هـ . قدوم طال انتظاره
لم يكن من ينتظره ويبشر بقدومه واحداً أو اثنين، بل كانوا كثيرين، وكان زيد بن عمرو بن نُفَيْل واحداً منهم -وهو والد الصحابي سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة بالجنة وابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه- فقد كان من الأحناف، إذ هجر الأصنام ذاكراً أنها لا تضر ولا تنفع. ولكنه كان من الذين توفّوا وهم على أعتاب ظهور النبوة، وكانت له بشارات، أهمها قوله: "إنني أعرف أن ديناً جديداً قد أطلّ، ولكني لا أعرف إن كنتُ أدركه أم لا!"
كانت نسمة قد مسّت قلب زيد.. كانت بمثابة نفحة ربانية فتحت مصاريع هذا القلب تماماً لاستقبال الحق، فكان يؤمن بالله الواحد سبحانه وتعالى، ويسلم نفسه إليه، ولكنه لم يكن يدري الإله الذي آمن به، ولا يدري كيف يعبده.
ويروي لنا أحد الصحابة وهو عامر بن رَبيعة ما يأتي: سمعت زيد بن عمرو بن نُفَيْل يقول: "أنا أنتظر نبيّاً من ولد إسماعيل، ثم من بني عبد المطلب، ولا أراني أدركه. وأنا أومن به، وأصدّقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيتَه فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نَعْتُه حتى لا يخفى عليك." قلتُ: هلمّ! قال: "هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينَه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه. ثم يُخرجه قومه منها، ويَكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب، فيظهر أمره. فإياك أن تخدع عنه، فإني طُفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم. فكان من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعتّه لك، ويقولون لم يبق نبي غيره."
قال عامر بن ربيعة: فلما أسلمت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول زيد بن عمرو، وإقراءه السلام فرد عليه السلام وترحم عليه وقال: «رأيتُه في الجنة يسحب ذُيولاً.»[1]
كان ورقة بن نوفل عالـماً نصرانيّاً، وكان ابن عم أمّنا خديجة رضي الله عنها، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي.
وعندما نـزل أول وحي على النبي صلى الله عليه وسلم انطلقت به خديجة إلى ورقة فقالت له: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: "هذا الناموس الذي نَـزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَع، ليتني أكون حياًّ إذ يخرجك قومك"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَ مخرجيّ هم؟» قال: "نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُوديَ، وإن يدركني يومك، أنصرك نصراً مُؤَزَّراً."[2]
أما عبد الله بن سلام، فكان عالـماً يهودياًّ. لنستمع إليه وهو يشرح كيفية إسلامه: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم انجفل الناس عليه، فكنت فيمن انجفل، فلما تبيَّنْتُ وجهَه عرفتُ أنّ وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يقول: «أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصِلوا الأرحام وصَلُّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.»[3]
كان عبد الله بن سلام شخصية مهمة، يقول عنه ابن حجر في كتابه”الإصابة“ إنه كان شخصاً مبرزاً، ومن نسل النبي يوسف عليه السلام.[4] ومدح القرآن شهادته وذكرها كدليل ضد الكفار فقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِندِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (الأحقاف: 10).
وشاهد بني إسرائيل الوارد ذكره هنا، هو عبد الله بن سلام. ومع أن بعض المفسرين يذكرون بأن الشاهد المذكور في هذه الآية الكريمة هو النبي موسى عليه السلام على اعتبار أن هذه الآية مكية، ولكن الرأي الراجح هو أن هذه الآية مدنية، أي أن سورة الأحقاف وإن كانت مكية، إلا أن هذه الآية مدنية، وتشير إلى عبد الله بن سلام.
الهوامش
[1] «البداية والنهاية» لابن كثير 2/296-299
[2] البخاري، بدء الوحي، 3؛ مسلم، الإيمان، 252
[3] «المسند» للإمام أحمد 5/451؛ الترمذي، الأطعمة، 45، القيامة، 42؛ ابن ماجه، إقامة الصلاة، 174، الأطعمة، 1
[4] «الإصابة» لابن حجر 2/320
- تم الإنشاء في