الأسر الثقافي
يري الأستاذ أورخان محمد علي أننا نعرف عن الشاعر الهندي طاغور أكثر مما نعرفه عن المفكر والشاعر محمد إقبال.
وليس يعني هذا أنه يدعو إلي قيود ثقافية أو عزلة فكرية عما يجري في العالم من تيارات فكرية وأدبية وثقافية وفلسفية.
أيضا لا يدعو إلي التقوقع على الذات وقطع صلتنا بالعالم الخارجي، ولكنه يريد تأكيد أمر مهمّ... هو عدم إهمال تقديم من يمثل فكر الأمة وروحها، وهذا أمر ضروري لكي تستقيم شخصيتنا وتستقل أفكارنا فلا نذوب في أفكار الآخرين... وننقلع بالتالي من جذورنا.
ومن الخطوات المهمة للتحرر من الأسر الثقافي أن نقدم كتابنا إلي العالم، وذلك بترجمة كتبهم ونقل أفكارهم، وهذا ما يحاولون القيام به منذ سنوات، وهذا ما قاموا به من ترجمة هذا الكتاب لمؤلفه الشيخ محمد فتح الله كولن.
مؤلف الكتاب رجل متعدد المواهب، وهو يجمع في نفسه شخصية العالم والمفكر والشاعر والفنّان.
وكتابه "الموازين أو أضواء على الطريق" عبارة عن نظرات في مختلف شؤون الفكر والحياة والمجتمع.
يقترب المؤلف من هذه الشؤون مرة بنظرة العالم ومرة بنظرة المفكر ومرة بروح الشاعر، ولكنه لا ينسى في أي مرة من هذه المرات أن أبرز صفاته أنه داعية إلي الله، وهو يدعو لله على بصيرة، والعقل عنده شيء ضروري ولكنه لا يكفي... فهناك البصيرة النفاذة، وهي بصيرة تستطيع أن تخطو أبعد من العقل، وصحيح أن العلم ضروري ولكن الحكمة أرحب وأوسع، ويؤمن فتح الله كولن بأن التصوف هو طريق الوجدان الإنساني في فهم حقائق الإسلام والإحساس بها، وهو في نهاية المطاف الذوبان أمام نور الحق وأمام تجليات صفاته، والتصوف عنده هو عملية تصفية لروح الإنسان وتطهره وتوحده مع ذاته، وتجاوز الزمان والمكان والوصول إلي أبعاد مجهولة، وهو الطريق الوحيد أمام كل فرد لكي يمر من هذا الباب الذي فتحه المعراج النبوي ويصل إلي ربه.. فإذا قيل وما العقل هنا؟... قال الصوفية: العقل دابّة تحملك إلي السلطان، ولكنك لا تدخل بها عليه...
المصدر: جريدة الأهرام، 29 يناير 2002.
- تم الإنشاء في