التجــرد
يرى الشيخ فتح الله كولن أن التجرد هو صفة الأنبياء الأولى، وعند قيامهم بمهمتهم لا ينتظرون أي أجر أو مقابل، مادّيا كان أو معنويا، إن شعاره الموحد هو قول الواحد منهم: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ﴾ (سَبَأ:47). وجميع أعمال الأنبياء خالصة لله عز وجل، ويبلغ هذا الأمر عند رسولنا مبلغ الذروة.. أنه يقول في الدنيا "أمّتي"، وعند المحشر يوم القيامة يقول "أمتي.. أمتي".
تأمّلوا درجة إخلاصه، إن أبواب الجنة مفتوحة له على مصراعَيها تنتظر تشريفه لها، غير أنه منشغل الفكر بمصير أمته يبتغي توصيلها إلى الجنة، من أجل ذلك يرجح البقاء في جو المحشر الرهيب، على التنعم بنعيم الجنة.. وهو يفعل ذلك لأمته جميعا حتى الخاطئين منهم. إن أرواح الأنبياء متفتحة على غاية واحدة، هي الحصول على رضا الله تعالى..
يقول الله تبارك وتعالى ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لاَ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (يس:21)، وهذا أمر من الله تعالى باتباع من يحلّق في سماء التجرد والهداية. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصا متجردا لله، لم يشبع حتى من خبز الشعير، وربما تَمُرّ أيام وأسابيع فلا توقد في بيته نار لطبخ طعام أو عمل حساء.
يروي أبو هريرة رضي الله عنه قال: دخلت على النبي وهو يصلي جالسا.. قلت "يا رسول الله! أراك تصلي جالسا فماذا أصابك؟ قال: "الجوع!".. فبكيتُ فقال: "اتبك يا أبا هريرة! فإن شدة الحساب يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا".
وتروي أمّنا عائشة فتقول: دخلتْ عليّ امرأة من الأنصار فرأتْ فراشَ رسول الله عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إليّ بفراش حشوه الصوف. فدخل عليّ رسول الله، فقال "ما هذا يا عائشة!" قلت: يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت عليّ فرأت فراشك فذهبت وبعثت إلي بهذا.. قال: "ردّيه يا عائشة!".
المصدر: جريدة الأهرام، 11 نوفمبر 2002.
- تم الإنشاء في