الفصل الثال تجربة الخدمة...لبنة على طريق نهضتنا المعاصرة
فهرس المقال
- الفصل الثال تجربة الخدمة...لبنة على طريق نهضتنا المعاصرة
- العولمة والعولمة المضادة
- كيف يقرأ كولن الأحداث؟
- دعوة كولن... عوائق وحقائق
- حراء الرمز
- إعادة تركيب كيان الأمة
- نظرة كولن إلى الحضارة
- بداية الدعوة وتكوين الإنسان الفاعل
- المدرسة، الإنسان، الحضارة
- النهضة بين المدرسة الكسيحة والمدرسة الناجزة
- أهم ما تسعى إليه المدرسة الناجحة
- الكلمة المفتاحية
- جميع الصفحات
بداية الدعوة وتكوين الإنسان الفاعل
تحدثنا سيرة كولن أنه في مطلع شبابه، وبحافز ما كان يسكن فؤاده من تطلع وإحسان، شرع في استقطاب أفراد تلاميذ إلى حلقته التنويرية، يعينهم على دروسهم، ويفتح بالحكمة صدورهم للإيمان. ولقد بدأت التجربة محفوفة بكثير من المشاق، واقتضت أحمالاً من الصبر والروية، ثم مع السنوات بدأت المجاميع تبرز، وتطوّر أسلوب التواصل، وازدادت الحلقات عددًا، ثم شبَّ التلاميذ وصاروا أكفاء، وتحولوا بدورهم إلى وسائط تلْقين ودعوةٍ، ثم نفذت الدعوة إلى الأسر والبيوت وأماكن العمل، وسرت بعد ذلك كما يسري الماء في الأرض، أينما مَرَّ أمرع.
كم كانت طويلة المسافة الزمنية بين جلوس أول طفل في حلقة الأستاذ، وبين اكتمال جهوزية الطوابير من رجال الخدمة، وخروجهم إلى الأرض، وانتشارهم في الآفاق يضعون بكل حزم وتؤدة وصبر أسسًا لحضارة الغد السعيد.
لا ريب أن كولن وهو يتحدث عن عمر المرجان، وعن زمن التبلُّور، إنما كان يشير إلى شيء مما عاناه في تجربة التواصل تلك التي بدأت بجلسة عقدها مع تلميذ سار به إلى المسجد؛ ليكون أول المكتتبين، وانتهت جهود الاستقطاب بانتظام حلقة، ثم بأخرى، ثم بحلقات، ثم بذيوع الكلمة الطيبة في الآفاق، وبعد أطوار تكاثرت الجموع، وولدت الخدمة.
في البداية لا بد من البدْء، وقد تكون البداية فكرة يتلقفها ذو حظ من أهل الفاعلية، فيستنبتها ويهيئها للإثمار، أو قد يكون فردًا تسكنه جذوة عشق، فهي لا تني تنقدح في روحه، وتشق به درب التمحيصات، وتتقلب به من طور إلى طور، أشبه بخطوات الأنبياء حين تسوقهم إرادة الله إلى حيث يبعثون.
ومن الفرد يكون الاثنان، ثم الثلاثة، ثم الجماعة، ويد الله أبدًا مع الجماعة.
الطليعة المؤمنة تمارس جهدها في زرع المحيط بالقيم المُؤهِّبة والأخلاق المُعِدّة للصلاح. تبدأ المستصلحات محدودة، ثم بتكاثرها يتزايد التواصل بين مفارزِها، ويغدو التواصل تفاعلاً عاموديًّا في الاتجاهين، من الأعلى إلى الأسفل، ومن الأسفل إلى الأعلى،[3] ثم تتهيأ عوامل التأسيس وإقامة مشاريع الإثمار، فتصير الحركة التنويرية حراكًا للتخطيط والتعمير والتصنيع وعرض الخدمات، الأمر الذي يخلق مجتمع النماء والبركة والاستقطاب والخيرية؛[4] إذ كل تحسن يطرأ على أحوال الأمة، ينعكس بالإيجاب على نظرة بني البشر إلى الدين الإسلامي.
- تم الإنشاء في