الفصل الرابع: فتح الله كولن وفلسفة البناء بلا عنف
فهرس المقال
- الفصل الرابع: فتح الله كولن وفلسفة البناء بلا عنف
- التأسيس للحراك والنهضوي المعاصر
- دور المثقف في النهضة
- إستراتيجية اللاعنف
- اختيار الأطراف ذات القابلية للتحاور
- الدولة، القائد، الأفراد والبناء الحضاري
- فقه الحضارة
- الأسس الإنسانية في الإسلام
- مصادر العزة والبعد الروحي
- تحرير الإنسان في الإسلام
- سمات النموذج الحضاري الإسلامي
- الفواعل والطلائع.. قادة الفكر والروح
- المحركات والدوافع
- أسس الرؤية الحضارية لدى كولن
- مركزية الدين في الإصلاح
- الهياكل والقيادات
- نشأة كولن وتأثيرها
- أثر التخلية والعزوبة في كولن
- المصلحون والاحتراق الذاتي الدائم
- العقل الملهم وقادة الفكر
- رجال الخدمة ودورهم في البناء
- إستراتيجية قرن العلم بالدين
- تلافي الثغرات في المنهج والأداء والإنشاءات
- جميع الصفحات
أثر التخلية والعزوبة في كولن
من تمام الإخلاص أن يكون قلبك مشرعًا لعشق فريد لا يساهمك فيه مساهم، إن عزوبة الصالحين تندرج ضمن منهج التخلية الذي ينهجونه قاعدة للتعبئة والانطلاق.
ومن بركات هذه التخلية أنها تتيح للسالك أن يوسّع من أفق تأمله الروحي، فيشمل الحياة وأحوال الناس؛ إذ الخلوة توطّنهم على تعزيز روح القدوة، والسير على منهاج الأنبياء وفي طليعتهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيكون من جملة ما يستحصلونه من ذلك السبيل، الرحمة والشفقة والحدب على عباد الله وعلى مخلوقاته طرًّا، الأمر الذي يجعل السعي الصريح، والاعتراك الفعلي لفائدة الإنسانية ولرفعتها الروحية والمادية، من مرتكزات العمل الاحتسابي الذي يتقربون به إلى الله، وبذلك تغدو الخلوة لا تعني العزلة والتحصن في معتكف يبعدنا عن الناس والحوادث، بل تضحى الخلوة حالاً رهانية لا يفتأ فيها القلب يُشتَحَنُ بأذكار وأوراد وتسبيحات تتنزل في عين الواقع في صورة منجزات تثقيفية، ومكتسبات تعليمية وتجهيزية؛ تنهض بمستوى روحية المجتمع، وتغيّر من أوضاعهم العقدية والنفسية والاجتماعية، وتجعل منهم عبادًا يتمازج في سلوكهم أداء الواجب مع محبة الله، فتنسجم من ثمة رؤيتهم إلى الدنيا والآخرة، فتشملهم سكينة السلام، ويطيب لهم أن يستغرقهم الحمد والشكر في سائر ما يتعاطون من عمل وكدح.
تُرى، والحالُ هاته، كيف لا ينبغ في الإدارة والتنظيم والتأطير مَن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوته ومرشده وملهمه؟!
بل إن العزوبة هي اعتكاف وتبتل مستمر في الزمان والمكان؛ إذ حيثما كان العبد المعتكف، سواء ألبث في مصلاه في ركن البيت، أم سار في الأسواق يسعى وراء هدف يصلح به أحوال الناس، فإنه في الحالين يعيش على صلة بربه. فهو في حضرته باستمرار، قد تدرب على أن يعيش بشطرٍ من وعيه الحياتي مع الناس، وأن يخصَّ ربه بالشطر الأكبر من شعوره ومن وارداته.. وحتى حين يعروه أحيانًا السهو، فإنه يستنكر من نفسه تلك الانفكاكة، ويعمل على استدراك تلك الخسارة. فعدَّاد الرقابة الذاتية يعمل دائمًا، وبذلك ينعم الصالحون بمِنَّة البركة في كل ما يطلبون، ولأنهم يطمحون إلى ما طمح إليه معلموهم ومن يتخذونهم منائر الاسترشاد والقدوة، نقصد الأنبياء والرسل عليهم السلام، فإنهم لذلك يستشعرون أن الوقت يمر بهم مر السحاب، فلذا تجدهم متوترين، يتمنون لو أنهم ملكوا الأمر لجنَّحوا في الآفاق، وسابقوا المواقيت، واستنجزوا كل ما يحلمون باستنجازه.
- تم الإنشاء في