الأمين
لا يقوم النبي بدعوته نتيجة تفكيره الذاتي، أو قناعته بفلسفة خاصة، أو نظام معين رآه صالحا. ليست النبوة كسبا بشريا إنما هي اصطفاء واختيار من الله تعالي، وهي وحي يوحيه الله لمن يختاره من عباده المكرمين.
وإذا كان التجرد هو صفه الأنبياء الأولي فإن الأمانه هي صفتهم الثانية.. وهي صفه يشير إليها القرآن في أكثر من آية.. قال تعالى ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (الشُّعَرَاء:105-108).
وقال تعالى ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ (الشُّعَرَاء:123-125)
وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلاَ تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ (الشُّعَرَاء: 160-162).
إن صفة الأمانة تتكرر مع كل الرسل كما تتكرر مع الملائكة الكرام، أثني الله تبارك وتعالى على جبريل عليه السلام وقال في وصفه ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ (التَّكْوير:20-21).
أما الرسول عليه الصلاة والسلام فكان أمينا قبل بعثه بالنبوة، وكان أمينا على الوحي الإلهي بعد بعثته، وكان أمينا حيال الوجود كله؛ فلم تكن روح الأمانة ومفهومها عنده مقتصرا على البشر، بل نحو الوجود كله بما فيه من كائنات، إليكم حادثة يرْويها عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه: كنا مع رسول الله في سفر فانطلق لحاجته فرأينا طائرا معه ولداه، فانطلق الطائر لشأنه فأخذنا ولديه، فجاء الطائر فجعل يرفرف بجناحيه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال "مَن فجع هذه بولدها، ردوا ولدها إليها!".
أما صحابته الذين تلقوا منهم النور والضياء فكانوا أمثلة عليا في الأمانة؛ كان أبو عبيدة بن الجراح واليًا على الشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسمع عبيدة أن هرقل يعدّ جيشا ضخما لاسترداد الشام، ولم يكن مع أبي عبيدة سوي نفر قليل لا يستطيع بهم الدفاع عن دمشق، فجمع سكان المدينة وقال لهم إنه جمَع الجزية على أساس أن يدافع عنهم، وهو الآن لا يستطيع ذلك، ولهذا يرد إليهم أموالهم.
المصدر: جريدة الأهرام، 13 نوفمبر 2002.
- تم الإنشاء في