عهد الجاهلية
قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم -كتب الشيخ فتح الله- أن الدنيا يسودها ظلام دامس... ظلام يحمل في طياته نورا مرتقبا، وأصداء تحمل بشرى اقتراب ظهور نبيّ جديد. وتتسرب أصداء هذه البشري وتطرق الأسماع والقلوب حتي بدأ الكثير من أهل مكة يتحدثون عن هذا النبي المرتقب.
لم يكن إنسان ذلك العصر يحمل قيمة تعطي للحياة معنيى، أو تعطي للحياة غاية وهدفا يستحق العيش من أجله. كانت أعمال الناس حينذاك مثلما قال القرآن الكريم: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ (النُّور:39). ولم تكن المشاعر والأفكار والتصرفات تختلف عن هذا كثيرا. ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ (النُّور:40).
كان اسم هذا العهد "عهد الجاهلية".. غير أن الجاهلية هنا لم تكن تأتي كنقيض للعلم، بل كمرادف للكفر الذي هو نقيض الإيمان والافتقاد.. لقد كان مجيؤه صلي الله عليه وسلم من أكبر نعم الله تعالي علي العالمين وأفضل إحسانه، وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالي: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (آلِ عِمْرَان:164).
وفي نور وضوء الكتاب والحكمة ستجد البشرية نفسها وتنتبه إلي الآخرة، وتسلك الطريق نحو الحياة الأبدية.
والأصل أن كل عهد اهتزت فيه عقيدة التوحيد يعد عصرا مظلما؛ ذلك لأن الإيمان بالله الذي هو نور السماوات والأرض، إذا لم يحكم جميع القلوب سيطر الظلام علي الأرواح، واسودت القلوب وتعكرت النظرة إلي الحياة ذاتها. ويشير القرآن الكريم إلي شر آخر من شرور الجاهلين: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (النَّحْلِ :58-59).
تلك كانت منـزلة المرأة المهانة، ولم يكن هذا مقصورا علي عرب الجاهلية وحدهم، فالوضع نفسه كان موجودا في الإمبراطوريتَين الرومانية والفارسية؛ لذا يمكن القول أن ما قام به الإسلام فيما يتعلق بعالم المرأة بين عرب الجاهلية يعد عملا لا مثيل له باسم المرأة علي نطاق العالم بأسره.
المصدر: جريدة الأهرام، 4 نوفمبر 2003.
- تم الإنشاء في