ج . علامات النبوة
1-رحلته إلى الشام والراهب بَحيرَى
تشير كتب السير كلها إلى أن رحلته الأولى كانت إلى الشام مع عمه أبي طالب عندما كان عمره اثني عشر عاماً. وعندما حطّت القافلة في الطريق للاستراحة تُرك رسول الله حارساً وناظراً لها. في هذه الأثناء لاحظ راهب اسمه "بَحِيرَى" -يتلفظه البعض "بُحيْرى" خطأً- أمراً غريباً في هذه القافلة التي كان يراقب سيرها، إذ لاحظ أن هناك غيمة تتعقبها وتظللها، فإن سارت القافلة سارت معها، وإن وقفت وقفت معها. لذا، أرسل هذا الراهب من يدعو جميع أفراد هذه القافلة إلى تناول الطعام معه. وقد دهش أفراد القافلة من هذه الدعوة، فهذا الراهب لم يكن ليهتمّ بالقوافل من قبل. واستجاب للدعوة جميع أفراد القافلة عدا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن الراهب لم يجد فيهم ضالته، فسألهم عما إذا كان أحد من القافلة قد تأخر عن حضور مأدبته، وعلى إثر الجواب الذي تلقاه منهم أرسل إليه يدعوه كذلك، وما أن رآه حتى علم أنه ضالته، وتوجه إلى أبي طالب يسأله عنه، فقال أبو طالب "إنه ابني"، ولكن الراهب لم يشأ تصديقه، ذلك لأنه توسم فيه أنه ضالته التي يطلبها.. إذن، فوالده يجب أن يكون متوفّى قبل ولادته. ثم دعا أبا طالب وأسرّ في أذنه بوجوب تخلّيه عن هذا السفر، وقال له بأن اليهود قوم يغلب عليهم الحسد، وأنهم ما إن يعرفوا من سيماه بأنه هو خاتم الأنبياء حتى يتعرضوا له بالأذى لكونه ليس منهم. واستجاب أبو طالب لنصيحته، وانسحب من القافلة بعد أن أبدى لأصحابه عذراً ما، ورجع بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة.[1]
كان الراهب "بَحيرَى" محقّاً في كلامه، ولكن غاب عنه شيء واحد؛ وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حماية رب العالمين، حيث إن الآية الكريمة: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (المائدة: 67) تشير إلى هذه الحماية والعصمة. أجل، كان هذا هو ما يقوله له ربه، وقد صدق له وعده.
2-رحلته الثانية إلى الشام
قام فخر الكائنات برحلته الثانية إلى الشام، وعمره خمس وعشرون سنة. كان على رأس القافلة التي أرسلتها خديجة رضي الله عنها، وكان يعمل معها. وفي هذه الرحلة أيضاً التقى راهباً آخر اسمه "نَسْطُورَا"، وقد تَوسّم هذا الراهب فيه أيضاً علامات النبوة.[2]
الهوامش
[1] «السيرة النبوية» لابن هشام 1/191-195
[2] «السيرة النبوية» لابن هشام 1/199
- تم الإنشاء في