تمهيد
هناك بُعد آخر في فطنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو قيامه بحل كل المشاكل والمعضلات التي تظهر أمامه -مهما كان نوعها- بكل سهولة ويسر وكأنه يستل شعرة من عجين، وهذا دليل من أدلة رسالته ونبوته. هناك أمور مهمة يجب توفرها في كل إداري ناجح وفي كل قائد وزعيم نسطر بعضها فيما يأتي:
1. يجب ألا تكون الرسالة التي يحملها تتناقض مع الحياة أو تتصادم معها. ويجب أن يكون مصراًّ على دعوته متمسكاً بها واثقاً أنها صالحة الآن وستكون صالحة في المستقبل. فكما يستطيع أي إنسان أن يشرح بكل ثقة ويصف بكل دقة حادثة رآها بأم عينيه ولا يخشى أن يتهم بالكذب في شهادته تلك، لأنه واثق من نفسه ومطمئن إلى قوله الحقيقة، كذلك لا بد أن يكون القائد أو الزعيم واثقاً نفس هذه الثقة من صحة الرسالة التي يحملها وكونها حقا وخيراً. بل إن ثقته وحدها لا تكفي إذ يجب ألا تكون رسالته متناقضة مع الحياة ومعاكسة لها، أي يجب ألا تقف أمام رحى الحياة الدائرة.
2. على القائد أن يكثف جهوده لتربية وإعداد الأفراد، وأن ينشغل على الدوام مع العنصر الإنساني، وأن تأخذ الثقافة محلا مرموقاً في جهوده.
3. على القائد أن يعرف عناصر مجموعته معرفة جيدة، ويعرف لمن يعهد بمسؤولية معينة، ويعرف جيداً مدى قابلياتهم والأعمال التي يستطيعون إنجازها. وعليه أيضاً أن يزن خططه بشكل لا ينزعج من سرعةِ وتيرة التخطيط لا الفردُ الاعتيادي في المجتمع ولا أنشطُ الأفراد.
4. يجب أن يكون القائد منفتح الصدر لحل مشاكل أتباعه. وهذه المشاكل قد تكون مشاكل فردية أو عائلية، أو إدارية أو قانونية أو اقتصادية أو اجتماعية، فعلى القائد أن يكون قادراً على حل جميع هذه المشاكل.
5. يجب أن تكون تعليمات القائد وأوامره وتوجيهاته من النوع القابل للتطبيق، فالقائد الناجح يبتعد على الدوام عن التعليمات والاقتراحات الخيالية التي لا يمكن تطبيقها، أي على القائد أن يحدس أحداث اليوم وموضوعاته من اليوم السابق، وأن يحدس أمور المستقبل منذ اليوم ويضع خططه على أساس هذه الرؤية البعيدة لكي لا تعرقل خطة اليوم الحالي التنفيذ في المستقبل وإلا تضاربت أعمال اليوم وأعمال المستقبل وعملت إحداهما ضد الأخرى. أجل، فالقائد الحقيقي يجب أن يحدس ما ستؤول إليه الحوادث الاجتماعية الحالية في المستقبل، لكي لا تفسد المفاجآت المستقبلية أعماله وخططه الحالية.
إذن، إن المبادئ الواقعية وغير الخيالية للقائد يجب ألا يسبقها الزمن، بل يجب أن تحتفظ هذه المبادئ بنضارتها وحيويتها على الدوام، بحيث أن إنسان كل عهد عندما يتوجه نحوها ويقبل عليها يجد فيها دواء لمشاكله وحلا لمعضلاته كمن يشرب من ماء الحياة، وتكون هذه المبادئ عصية على الزمان، فلا تتبدل بتبدل العصور والعهود، بل تزداد شباباً وحيوية على مر العصور. ويكون على الدوام أفضل وأحسن من يطبق اقتراحاته وتعليماته ويعيشها بنفسه ويراعي أدق تفاصيلها.
عندما نطالع هذه المبادئ التي هي بعض شروط القيادة الناجحة ونأخذها بنظر الاعتبار نرى أن أفضل وأنجح قائد في تاريخ الإنسانية كلها هو محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الفطنة العظمى، وهذا يشمل جميع الأنبياء أيضا، ذلك لأنه كان قمة لم يصل إلى مستواها أحد في تطبيق جميع هذه المبادئ للقيادة الناجحة.
صحيح أننا نعتقد هذا من منطلق إيماننا، إلا أن الغرب بدأ يدرك هذه الحقيقة باستخدام الحاسبات والعقول الألكترونية، وهذا شيء مفرح لنا. والحادثة التي عدت بنظر الكثيرين مفاجأة كبيرة خُلاصتها وأساسها هي القيام بتثبيت الأوصاف والصفات والمميزات التي جعلت من أشخاص عديدين رجالاً عظماء وقادة كباراً ثم إعطاء هذه المعلومات إلى العقول الألكترونية لكي تقوم بترتيب تسلسل هؤلاء العظماء حسب درجة عظمتهم، وبعد عمل طويل وشاق تم هذا الأمر وظهر على الشاشة اسم رسولنا صلى الله عليه وسلم... أجل، لقد ظهر لهم أن أكبر قائد وأكبر زعيم وأعظم رجل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.[1] والآن لنتناول هذه المبادئ التي ذكرناها ونعطي حولها بعض الأمثلة الشاخصة بعد أن ذكرناها بشكل تجريدي:
الهوامش
[1] يشير الكاتب هنا إلى قيام أحد الكتاب الأمريكيين، وهو "ميشيل هارات" بتغذية الحاسب الألكتروني بالمعلومات الضرورية لمعرفة أهم مائة شخص أثروا في التاريخ الإنساني، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأول في تلك القائمة. وصدر كتاب حول هذا اسمه "The Hundred". (المترجم)
- تم الإنشاء في