإمكانهم حمل عبء النبوة على أكتافهم. فكروا في أم من الأمهات.. فلكي تقوم هذه الأم بضم وليدها إلى صدرها والقيام بإشباع كل حاجاته ومتطلباته يجب أن تزود برحمة وبشفقة كبيرة، إذن، فما بالك بالرحمة المهداة إلى أي نبي من الأنبياء أو إلى أحد الأنبياء والكبار من أولى العزم وهم الذين فتحوا أذرعهم لاحتضان كل المطالب المشروعة الدنيوية منها والأخروية لبني الإنسان بأجمعهم!

ويقول القرآن الكريم وهو يصور الحالة النفسية لرسولنا صلى الله عليه وسلم أمام المنكرين والكفار: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ[8] نَفسَكَ عَلَى اٰثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾ (الكهف: 6)، ويشرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه منا بهذا المثل الذي يضربه إذ يقول: «إنما مَثَلي ومَثلُ أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدوابّ والفراشُ يقعنَ فيه، فأنا آخذُ بحُجَزِكمْ[9] وأنتم تَقَحَّمُون فيه.»[10]

إذن، فهذا هو مبلغ الرحمة النبوية، وكان نوح عليه السلام نبياً، لذا كان يحمل الشفقة نفسها. ولكنه ما إن سمع التنبيه الإلهي حتى أناب إلى الله تعالى وتخلى عن دعائه واستغفر ربه.

والآن لنر التشابه بين دعائي نوح عليه السلام وآدم عليه السلام.. لقد توجه كلاهما إلى الله عندما علما بخطئهما وتضرعا إليه بدعاء متشابه وبأسلوب متشابه، لأنهما كانا من خميرة متشابهة وخلق متشابه.. درسا في المدرسة نفسها وعلى يد المعلم علام الغيوب نفسه، لذا كان عليهما أن يرجعا عن الخطأ بالشكل نفسه، ومع أن القرآن الكريم استعمل كلمات مختلفة في بيان إنابتهما وأوبتهما إلا أنه استعمل الأسلوب نفسه.

ثالثاً: هناك قاعدة دينية تقول: "نحن نحكم بالظاهر"، ولهذا اشترك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة على عبد الله بن أبي مع علمه بنفاقه، كما اشترك في الصلاة على كثير من المنافقين ولم يهتك سترهم،[11] ذلك لأنهم كانوا في الظاهر يؤدون الصلاة ويصومون ويقومون بأداء جميع الشعائر الدينية.

لذا، فهناك احتمال أن موقف ابن نوح عليه السلام كان الموقف نفسه، فربماكان ابنه يتظاهر بالإيمان على الدوام مع كونه منافقاً أو أن نفاقه ظهر على السطح في تلك الأثناء، وكان نوح عليه السلام يحكم عليه حسب ظاهره ويعده من أهله، أما الحكم حسب الظاهر فلا يُعد ذنباً في أي وقت من الأوقات، لذا وبناء على هذا لا يكون نوح عليه السلام قد اقترف ذنباً، فقد قام بواجبه.. وتصوروا هذا النبي الكريم الذي عاش تسعمائة وخمسين سنة وبذل كل جهده طوال حياته هذه، وتعرض إلى الهزء والسخرية وأسند إليه الجنون، ولكنه لم يهتز أبداً ولم تفتر عزيمته أبداً مع أن الذين آمنوا به كانوا قلة قليلة كما يخبرنا القرآن الكريم: ﴿وَمَا اٰمَنَ مَعَهُ إلاَّ قَلِيلٌ﴾ (هود: 40).

ويستطيع من يريد فهم النبي نوح عليه السلام قراءة سورة نوح، عند ذلك سيفهم كيف أن هذا النبي الكريم بعيد عن اقتراف أي ذنب بُعد الثرى عن الثريّا، ندعو من الله تعالى أن يجعلنا من الفائزين بشفاعة نبينا وبشفاعة نوح عليه السلام.. آمين.

ج- إبراهيم عليه السلام

إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وخليل الله.. الإنسان الذي لم تطرف عيناه خوفاً من أي شيء.. الإنسان الكبير الذي وجد البرد والسلام داخل النار.. الشخص المجتبى الذي كان ينقل جو الجنة الذي كان يحمله داخل جوانحه إلى كل مكان يذهب إليه حتى وإن كان ذلك جحيماً، وبينما يفرح كل إنسان عند انتسابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفرح لشبهه بإبراهيم عليه السلام إذ يقول إنه عندما عُرض عليه الأنبياء في معراجه: «ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه فإذا أقرب من رأيت به شَبَهاً صاحبكم»[12] يعني نفسه. والآن لندقق حدود عصمته ونفهم ماهية العصمة عنده كذلك.

1. الكوكب والقمر والشمس

لم يعبد إبراهيم عليه السلام في أي مرحلة من مراحل حياته الكواكب ولم يقترب من الشرك. وإن إطلاقه كلمة "ربي" على كل من الكوكب والقمر والشمس لا علاقة له مع الشرك لا من قريب ولا من بعيد.

والآن لنتابع من القرآن الكريم هذا الموضوع: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الاٰفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام: 76-78).

ولد إبراهيم عليه السلام حنيفاً، لذا لا يتصور أنه قال "ربي" بشكل حقيقي للكوكب والقمر والشمس، ذلك لأن من يتوهم ذلك فكأنه يتناسى عن عمد الآيات التي سبقت هذه الآيات وهي: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ اٰزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً اٰلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (الأنعام: 74)، والآية التي تأتي بعد ذلك تقول: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ (الأنعام: 75).

إذن، فمثل هذا النبي المنفتح قلبه على مثل هذا العالم الغيبي لا يمكن أن يعد الكواكب -ولو بشكل مؤقت- ربّا له مهما قالت الكتب المملوءة بالأساطير هذا. ثم إن الله تعالى لم يره ملك السموات والأرض فقط، بل أراه الملكوت كذلك، أي العالم الموجود وراء أستار هذا العالم الظاهري، وهو بهذا من الواصلين إلى الإيمان اليقيني.. بل إلى مرتبة حق اليقين التي هي المرحلة الأخيرة للإيمان اليقيني، لذا بعدما شرحت الآيتان السابقتان كيف حصل إبراهيم عليه السلام على الإيمان اليقيني نعلم أن إبراهيم عليه السلام كان يريد أن يوصل إلى قومه بعض الحقائق في هذه الحادثة.. إذن، لنتناول الموضوع من هذه الناحية لنقوم بالتحليل:

في البدء نقول إن قوم إبراهيم عليه السلام كانوا يعبدون النجوم مثلما عبد العرب في مرحلة من مراحل الجاهلية "الشِّعْرَى" التي أصبحت إلهاً يُعبد لكونها نجمة لامعة وأكبر من غيرها حسبما كانت تبدو لهم، وكان أهل بابل القدماء يعبدون النجوم أيضاً، هنا نعلم أن إبراهيم نظر إلى هذا الكوكب الذي كان يبدو -لبعده- صغيراً وأثار انتباه من حوله إليه، ثم قام بتنبيه صغير ومعقول لهم يطابق الظاهر.. كان ما يقوله صحيحاً لا يخالطه أي كذب، وكان في كل دليل يقدمه لهم يهدم إلهاً لهم في السماء وإلهاً يمثله في الأرض.[13] أجل، كان إبراهيم عليه السلام يهدم بمنطقه أصنامهم واحداً إثر آخر.. كانت هذه هي مهمته.. هدم الأصنام.

قدّر بعض المفسرين وجود همزة الاستفهام في أول جملة "هذا ربي"[14] أي أن الجملة المقدرة هي سؤال إنكاري: "أهذا ربي؟" والجواب الطبيعي: "كلا.. ليس هو"، هذا أحد التفاسير، غير أن تفسيرنا للموضوع هو: تظاهر إبراهيم عليه السلام أنه مهتم بما يعده قومه آلهة، وذلك كخطة لكي يجرهم إلى المستوى الذي عينه للنقاش معهم، ولم يكن هناك حل آخر أمامه غير هذا، وأعاره قومه آذانهم له على اعتبار أنه يتكلم عن آلهتهم، ولكن عندما انتهت المناظرة بينه وبينهم بالجمل الأخيرة لإبراهيم كانت جبهة الإيمان قد انتصرت على جبهة الكفر والشرك.

لقد تجول إبراهيم عليه السلام مع قومه بين الكوكب والقمر والشمس وأراهم أن الجميع يأفلون.. كلهم يبزغون ويصعدون إلى كبد السماء ثم يأفلون في النهاية، والذي يولد ثم يكبر ثم يأفل ضمن قوانين معينة لا يمكن أن يحكم الكون، فكيف يستطيع من كان حادثاً الهيمنة على حادث مثله؟ كانت الجملة الأولى له لقومه وهي: ﴿لاَ أُحِبُّ اْلاٰفِلِينَ﴾ أول تنبيه لهم.. يجب ألا يكون في القلب محل للآفلين وللغاربين، ولا يكون الآفلون أهلاً للسير وراءهم، لأنهم يختفون ويأفلون.. أعطوني حبيباً لا يأفل.. حبيباً يكون أقرب إليّ مني.. حبيباً يعرف جميع خلجات قلبي ورغباته، وعنده القوة والمقدرة على أن يحقق كل هذه الرغبات.

ثم يخطو خطوة أخرى.. يريهم القمر.. ولكنه يأفل أيضاً بعد مدة، فيقول جملة يتعرض لهم بها من طرف خفي ويريهم ضلالتهم: ﴿لَئِن لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ (الأنعام: 77).

وفي الخطوة الثالثة ينظر إلى الشمس التي هي كبير الآلهة عندهم.. بدأ من الصغير وهدم إلهين صغيرين عندهم، والآن جاء دور الإله الأكبر، لذا عندما أفلت الشمس وغربت خاطب ضمائر القوم الموجودين هناك: ﴿قَالَ يَا قَومِ إنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشرِكُونَ﴾ والآن جاء دور الجملة الأخيرة إذ توجه إليهم بهذا الكلام الحار الخارج من أعماق قلبه: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام: 79). ولو أن إبراهيم عليه السلام قال هذه الجملة منذ البداية لما استمع إليه أحد.. راعى مستواهم ووضعهم وعقليتهم وتدرج معهم فبدأوا يستمعون إليه، ولو لم يتدرج في كلامه معهم لما وجد أحداً يستمع إليه ولما استطاع أن يؤثر فيهم.

وهكذا فضّل إبراهيم عليه السلام بفطنته اختيار هذا السبيل لكي يظهر حقيقة "لا إله الا الله" لكل فرد في قومه، وهذا المنطق مطابق تماماً للمنطق القرآني، وكيف لا وكلاهما استقى من المنبع نفسه وعكسا الحقيقة نفسها.

أود هنا جلب أنظاركم إلى نقطة معينة، فإبراهيم عليه السلام يقول: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشرِكُونِ﴾ وهذه الجملة جملة إسمية، والجمل الإسمية في اللغة العربية تفيد الاستمرار، وهذا معناه: إنني كنت بريئاً ولا أزال بريئاً مما تشركون. إذن، فلم يتفوه إبراهيم عليه السلام بأي كلام ولم يقم بأي تصرف يستشف منه أي شرك، والتعابير التي استعملها لم تكن إلا خطة محكمة من خططه الحكيمة، لذا فلا يوجد شيء في كلامه يخل بعصمته.

2. إحياء الموتى

والشيء الثاني الذي يُزعم أنه زلة هو طلبه من ربه إحياء الموتى. والقرآن الكريم يشرح هذه الحادثة فيقول: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ (البقرة: 260).

كان إبراهيم عليه السلام بطلاً من أبطال الروح وعالم المعاني والإيمان الذي يبحث دائماً عن المزيد، وظل قلبه مفتوحاً على الدوام للمزيد من معرفة الله، لذا نراه يريد اقتحام آفاق جديدة من المعرفة بمشاهدة كيفية إحياء الله تعالى للموتى.

أكان لدى إبراهيم عليه السلام شك أو شبهة في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى؟ كلا على الإطلاق، فقد تضرع إلى الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى، إذ لم يقل لله تعالى: أتستطيع أن تحيى الموتى؟

واستجاب الله تعالى لطلبه فأمره أن يأخذ أربعة طيور ويجعلهن يألفنه ثم يذبحهن ويقطعهن ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا ثم يدعوهن فيأتينه سعياً: ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً﴾ (البقرة: 260).

والحقيقة أن الله تعالى أراه مثالاً واحداً من أمثلة الإحياء التي تتكرر في كل موسم ربيع آلاف المرات، غير أنه أكرم نبياً عظيماً من أنبيائه فقدم له هدية خاصة في هذا المجال لكي يرتشف الإيمان اليقيني وينهل من منهل الإيمان من درجة الاطمئنان.. كان إبراهيم عليه السلام يعب من هذا المنهل العذب ولا ينطفئ ظمأه وعطشه.. فلم يكن طلبه هذا ناتجاً عن شك أو شبهة أو تردد وهذا ظاهرمن سؤاله، إذ لم يقل لله تعالى: "هل تقدر أن تحيي الموتى أم لا تقدر؟" وهذا يشبه قولك لرسام كبير: "دعني انظر إليك وأنت ترسم لوحة" أو لخطاط فنان: "خط أمامي لكي أرى كيف تخط مثل هذه الخطوط الجميلة"، فليس في مثل هذا الطلب أي ناحية تعجيزية، بل هو تعبير عن الافتتان بفنه الجميل واعتراف به، ولهفة على رؤية دقائق فنه وسعادة كبيرة في تأمل كيفية ظهور لوحة رائعة مرحلة فمرحلة.. أجل، فالسؤال كان حول كيفية الإحياء وليس حول إمكانيته أو عدم إمكانيته.

ثانياً: إنه كما قال سيد قطب رحمه الله:

"إنه التشوف إلى ملابسة سر الصنعة الإلهية، وحين يجيء هذا التشوف من إبراهيم الأواه الحليم المؤمن الراضي الخاشع العابد القريب الخليل.. حين يجيء هذا التشوف من إبراهيم فإنه يكشف عما يختلج أحياناً من الشوق والتطلع لرؤية أسرار الصنعة الإلهية في قلوب أقرب المقربين!.

إنه تشوف لا يتعلق بوجود الإيمان وثباته وكماله واستقراره، وليس طلباً للبرهان أو تقوية الإيمان.. إنما هو أمر آخر، له مذاق آخر.. إنه الشوق الروحي إلى ملابسة السر الإلهي في أثناء وقوعه العملي ومذاق هذه التجربة في الكيان البشري مذاق آخر غير مذاق الإيمان بالغيب ولو كان هذا هو إيمان إبراهيم الخليل الذي يقول لربه ويقول له ربه، وليس وراء هذا إيمان ولا برهان للإيمان، ولكنه أراد أن يرى يد القدرة وهي تعمل ليحصل على مذاق هذه الملابسة فيستروح بها ويتنفس في جوها ويعيش معها.. وهي أمر آخر غير الإيمان الذي ليس بعده إيمان."[15]

ثم إن إبراهيم عليه السلام كان يريد أن يشبع إيماناً بمستواه هو، فالرجل الأمي قد يتصور أنه ما من أفق آخر غير أفقه المحدود، وليس هناك طريق تتجاوز طريقه.. ألم يزعم محيي الدين بن عربي -في شطحاته- أن خاتم الأنبياء يتلقى الدروس من خاتم الأولياء؟ لماذا؟ ذلك لأن رأسه لمس القبة المضروبة على قدره ومقياسه، وعندما دخل من الباب المقدر له دخوله ضاقت به أطر الباب، بينما كان هذا الباب صغيراً جداً بالنسبة للقصر الكبير.. مثل باب غرفة صغيرة فيه.. بينما كان الباب الذي دخل منه إبراهيم الخليل باب سور كبير وباب مدينة كبيرة.. قبته السماء، يستطيع أن يتطلع فيها إلى الشمس والقمر والنجوم.. فأفق المعرفة لأكبر ولي يبقى محدوداً جداً بالنسبة لأفق المعرفة الذي وهبه الله تعالى لنبيه وخليله إبراهيم عليه السلام، وإذا كان إبريق من الماء يروينا، فإن البحار ما كانت لتكفي لإرواء ظمئه عليه السلام إلى المعرفة، لذلك كان صاحب هذا القلب الكبير كلما رأى دليلاً وآية من آيات ربه ذرف الدموع حباً ووجداً.

سأل شمس الدين التَبْرِيزِي جلال الدين الرومي: أيهما أعظم! هل النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول «ما عرفناك حق معرفتك يا معروف!»، أم أبو يزيد البسطامي الذي يقول: "سبحاني ما أعظم شأني!" فأجابه جلال الدين الرومي جواباً مذهلاً إذ قال: "نستطيع أن نعرف من هذين القولين كيف أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكبر من البسطامي بما لايقاس، ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كالبحر المحيط لا يمكن ملؤه، بينما كان البسطامي مثل إبريق ماء امتلأ بسرعة ثم فاض."[16]

كان إبراهيم عليه السلام إنساناً لا يعرف حداً للشبع من المعرفة الإلهية.. كان دائم الطلب "هل من مزيد؟".. أعطني يا رب من معرفتك المزيد.. لذا، ففي حديث يرويه البخاري ومسلم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم.»[17] أي بما أننا لا نشك في إحياء الموتى، لذا فمن الأولى عدم وجود الشك عند إبراهيم عليه السلام.

3. التعريضات الثلاثة لإبراهيم عليه السلام

عند البحث عن عصمة النبي إبراهيم عليه السلام يجدر بنا الإشارة إلى ثلاث أكاذيب أو بالأصح إلى ثلاثة تعريضات له، ذلك لأننا نستعرض هنا عصمة الأنبياء بشكل عام، بينما يُعد الكذب ذنبا كبيراً، لذلك فتفوه الأنبياء بأي كذب يخل بعصمتهم ويخل بالثقة بهم، فالكذب لا يصدر من قلب مؤمن.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث له: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثا.»[18] ولا تأتي كلمة "يكذب" هنا بمعنى الكذب المعروف بل بمعنى "التعريض". وقد يبدو قولنا هذا تكلفاً من الناحية اللغوية، غير أنه صحيح من ناحية المعنى الذي سنوضحه بعد قليل، ذلك لأنه يجب الانتباه جيداً إلى التعبير، إذ لا يمكن إسناد الكذب الحقيقي لإبراهيم عليه السلام، فلا يأتي الكذب هنا بالمعنى الوارد في قواميس اللغة، نطلق كلمة "التعريض" لأمثال هذه الكلمات.

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح أحياناً ولا يقول إلا حقاً، فمثلاً كان يمازح أنساً رضي الله عنه فيقول له: «يا ذا الأُذُنين!»،[19] طبعاً كان لأنس رضي الله عنه أذنان. وخاطب امرأة فقال لها: «أأنتِ زوجة الرجل الذي في عينه بياض؟» فقالت: يا رسول الله، ليس في عين زوجي بياض. فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «في كل عين بياض.» وأتته مرة امرأة فقالت: يا رسول الله، ادع لي أن يدخلني الله الجنة، قال: «يا أم فلان! إن الجنة لا يدخلها عجوز»، فولت العجوز تبكي فقال: «أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز فإن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّا أنْشَأنَاهُنَّ إنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أبْكَاراً﴾ (الواقعة: 35-36).»[20]

إن النبي يختار كلماته جيداً حتي وهو يمزح.. أجل، إن المقام الذي كان يشغله الأنبياء لم يكن يبيح لهم الكذب حتى في المزاح، ذلك لأنهم في موقع القدوة والأسوة للإنسانية جمعاء، فإن كذبوا في المزاح كذب الناس في الجد، لذا فلا يمكن أن يكون أي نبي مثالاً سيئا في أي شيء.

كان النبي إبراهيم عليه السلام منذ ولادته حنيفاً وعدواً للأصنام، وقف أمامها وعمل ضدها وكافح العكوف على الأصنام حتى قبل بعثته، حتى جاء يوم قرر فيه أن يهدم الأصنام جميعها. كان من عادات قومه النظر إلى النجوم لمعرفة ما سيقع من حوادث، لأنهم كانوا يعتقدون آنذاك أن الآلهة موجودة في السماء بين النجوم، وكانوا يعتقدون أن النجوم تتحكم في مصائر الناس، وكان إبراهيم عليه السلام ينظر أيضاً إلى النجوم ولكن من أجل محاولة إقناع قومه والوصول إلى تحقيق غايته، ولم يكن يفكر طبعاً تفكير قومه في هذا الصدد.

نظر إبراهيم عليه السلام نظرة إلى النجوم فقال "إني سقيم"، هذه هي كذبته الأولى أو بالأصح تعريضه الأول، وسنشرح فيما بعد لم قال هذا. وتعريضه الثاني قاله عندما كسر جميع الأصنام ثم علق مطرقته على عنق كبير الأصنام قائلاً لمن سأله من فعل هذا بأصنامهم: "إنه كبيرهم هذا فاسألوه."

أمـا الثـالـث فلا يذكره القرآن ويتعلق بزوجته إذ أوصـاها بأن تذكر لمن يسـأل عنها أنها أخـتـه.[21]

هذه هي التعريضات الثلاثة لإبراهيم عليه السلام وسنتناولها جميعاً لنرى الوجه الحقيقي لعصمته بعد معرفة ماهية الحوادث.

أ – " إني سقيم "

يشرح القرآن الحادثة الأولى فيقول: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ﴾ (الصافّات: 83-90). كان إبراهيم عليه السلام يقصد من "إني سقيم" الإشارة إلى السبب الرئيسي لعدم شعوره بالراحة، كانت الأصنام مصدر حزنه وسقمه.. شعر بأنه ما لم يهدم هذه الأصنام ويكسرها فلن يجد طعماً للراحة، وعندما قال لمن حوله: "إني سقيم" ظنوه مريضاً من الناحية الجسدية فتولوا عنه، إذ كانوا يصرون على اصطحابه معهم لمشاركتهم في احتفالهم الديني.. ما إن خرجوا من عنده حتى أسرع ليحطم الأصنام مبينا بذلك السبب الحقيقي لسقمه غير أنه استعمل في كلامه معهم تعريضاً يفهمون منه شيئا غير مقصوده الحقيقي، ولكنه لم ينحرف في كلامه هذا إلى الكذب أبداً، كل ما هنالك أن قومه لم يفهموا قصده الحقيقي، وليس هذا بغريب عن قومه الذين صموا آذانهم عن الاستماع إلى الحق، كان هذا هو مصدر الخطأ.

كان ما استعمله إبراهيم عليه السلام تعريضاً، ولكنه كان شخصاً مستقيماً إلى درجة أن هذا التعريض الذي استعمله آلمه إلى درجة أنه سيقول يوم القيامة لمن يأتيه يسأله الشفاعة أن يذهبوا إلى موسى لأنه تذكر كذباته، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «..فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من الأرض، اشفَعْ لنا إلى ربك، ويقول: -فذكر كذباته- نفسي نفسي اذهبوا إلى موسى.»[22]

تأملوا كيف أن إبراهيم عليه السلام استعمل تعريضاً مثل "إني سقيم" مرة في حياته وقارنوا بينه وبين أقوال من يرون أنفسهم في خدمة الإسلام -ولا أذكر غيرهم- إن كان ذلك اضطراراً أم لا لكي يتبين لكم مدى براءة أقوال النبي إبراهيم عليه السلام.. لقد سهل اليوم التذبذب بين الصدق والكذب، لذا يجب الحذر تماماً حتى من تجويز استعمال "التعريض" اليوم، ذلك لزيادة الكذب وفشوه في أيامنا الحالية، ولما كانت هذه هي الحال فيجب الحذر حتى في المواضيع الثلاثة التي أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الكذب فيها،[23] ذلك لأنه كانت هناك هوة واسعة بين الصدق والكذب في العهد النبوي.. كان الصحابة يمثلون الصدق وكان مسيلمة وأتباعه يمثلون الكذب، كانت هذه هي المسافة الموجودة سابقاً، أما الآن فالوضع مختلف.

أجل، إن الذين يمثلون الحق يجب ألا يعطوا للكذب أي مجال سواء في حياتهم الفردية أم في حياتهم الاجتماعية، فهذا هو الشرط الأول للوصول إلى موضع الثقة والأمن، يجب أن نبتعد نحن عن الكذب ويبتعد عنا الكذب، فإذا كنا نبدي كل هذه الحساسية في هذا الموضوع، إذن، فخمنوا الحساسية التي يبديها الأنبياء عليهم السلام في هذا الخصوص وهم الذين تعلمنا الصدق منهم، خاصة إن كان هذا النبي هو النبي إبراهيم عليه السلام جد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

بـ - " بل فعله "

والتعريض الثاني هو: ﴿وَلَقَدْ اٰتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا اٰبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَاٰبَاؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمٰوَاتِ وَاْلأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِاٰلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِاٰلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ (الأنبياء: 51-63).

يُسأل إبراهيم عليه السلام: ﴿قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلتَ هَذَا بِآلهَتِنَا يَا إبرَاهِيم﴾ فيجيبهم: ﴿بَلْ فَعَلَهُ﴾ ويسكت هنا، وفي القرآن الكريم علامة وقف هنا، أي يتم الوقوف هنا في التلاوة، والضمير (ـه) يعود إلى نفسه أي إبراهيم، ولكنه استطاع بمهارة حديثه توجيه أنظارهم إلى الصنم الكبير. والحقيقة أنه نطق هنا بجملتين مختلفتين، ولكن عند التلفظ بهما أصبحتا وكأنهما جملة واحدة، لذا فلم يستطيعوا فهم مراده الحقيقي. فالجملة الأولى هي: ﴿بَلْ فَعَلَهُ﴾ والثانية هي: ﴿كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ ولكنه عندما ربط الجملتين أصبحتا وكأنهما جملة واحدة: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ وهنا يكمن التعريض، ويكمن هنا أيضا استهزاء خفي من الكفر ومن عبادة الأصنام عندما قال: ﴿كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ ولكن عقولهم كانت مشبعة بفكرة الأصنام إلى درجة لم يفهموا معها سخريته هذه، فبما أنه أشار إلى الصنم وذكر أنه "كبير"، إذن، كان هذا كافيا بالنسبة إليهم ولا يهمهم بعد ذلك قصده ونيته.. ويل لعبادة الأوثان! ويل للتحجر الفكري! ويل للأذهان الضامرة والصدور المنغلقة دون النور الإلهي!

ﺟ - " أختي "

لا توجد في الحادثة الثالثة ذرة من الكذب، بل لا يمكن حتى إطلاق كلمة "التعريض" على كلامه، فهو كلام صحيح وصادق تمام الصدق، إذ أوصى زوجته سارة أن تقول للنمروذ ولرجاله إن سألوها "إنني أخته"، ولو سألوا إبراهيم عليه السلام عنها لقال "إنها أختي"، ذلك لأن إبراهيم عليه السلام لو قال إنها زوجته لامتدت أيديهم بالأذى والسوء إليها، ولوقع هو وزوجته في ضيق شديد، وربما اضطرا إلى ترك تلك البلاد والرحيل عنها، غير أن ما قاله إبراهيم عليه السلام مطابق للحقيقة، ذلك لأن جميع المؤمنين إخوة كما يقول الله تعالى ﴿إنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10)، والإيمان هو الرباط الأول الذي يربط الإنسان بالآخرين، وفي غياب وجود هذه العلاقات فإن الذين يولدون من أب واحد وأم واحدة لا يُعدون إخواناً، واختلاف الزمان والمكان لا يكون حائلاً بين أخوة الإيمان، والمؤمنون والمؤمنات إخوة فيما بينهم دون أي تفرقة بين ذكر وأنثى، أما نقاط التقارب الأخرى فتأتي بعد هذه الأخوة، فإن قام مؤمن بتطليق زوجته انقطعت رابطة الزوجية فيما بينهما، ولكن رابطة الإيمان تبقى موجودة. فالنبي إبراهيم عليه السلام أشار إلى هذه العلاقة وإلى هذه الرابطة وقال عن زوجته إنها أخته، وهذه الكلمة تفيد عين الحقيقة حتى أنها لا تُعد تعريضاً، غير أن الذين في أعينهم غشاوة وفي قلوبهم أكنة لن يفقهوا هذا أبداً. ما نستفيده نحن من هذا الموضوع:

1) إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب أبداً.

2) يجب على الذين يسيرون في طريق الأنبياء وفي أثرهم ألا يكذبوا ولا يقتربوا من الكذب، والمؤمن الحقيقي يحس بآلام الضمير طوال عمره من منظر حرام تعلق بنظره، أو من كذب جرى على لسانه مرة، بل يذرف الدموع أسفاً وندماً.. وعلى المرشدين -مهما كانت مراتبهم ودرجاتهم- أن يقضوا حياتهم باستقامة ودون انحراف.

4. استغفاره لأبيه

والآن لنلق نظرة على زلة إبراهيم عليه السلام عندما قام بالاستغفار لأبيه. فلماذا استغفر لأبيه الذي كان على ضلال مبين، ولماذا تضرع لله تعالى أن يغفر له؟ ألم يكن من الأولى لنبي مثله الاكتفاء بالذين آمنوا برسالته؟ ولماذا أصر في موضوع والده كل هذا وتضرع إلى الله تعالى أن يغفر له؟ أكان هذا خطأ منه؟ وكيف نستطيع أن نعزو الخطأ إلى نبي معصوم؟ وإذا أخطأ هنا فما الضمان أنه لم يخطئ في مواضيع أخرى؟ وكيف نعرف ذلك؟ أنستطيع بعد معرفة ذلك من اتباعهم بقلوب مطمئنة؟

هذا هو أساس الشبه التي أوردها الملاحدة السابقون ويورده اليوم بعض أصحاب الشكوك والشبه من المتظاهرين بالمعاصرة. قال إبراهيم عليه السلام في دعائه: ﴿واغفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ (الشعراء: 86). ويشرح القرآن الكريم السبب الذي دَعَا إبراهيم إلى هذا الدعاء: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (التوبة: 114).

كما يشرح القرآن كيف وعد إبراهيم أباه فيقول: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاٰء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِن شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (الممتحنة: 4).

هنا دلالة واضحة جداً على وجود عداوة أبدية بين الكفر والإيمان، ففي روح الكفر هناك بغضاء نحو الإيمان كطبيعة في الكفر لا يمكنه الفكاك منه، لذا تكمن هنا عداوة الكافر للمسلم واستحالة محبته.

يبين القرآن الكريم ضلال أبي إبراهيم عليه السلام، وهذا الضلال لم يكن ليشكل نقيصة في حق إبراهيم عليه السلام، إذ يمكن القول بوجود أناس لم يصلوا إلى نور التوحيد من بين أجداد رسـول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، ولا يدري أحـد ماذا كان موقف عبد المطلب أو هاشـم أو لُؤَيّ من عقيدة التوحيد، ولكننا نسـتطيع أن نقول بكل اطمئنان أنهم عاشـوا في عهد "الفترة" وأنهم سيعاملون على هذا الأساس، ومع ذلك فإن احتمال وجود أي قصور فيهم لا يمكن أن يشكل مانعاً من تكليف رسـولنا صلى الله عليه وسلم بالرسـالة الإلهية إلى البشـريـة.

أولاً: ليكن معلوماً أن كان آزر أبا لإبراهيم عليه السلام وكان إبراهيم عليه السلام يقول إنه على ضلال مبين، فلا يقدح هذا في نبوته، فالله تعالى يخلق أحياناً من آزر أمثال إبراهيم عليه السلام ومن نوح عليه السلام أمثال كنعان.. أجل، فمن أناس مثل الشياطين سوءاً قد يأتي أشخاص كالملائكة صفاء ونقاء.. والعكس وارد أيضاً، فالله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، فقدرته تسع كل شيء وليس من حد أحد محاسبته.. أجل، لقد خلق من شخص ميت مثل آزر شخصاً حياً مثل إبراهيم عليه السلام -الذي كان ينفخ الحياة في الناس- ويجعله أبا لسلسلتين ذهبيتين، فابنان من أبنائه من الأنبياء. فبينما وقفت سلسلة ذرية ابنه إسحاق عليه السلام عند النبي عيسى عليه السلام استمرت سلسلة إسماعيل عليه السلام حتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: إن دعاء إبراهيم عليه السلام لأبيه شيء إنساني وفطري تماماً، لذا نرى نبينا وهو يدعو عمه أبا طالب إلى كلمة التوحيد ويتلهف لهدايته، وبعد أن مات عمه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أما واللهِ لأستغفرَنَّ لك مالم أُنْهَ عنك»[24] علماً بأن عمه عاونه مدة أربعين عاماً وتحمل معه جميع المشاق والصعاب حتى أنه لم يتركه وحيداً عندما أعلنت قريش مقاطعة المسلمين.. فكما كان من الطبيعي ومن الفطري تلهف الرسول صلى الله عليه وسلم على هداية عمه الذي حماه طوال حياته وآزره، كذلك كان من الطبيعي قيام إبراهيم عليه السلام بالاستغفار لأبيه، ذلك لأن والده هو سبب وجوده والذي قام بتنشئته، ثم إن الدين يأمر ألا يقول الابن لوالديه -مهما كانت عقيدتهما- كلمة "أف".[25]

ثالثاً: التبليغ هو غاية وجود الأنبياء، ولكنهم لا يملكون الهداية. مهمتهم تبليغ الحق والحقيقة على الدوام واستعمال كل وسيلة مشروعة في هذا الصدد. لذا، كان إبراهيم عليه السلام يبذل جهده لتليين قلب والده تهيئة له لقبول الهداية، لذا فالمحتمل أن وعده بالاستغفار له كان من أجل هذه الغاية، ذلك لأن الدعاء وسيلة من وسائل الهداية وليس من الصحيح الوقوع في اليأس من هداية أي شخص.

يجب ألا يكون هناك يأس لأنه مع أن الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (البقرة: 6) صريحة أن بعض الكفار لن يستطيعوا الوصول إلى الهداية فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كرر محاولاته مع كفار عنيدين أمثال أبي جهل وأبي لهب وابن أبي مُعيط ودعاهم مرة بعد مرة إلى الهداية.. إذن، فالهداية في يد الرحمن وكان إبراهيم عليه السلام يؤمن بهذا، لذا جرب كل وسيلة مع والده حتى وسيلة الدعاء.. أجل، هذا هو سبب دعائه وتضرعه لله تعالى من أجل والده، إذ كان إيمانه بالله تعالى في مرتبة الاطمئنان، لكنه ما إن عرف المشيئة الإلهية حتى تخلى حالاً عن دعائه وفوض الأمر كله لله تعالى.

ثم إن إبراهيم عليه السلام أتى في السبيل الممتد حتى رسولنا صلى الله عليه وسلم وكلف بحمل رسالة النبوة. كانت وظيفته هي القيام بتبليغ قومه جميعاً، ولم يكن هناك أي سبب يدعوه لاستثناء أبيه، فإذا أضفت إلى هذا الميل الفطري رأيت أن كونه ابناً ونبياً في الوقت نفسه كان يدفعه إلى الإصرار على محاولة هداية أبيه، وعندما نقرأ القرآن الكريم نلمس مدى لهفة إبراهيم عليه السلام ورغبته في هداية والده وعدم اهتمامه بالخشونة التي يواجهها من قبله أن يخاطبه على الدوام بقلب متوله: "يا أبت.. يا أبت..":

﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾ (مريم: 41-45).

أجل، كان إبراهيم عليه السلام يقدم لأبيه رسالته النورانية مثلما يقدمها للناس أجمعين، وهل هناك ابن لا يود من أعماق قلبه هداية أبيه إلى الحق ولا يسعى إلى ذلك بكل جهده، لاسيما إن كان شخصاً مثل إبراهيم عليه السلام الحليم.. الأواه.. المنيب؟

رابعاً: يرى بعض المفسرين أن كلمة "أب" تأتي في اللغة العربية بمعنى "الجَدّ" و"السلف"، لذا يقولون إن هناك احتمالاً بأن الذي خاطبه إبراهيم عليه السلام بـ"يا أبت" ليس أباه، بل هو جده أو عمه أو قريب آخر من أقربائه،[26] وقد أتى جمع كلمة "أب" وهي "آباء" بمعنى "الأجداد" و"الأسلاف"، فمثلاً قول يوسف عليه السلام: ﴿وَاتَّبَعتُ مِلَّةَ اٰبَائِي إبرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعقُوبَ﴾ (يوسف: 38)، فكلمة "آبائي" تأتي هنا بمعنى "أجدادي"، كما أن تعبير "آبائنا الأولين" يرد كثيراً في القرآن الكريم. فإذا كان هذا هو الأمر فيجوز أن إبراهيم عليه السلام لم يكن ابن آزر بل حفيده أو ابن أخيه حتى أن هناك رواية بأنه كان ابن تارح[27] وقد يكون ابن شخص آخر. فإذا كانت الاحتمالات واسعة بهذا الشكل، علمنا أن إبراهيم عليه السلام لم يكن بالشخص الذي يستغفر لأبيه بعد أن تبين له ضلاله، والقرآن الكريم ينقل لنا دعاء آخر له: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ (إبراهيم: 41).

فإذا تطلعنا إلى الموضوع من هذه الزوايا نرى بوضوح مدى طهارة ونـزاهة ونقاوة إبراهيم عليه السلام ومدى معصوميته وعدم اقترابه من اقتراف أي ذنب ومدى عظمته كنبي.. لقد نطق بالحق على الدوام، وكان بجانب الحق دائما.

كان إبراهيم عليه السلام إنسان التوحيد، ورمزاً للتسليم المطلق صلى الله عليه وسلم، لذا أهديت أليه صفة "الخِلّة"، والآية: ﴿وَاتَّخَذَ اللهُ إبرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾ (النساء: 125) تشير إلى هذه الخلة، فلم ينحرف قيد شعرة عن أي أمر من أوامر الله تعالى، فلما قيل له اذبح ابنك، لم يتردد في ذلك لحظة واحدة، [28] وعندما أمر أن يصطحب زوجته وابنه ثم يتركهما وسط صحراء موحشة لم يتردد في تنفيذ هذا الأمر، تركهما في الصحراء وانصرف دون أن يلتفت ويلقي نظرة وراءه،[29] وفي مرة أخرى امتحن بحياته وبنفسه، إذ ألقي داخل نار جهنمية، ولكنه لم يقلق ولم يضطرب أقل اضطراب. ويروى أن ملكاً أدرك إبراهيم عليه السلام وهو يهوي إلى النار المتأججة فقال له: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم عليه السلام: أما إليك فلا. فقال الملك: ادع الله إذن. فقال: عليم بحالي غنيّ عن سؤالي. لذا كان جزاء مثل هذا الاستسلام المطلق أن الله تعالى جعل تلك النار برداً وسلاماً عليه. [30]

إذن، فإبراهيم عليه السلام كان نبياً بهذا المستوى، وكانت علاقته بربه هذه العلاقة الرفيعة، لذا فالتفكير باحتمال اقترافه أي ذنب ليس إلا عدم معرفة هذا النبي الكريم على حقيقته وجهل به.

أجل، لقد كان أنموذجاً للرحمة وللشفقة، وانطلاقاً من رحمته الواسعة وشفقته العميقة أراد هداية أبيه، ولكنه عندما عرف الماهية الحقيقية لوالده تبرأ منه، وفي رواية أن الله تعالى سيقلب والده يوم القيامة إلى ذيخ[31] ملتطخ، وعندما ينظر إبراهيم عليه السلام إلى هذا المنظر يتخلص من علاقته الفطرية بوالده،[32] والله أعلم.

د- يوسف عليه السلام رمز العفة

التوراة مملوءة بالافتراءات على يوسف عليه السلام، فلم يبق هناك افتراء إلا وألصقوه به، حتى نـزلوا به إلى مرتبة إنسان عادي، بينما كان نبياً طاهر السيرة والصورة، وكان -ككل الأنبياء الآخرين- مزيناً بزينة العصمة.

غير أن علينا أن نعترف بكل أسى بأن بعض المفسرين تأثروا بالتوراة أو بمعنى أعم بالإسرائيليات، واقتبسوا منها فأسندوا إليه مالا يصح الإسناد إلى نبي معصوم. أما نحن فسنتناول عصمة يوسف عليه السلام -مثلما تناولنا الأنبياء الآخرين- من الآيات القرآنية، وعلى ضوئها سنحاول أن نصل إلى عصمته، وليست محاولتنا هذه سوى إظهار ما هو موجود فعلاً في الآيات بشكل واضح، فأي شخص عادي يستطيع فهم هذا من قراءته لسورة يوسف بشرط أن يدرك معاني الآيات، ويكفي هنا ألا ينظر إلى هذا الموضوع بفكرة مسبقة لديه.

ألقي النبي يوسف عليه السلام في البئر من قبل إخوته، ثم بيع عبداً حيث اشتراه وزير في مصر واعتنى به ورباه في بيته كابنه، ولكن عندما أصبح شاباً بدأت زوجة الوزير تحمل تجاهه مشاعر خاصة، وأخيراً غلقت الأبواب في يوم من الأيام -كما يذكر القرآن- وأرادت وصاله.. ارتجف يوسف عليه السلام من هذا الطلب الذي لم يخطر بباله في يوم من الأيام، فأسرع يهرب منها، ولكنها وصلت إليه وقدّت قميصه من الخلف، وما أن انفتح الباب حتى رأيا سيدهما هناك، وهنا امتحن يوسف عليه السلام امتحاناً آخر، إذ لجأت الزوجة إلى الافتراء عليه وقالت: ﴿مَا جَزَاءُ مَن أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءً﴾ (يوسف: 25).

والآن لننقل ما جاء في هذا الخصوص في القرآن الكريم: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ (يوسف: 23).

أولاً: لا يغتاب القرآن، إذ لا يذكر اسم المرأة، بل يذكر فقط أنها ربة ذلك البيت. والمرأة هي التي قامت بغلق الأبواب، وكانت الدعوة -بكل ما تحمل من إغراء وفتنة- صادرة منها، فيأتي الجواب من رمز العفة: “معاذ الله”، فيكون يوسف عليه السلام بذلك رمزاً للعفة أمام جميع الشباب حتى يوم القيامة وقدوة لهم.

والآية صريحة تماماً في بيان الرد القاطع الذي رد به يوسف عليه السلام. فمن كان المقصود عندما قال يوسف عليه السلام ﴿إِنَّهُ رَبِّي...﴾ إما أنه كان يقصد الله تعالى ويرى في اقتراف الإثم جحوداً لكل النعم التي أسبغها الله تعالى عليه، إذ لا يمكن أن يصل الجاحدون إلى الفلاح أبداً، وإما أن يكون المقصود هو زوج المرأة تلميحاً إلى قوله لامرأته ﴿أَكرِمِي مَثْوَاهُ﴾، فهذا الزوج أحسن كثيراً إلى يوسف عليه السلام فكيف يمكن له أن يقابل كل هذا الإحسان بالجحود والعقوق؟

هنا توجد نقطة مهمة يجب الالتفات إليها، إذ أن هروب يوسف عليه السلام من الإثم لم يكن بسبب النعم التي أسبغها الله تعالى أو إكرام زوج المرأة مثواه.. فهذه تشكل إحدى أسس المسألة فقط، وتقريب للموضوع إلى مستوى عقلية تلك المرأة ومستوى فهمها، إذ أن سبب ابتعاده عن الإثم يختبئ تحت الجملة الأولى التي نطق بها وهي "معاذ الله" أي ألتجئ إلى الله.. أي أن سبب تهربه من الإثم يعود إلى خشيته من الله تعالى، وهذه هي التقوى المقبولة.

ثم إن يوسف عليه السلام كان على علم بالنتيجة التي سيولدها الإثم.. فالإثم ظلم وتجاوز للحد ودخول إلى دائرة مفرغة وفاسدة، والنتيجة هي الخسران في الدنيا وفي الآخرة.

والآية التي أدت إلى سوء فهم موقف يوسف عليه السلام هي الآية التي أتت بعد تلك الآية مباشرة، وهي: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بهِ وَهَمَّ بِهَا لَولاَ أَنْ رَأَى بُرهَانَ رَبِّهِ﴾ (يوسف: 24). وقبل تفسير الآية علينا أن نقف عند معاني بعض الكلمات فيها. الكلمة التي أدت إلى سوء الفهم هي كلمة "همّ".

هذه الكلمة فعل ماض ولها معان عديدة، حيث يُختار المعنى الأنسب بالنسبة لموقف الفاعل، وهنا قاعدة في علم اللغة تقول بوجوب اختيار المعنى الأساسي والحقيقي للكلمة إن لم يكن هناك دليل مناقض لهذا المعنى، ولم يكن هناك تناقض مع الموضوع المنوه عنه، أي يُختار المعنى الأول للكلمة. والمعنى الأول الذي يعطيه علماء اللغة -مع وجود بعض الفروق الإقليمية- لهذه الكلمة هو: قَلِق وحزن، ومصدره الهَمّ، ومعنى قَلِق أو أقلق هو الوقوع في اضطراب قلبي، وفي الغم وفي الحزن الشديد. فإن نسبنا هذا الفعل إلى زليخا لكان معنى "همت" أنها حزنت من جرّاء يوسـف عليه السلام وقلقت بِصَدِّهِ وداخلها حزن كبير بسببه.

ثم إن يوسف عليه السلام قلق وحزن واغتم أيضاً، ذلك لأنه كان بمثابة أسير في ذلك البيت، فلو هرب منه لقبض عليه وأعيد إلى البيت، ثم إن هذه المرأة أصبحت مسلطة عليه، إذن، فكما كان يوسف عليه السلام مصدر حزن لها لأنها كانت تشتعل غراماً به، فإنه كان قلقاً ومغتماً باسم عفته وعصمته. ولم يزل قلقه حتى رأى برهان ربه وعلم أنه في حفظ الله تعالى ورعايته وأنه لن يسمح لأحد أن يلوثه، لأن الله جعله في حرز حريز بكل البراهين التي أحاطه بها. ولكنه حتى حصول هذا العلم وهذا اليقين عنده فقد قضى أوقاتاً عصيبة.. ويجب إعادة النظر في التفاسير من هذه الزاوية.

ثانياً: كانت زليخا قد عقدت عزمها ورسمت هدفها.. يجب أن يكون يوسف عليه السلام لها.. كانت غايتها هي هذه.. وهناك آية أخرى تشرح وضعها: ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً﴾ (يوسف: 30) أما موقف يوسف عليه السلام فهو: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ (يوسف: 24)، وكلمة "المُخلَصين" في الآية كلمة مهمة جداً.. هناك "المخْلِص" و"المُخْلَص".. ويوسف عليه السلام من المُخْلَصين.. فكل نبي يكون مُخلَصاً.

المُخْلِص هو صاحب الإخلاص، أي هو الذي يعمل كل شيء في سبيل الله تعالى وفي سبيل نيل رضاه وحده، ولكن يوسف عليه السلام كان آنذاك في مرحلة البحث ولا يزال في الطريق، أو بالتعبير الصوفي لا يزال في مرتبة "السير إلى الله"، وعندما يسير إلى الله يدخل في نضال للمحافظة بعمله وبتصرفاته وبسلوكه على استقامة السير وعدم الانحراف عن الوجهة الصحيحة.

أما "المُخلَص" فهو الشخص السامق القامة الذي تخلص نهائياً من أي قلق وتربع على ذروة الإخلاص، فقد أتم قطع الطريق الذي يسلكه "المخلِص" من زمان، وهو الآن في مرتبة "السير من الله".. مثل هذا الشخص تخلص نهائياً من الزلل والورطات التي يقع فيها أمثالنا.. ويوسف عليه السلام من هذا النوع ومن هذه المرتبة. إذن، فكيف يمكن إسناد تصرف أو سلوك إلى يوسف عليه السلام المُخْلَص مع أن هذا التصرف لايليق حتى بالمُخْلِص؟!

جاء في سورة يوسف أن النبي يوسف عليه السلام -بطل هذه السورة- من أهل الإحسان في خمسة مواضع، وهذا يعني أن الأرض والسماء.. الصديق والعدو.. الخالق والمخلوق.. الكل يشهد على يقينه وعلى قيامه بمحاسبة نفسه ومراقبتها.

عندما بلغ يوسف عليه السلام أشده ورشده أشار الله تعالى إلى صفة الإحسان وعمق شعوره عنده فقال: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 22). وفي السجن عندما اكتشف الجميع -الشقي منهم والسعيد- عمق أفق تفكيره وطهره وعلمه اللدني قبلوه مرجعا لهم، فأقبلوا عليه مؤمنين به وبكلامه عارضين عليه مشاكلهم: ﴿نَبِّئْنا بِتَأوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 36).

خرج بنجاح من كل امتحان دخله. لذا، يمدح الله تعالى رمز الرجولة هذا الذي استطاع التربع على عرش قلوب الأصدقاء والأعداء على السواء، ولم يستطع أي شيء تغيير سلوكه وتصرفه تجاه الدنيا وزينتها: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 56). وهكذا يبشره ربه ويقدم له ضمانا إلهيا.

وعندما جاء اليوم الذي استطاع فيه إخوته -الذين كان الحسد قد ملأ قلوبهم حتى آنذاك- التخلص من جو الحسد المحيط بهم قالوا: ﴿إنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 78).

وأخيرا عندما وصل يوسف عليه السلام إلى ذروة النضوج والاطمئنان أشار إلى نعم الله تعالى عليه وفضله فقال: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 90). أجل، مثل هذا الإنسان الذي حاز على حسن شهادة الجميع لا يمكن -حسب السنن الإليهية- أن يكون معرضا للانحراف، ولا للتذبذب بين الهبوط والسمو ولا للحرمان.

نعم يعده الله تعالى من المحسنين. وبينما نصل نحن إلى العمل عن طريق الإيمان، وعن طريق العمل إلى الإيمان الحقيقي، وفي نهاية الطريق نستطيع الوصول إلى مرتبة الإحسان.. هذه المرتبة التي تعد آخر مرتبة نصل إليها نرى أن هذه المرتبة هي المرتبة الأولى التي يخطو منها الأنبياء، أي هي خطوتهم الأولى في طريق سيرهم.

والإحسان الذي يشرحه الرسول صلى الله عليه وسلم: «الإحسان أن تَعْبد اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.»[33] هذه المرتبة التي تعد آخر مرتبة لنا هي المرحلة الأولى للأنبياء، لذا يجب النظر في الأمور من هذه الزاوية وتقييم الأمور على ضوئها، ولكن إن قمنا بقياس الأنبياء مع أنفسنا وقعنا في أخطاء عديدة ولم نصل إلى الحقيقة.

كانت زليخا ويوسف عليه السلام ينتسبان إلى عالمين مختلفين تمام الاختلاف.. أحدهما قد غلب عليه الغرام والهيام، قد شلت إرادته فلا تري عينه شيئا آخر.. إنسان يعيش عالم أحاسيسه ومشاعره.. بينما الإنسان الآخر إنسان يرنو ببصره إلى عالم آخر.. نبي مُحسن مُخلص.. إنسان قد فرد جناحيه ليطير في عالم آخر.

لكلا هذين الإنسانين تم استعمال كلمة "همّ".. ولكن معنى هذه الكلمة يختلف باختلافهما وباختلاف هدف وغاية كل منهما. أجل، ينبغي إعطاء معنى مختلف باختلاف مستواهما من ناحية الروح والثقافة والعلم.

ثم إن الاختلاف الموجود بينهما سيظهر إلى السطح من اللوحة التي ستتبين بعد قليل.. يوسف يسرع نحو العفة والطهارة، وزليخا نحو الشهوة والإثم. كانا يتسابقان.. يوسف يهرب وهي تلاحقه، ولو كان لدى يوسف عليه السلام أي ميل للإثم لما كانت هناك مثل هذه المطاردة.. إذن، كان هدف يوسف عليه السلام وغايته شيئا آخر.. كان متوجهاً نحو غاية سامية.. وعندما أمسكت زليخا بقميصه تريد منعه من الخروج من الغرفة تمزق قميص يوسف عليه السلام من الخلف، ولكنه استطاع فتح الباب والخروج من الغرفة والمرأة في أثره، وهنا وجدا الوزير أمامهما، فلم تجد المرأة التي فوجئت بهذا سوى الدفاع عن نفسها والافتراء بأن يوسف عليه السلام كان يحاول الاعتداء عليها، ولكن زوجها لم يَمِل إلى كلامها لوجود شاهد صامت هناك، هذا الشاهد مع صمته كان باستطاعته إفحام أبلغ البلغاء، وهو الثوب الممزق ليوسف عليه السلام.. كان الوضع واضحاً لقريب من أقربائها الموجود هناك، بل واضحاً حتى لطفل صغير.. لقد وضح الأمر، فيوسف عليه السلام بريء لأن قميصه كان مقدوداً من خلف، ولو كانت المحاولة من قبله وقاومت المرأة لكان من المفروض أن يُقَدَّ قميصه من أمام.. كان هذا أحد البراهين التي رآها يوسف عليه السلام من ربه الذي حفظه بهذا القميص المشقوق، ومهد له السبيل للمستقبل المشرق الرائع.

أي كان "همّ" يوسف عليه السلام متجهاً لحبيبه، و"همّ" زليخا متجهاً لحبيبها.. لذا، تورط كثير من المفسرين في خطأ كبير عندما لم يميزوا الفرق الكبير بين "همّ" نبي كريم يعيش تحت رقابة دائمة لله تعالى، وبين "همّ" امرأة أعمت الشهوة عينيها، ووضعوا كليهما في كفة واحدة وكأن تفكير كليهما كان محاطاً بستار كثيف من الشهوة الجسدية، وأنا أرى ضرورة إعادة النظر في جميع التفاسير والشروح والتعليقات غير المستندة إلى الكتاب والسنة، ومثل هذا التصحيح سيُرضى حتى أولئك المفسرين حسنى النية الذين كانوا ضحية للإسرائيليات، فمن يدري كم من فيوضات حرموا منها بسبب أخطائهم هذه.

أجل، إننا موقنون بأن الذين يقيمون الأنبياء وكأنهم أشخاص عاديون سيحرمون من جوهم المعنوي ومن أنفاسهم  النافثة للحياة.

أما ما قيل بأن يوسف عليه السلام مال إلى دعوة زليخا وهم باقتراف الإثم إلا أنه رأى أباه يعقوب عليه السلام وهو يعض على إصبعه محذراً يوسف فهو سفسطة وأسطورة وقصة مختلقة ومن قصص الإسرائيليات الموجودة في الكتب المحرفة ويجب طرح مثل هذه القصص المختلقة من كتبنا.

يقول الوليّ الكبير "عبد العزيز الدبّاغ" في شرح آية ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ بأن زليخا همت لتحقيق غايتها، وهمّ يوسف عليه السلام بمنعها، ربما بضرب زليخا ورفع يده عليها،[34] ولهذا الولي كثير من الالتفاتات الرائعة والدرر النفيسة الأخرى.

ثم كيف يمكن تصور شيء آخر لمن قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه: «إن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله.»[35] جده الكبير هو إبراهيم عليه السلام وجده إسحاق عليه السلام ووالده هو يعقوب عليه السلام.. إذن، فهذا هو يوسف عليه السلام الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم. فالرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى المرتبة التي يشغلها يوسف عليه السلام وهي مرتبة لا يبلغها حتى خيالنا. وبينما لا يخطر على بالنا -نحن الأشخاص العاديين- مثل هذا الإثم الكبير، كيف يمكن لنبي طاهر وسليل نبوة طاهرة أن ينـزل إلى مثل هذا المستوى؟ هذا شيء لا يتصوره العقل ولا المنطق.

وعندما زادت فتن النساء وألاعيبهن تجاه هذا النبي التجأ إلى ربه: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ (يوسف: 33)، أي رضي بعفونة السجن وظلمته وحياته القاسية وفضّلها على حياته في ذلك القصر الفخم والأثاث الفاخر. إذن، ألا يكفي قضاؤه ما يقارب التسع سنوات في عذاب السجن ومحنته في سبيل المحافظة على عفته وطهارته دليلاً على عصمته؟ هؤلاء النسوة اللاتي فتن به وقطعن أيديهن أمام حسنه الباهر.. هؤلاء النسوة اللاتي حاولن إحراج موقفه بنشرهن خبر تعلق زليخا به وعشقها له، كما طرقن أبواب حيل أخرى للتقرب إليه.. غير أنهن وجدن كل مرة أمامهن هذا الشاب المؤمن الذي قُدت إرادته من الجرانيت، ولم يستطعن الحصول منه على أي شيء.

التجأ إلى ربه وسأله الحماية، فاستجاب له ربه وحفظه منهن ومن كيدهن داخل جدران السجن الآمن، وأصبح السجن منذ ذلك الوقت يستقبل الدعاة إلى الله وإلى القرآن.. أي أصبح "مدرسة يوسفية".

كان حرصه على عفته شديداً إلى درجة أنه عندما جاء وقت إطلاق سراحه من السجن رفض الخروج حتى يتثبتوا تماماً من عفته، وحتى يقوم الدليل القاطع على طهارته، ذلك لأن العيش طاهراً ونقياً شيء، وإثبات ذلك الطهر والنقاء شيء آخر، لأن ذلك كان ضروريا لمهمته في المستقبل.. رفض الخروج من السجن حتى قامت زليخا بالاعتراف على الملأ وأقرت كيف كان أنموذجاً للعفة. إذن، فماذا نقول لمن يريد إسناد اقتراف الذنب لهذا النبي الكريم حتى بعد قيام زليخا بالاعتراف بذنبها؟

الهوامش

[1] البخاري، التوحيد، 31؛ مسلم، صفات المنافقين، 58-59؛ الترمذي، الأدب، 79

[2] الترمذي، تفسيرسورة (7) 3

[3] «فيض القدير» للمناوي 4/34. وانظر في الروايات المختلفة للحديث إلى: البخاري، الحدود، 22، الطلاق، 11؛  أبوداود، الحدود، 17؛ الترمذي، الحدود، 1؛ ابن ماجة، الطلاق، 15، 16

[4] "كشف الخفاء" للعجلوني، 1/438.

[5] قال تعالى:﴿إنَّ الَّذِينَ كََفَرُوا وَيَصُدُّون عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَاد وَمَنْ يُرِد فِيهِ بِإلْحَادٍ بِظُلمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾ (الحج: 25).

[6] قال تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِي مَنْ يَأتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفُ لَهَا الْعَذَابُ ضِعفَينِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً﴾ (الأحزاب: 30).

[7] البخاري، تفسير سورة(20) 1، 3؛ القدر، 11؛ المسلم، القدر، 13-15؛ الترمذي، القدر، 2

[8] باخع: مُهلِك.

[9] الحجز: جمع حجزة، وهي معقد الإزار والسراويل

[10] مسلم، الفضائل، 17؛ وانظر إلى الروايات الأخرى وبألفاظ مختلفة في: البخاري، الأنبياء، 40؛ الترمذي، الأدب، 82

[11] البخاري، تفسير سورة (9) 12، 13؛ المسلم، فضائل الصحابة، 25؛ الترمذي، تفسير سورة (9) 12، 13

[12] مسلم، الإيمان، 271؛ الترمذي، المناقب، 12؛ «المسند» للإمام أحمد 3/334

[13] كان قوم إبراهيم عليه السلام يعبدون النجوم، وكان لكل نجم صنم يمثله في الأرض.

[14] «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي 7/19؛ «روح المعاني» للآلوسي 7/199

[15] «في ظلال القرآن» لسيد قطب 1/301-302

[16] «نفحات الأنس» لملا جامي 521 ترجمة لامعي جلبي.

[17] البخاري، الأنبياء 11؛ مسلم الإيمان، 238.

[18] البخاري، الأنبياء، 8، النكاح، 12؛ مسلم، فضائل، 154؛ أبو داود، الطلاق، 16

[19] الترمذي، المناقب، 45؛  أبو داود، الأدب، 84

[20] «الشمائل» للترمذي 241

[21] البخاري، تفسير، سورة (17) 5؛ مسلم، الإيمان، 326-327

[22] البخاري، تفسير سورة (17) 5؛  مسلم، الإيمان، 326-327

[23]  «المسند» للإمام أحمد، 6/454؛  «كنـز العمال» للهندي 3/632-633

فقد ورد في الحديث «لا يصلح الكذب إلا في إحدى ثلاث: الرجل يكذب على امرأته ليصلح خلقها، ورجل يكذب ليصلح بين امرأين مسلمين، ورجل كذب في خديعة حرب فإن الحرب خدعة.»

[24] البخاري، الجنائز، 81، مناقب الأنصار، 40؛ مسلم، الإيمان، 39؛ النسائي، الجنائز، 102

[25] قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعبُدوا إلاَّ إيَّاهُ وَبالْوَالِدَينِ إحسَاناً إمَّا يَبلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍ وَلاَ تَنهَرهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَولاً كَرِيماً﴾ (الإسراء: 23).

[26] «مفاتيح الغيب» لفخر الدين الرازي 13/37-40؛ «روح المعاني» للآلوسي 16/96

[27] «مفاتيح الغيب» لفخر الدين الرازي 13/37-40؛ «تفسيرالبيضاوي» للبيضاوي 1/307-308؛ «البداية والنهاية» لابن كثير 10/163-164

[28] قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الصافّات: 102-111).

[29] انظر هذه الآية: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسكَنتُ مِن ذُرِيَّتِي بِوَادٍ غِيرِ ذِي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أفئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهوِي إلَيهِم وَارزُقهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشكُرُونَ﴾ (إبراهيم: 37)؛  وانطر أيضا: البخاري، الأنبياء، 9

[30] انظر هذه الآية: ﴿قُلنَا يَا نَارُ كُونِي بَرداً وَسَلاَماً عَلَى إبرَاهِيمَ﴾ (الأنبياء: 69)؛ «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي 11/200-201؛ «الدر المنثور» للسيوطي 4/322

[31] ذيخ: هو ذكر الضبع الكثير الشعر. ملتطخ: متلوث بالدم ونحوه.

[32] البخاري، الأنبياء، 8

[33] البخاري، الإيمان، 37؛ مسلم، الإيمان، 5.1؛ الترمذي، الإيمان، 4

[34] «الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز الدباغ» للسيد أحمد بن المبارك  ص262

[35] البخاري، الأنبياء، 19، المناقب، 13؛ «المسند» للإمام أحمد 2/96، 331

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.