الفصل الأول: موقع الفكر في منهج الأستاذ كولن
فهرس المقال
- الفصل الأول: موقع الفكر في منهج الأستاذ كولن
- في أبستمولوجيا الفكر الحركي
- الفكر الإيماني
- الفلسفة الفكرية لدى كُولن
- الدين ومخاطر الوقوع في الفكر الدوغْمائي
- بين الدين والأيديولوجية
- مقومات فكر كولن
- التراث الإسلامي وأصالة الاقتراب العقلي
- قراءة في فكر كولن
- فكر الآلية، وفكر التمرس
- مكانة الفكر في رؤية كولن
- الأهداف والغايات التي سدد نحوها كولن
- الإرث القدسي المتوارث
- كولن وحديثه عن أمة القرآن
- جميع الصفحات
الفكر الإيماني
يقابل الدوغمائية والبراغماتية، فكر ثالث، هو الفكر الإيماني؛ لأنّ الإيمان يقتضي اليقين، أي الاعتقاد بالْماوراء (لا بالسلطة الماثلة عيانا)، ثم الالتزام والمسؤولية، فهو -من ثمة- تواثُق وانخراط إراديّان كذلك، لكن من غير مقصدية كسبية أو اعتبارية، إلا الثواب عند الله.
والفكر الإيماني اتباعي بالضرورة، لأن النهر لا ينقطع عن مَنابعه. وإن خطورة الاتباع واقعة لا محالة متى انْحبس الفكر في الماضويّة بالصورة الشكلية والحدود الوضعية (الاجتهادية) التي رست عليها.
يغدو الفكر الإيماني فكرًا منغلقا، سلبيًّا، حين يقتصر على التواصل المجّاني مع وديعة الأسلاف وآثارهم، دون الخروج عن ذلك المستوى العاطفي، أو تجاوزه من حيث الفهم والتفعيل.
وإن أكثر ما نرى عليه علاقتنا بالتراث، ليندرج ضمن هذا النوع من الفكر الانكفائي، إذ لا تكاد هذه العلاقة تخرج عن حد الإعجاب والتغنّي بمنجزاته، دونما إِعمالٍ للتمحيص، أو توسيعٍ لدائرة التمثّل والتعمق والتوظيف الفعال؛ فتضحى -من ثمة- العلاقة بالأثر سلبية، خالية من أي تثمير مفيد، إذ إن انحيازنا للتراث على ذلك النحو، لا يستند إلى معرفة حقيقية به، بل عن مجرد ادّعاء وتمويه وتغطية عن الجهل. فما أشبهنا -والحال تلك- بالدلاّل، همُّه أن يبيع البزة، ويأخذ حقّه من ثمنها.
ويكون الفكر الإيماني متفتحا، فعالا، حين يغدو نشاطا يستوعب إلى جانب ذخائر الأمّة وتراثها الروحي والعقلي، جماعَ منجزاتِ وفلسفاتِ وتاريخيةِ المعرفة البشرية، ويعي أطوار ومسار المدَنيات والديانات في مُضِيِّها بالإنسان، وطيّها الأشواط والأدوار التاريحية المتعاقبة.. فيتغذّى (الفكر) بكل ذلك، ويهضمه، وينمّي منه رؤية حيوية تتحرك في اتّجاه تعزيز الهوية، وتطوير قابليلتها وجهوزيتها.
والفكر الإيماني المتفتح لا يقتصر على هذا البعد الاستخصابي الذي يجنيه العقل نتيجة التفاعل الإيجابي مع مدود الثقافات والمعارف الكونية التي يتبادل معها التجاذبات، بل إنه يكتسب النجاعة حين يكيف قواه على هضم تلك المدود، وتأصيلها وإدماجها في حقول معارفه، لأجل توسيع أرضية أصالته، وتنويع مغارسها، وتسليح الروح والاجتهاد والرؤية بها، وتحقيق الإقلاع وإعادة الدينامية للمحركات[5] العاطلة أو المعاقة نتيجة التردّي الشنيع والقعود المزمن عن الدور الحضاري.
- تم الإنشاء في