نبوءة
بعث الي الكاتب التركي الكبير والمفكر الجليل السيد محمد فتح الله كولن بالرسالة التالية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
إلي جانب وجود كتب السنة والشريعة والاجتهادات القيمة للسلف الصالح، فإن وجود علماء ومفكرين ودعاة في داخل المجتمع -يقومون إلي جانب علمهم وعمقهم في ساحة الفكر بتقديم أمثلة حسنة وجيدة في مضمار الإرشاد والدعوي، ويحاولون تأسيس حياتنا الدينية علي أسس تاريخية وديناميكية مرنة وشاملة وعالمية مستفيدين من الأسلوب والفهم المعاصر لعالمنا ليستلهموا زاوية نظر الإسلام ودعوته، ويستمعوا إلي قلبه ونبضه- أمرٌ مهمّ وحيوي، ومادام هؤلاء المفكرون موجودين في المجتمع فلن تعيش الإنسانية حياة صعبة.
إنني أعتقد وآمل في أن وجود مرشدين وعلماء ومفكرين أجلاء من الذين امتدت مساحات وعوالم فكرهم من المادة إلي المعني، ومن العالم الملموس إلي ماوراء هذا العالم، ومن الفلسفة إلي التصوف الصحيح، ومايقدمونه في مجال الدعوة والعلم والفلسفة والفن سيوجّه حياتنا بجميع وحداتها وظاهرها في السنوات القادمة ويدفعها أمام أمم العالم، وسيحول المثقفين وغير المثقفين من الشباب اللاهين الذين يجوبون الشوارع دون هدف أو غاية إلي أصحاب معارف ومهارات وأفكار ومهن.. وهكذا ستفوح شوارعنا بعطر معارف المدارس، وينقلب كل بيت إلي عش علم، وسيبدو كل عش وكأنه ركن من أركان الجنة، ويسير الدين في كل مكان ويده في يد العلم، والإيمان والعقل، متعانقين يهديان ثمارهما وينشرانها في كل مكان.
وسيتطور المستقبل في جو من الآمال ومن العزم بإشراقات أجمل حتي من جميع خيالات المدن الفاضلة وأماني اليوتوبيا، وأكثر غني وثراء.. وستقوم محطات التليفزيون والإذاعة والجرائد والمجلات بإفاضة النور والبركة والعرفان في الأجواء، وسيغرف كل قلب باستثناء القلوب المتحجرة من أصحاب الفكر القديم من كؤوس الكوثر في مثل هذا الجو الربيعي الذي يشبه أجواء الجنة. وفي هذا الوقت أصبحنا في شوق ولهفة لرجال العلم والفكر من المفكرين الذين يعكسون الحقيقة بكل صدق وإخلاص ويترجمونها لنا سواء بكلامهم وكتاباتهم أو بسلوكهم وتصرفاتهم.. لذا فإن أبحاثهم القيمة في هذا الوقت وجهودهم المنصبة في سبيل نيل رضا الله تعالي وحده دون أي مطمع دنيوي -بل حتي أي مطمح أخروي- في سبيل إعلاء شأن الأمة المحمدية.
......
هذه هي الرسالة التي بعث بها إليّ المفكر التركي الكبير محمد فتح الله كولن، وهي كما نري تفيض بالتفاؤل والثقة والضياء.
المصدر: جريدة الأهرام، 25 مارس 2004.
- تم الإنشاء في