الغاية والوسيلة
قبل القيام بأي نشاط أو عمل يجب تحديد الهدف والغاية لكي لا تغل الوسائل يد الإنسان وتربطه بها، فإن لم يتم عند القيام بالنشاطات في سبيل الله توجيه الروح نحو الهدف، فإن الأفكار ستختلط وسيبقى هؤلاء الناشطون أسرى لها دون أن يتقدموا خطوة واحدة.
يجب أن يتوضح الهدف والغاية في مستوى الفكر ويحتل المركز الأول فيه، وإلاّ تعددت الأهداف وظهر الاضطراب والفوضى. فكم من حملة نشاط واعدة فشلت في إعطاء أي نتيجة إيجابية وأي ثمرة بسبب الفوضى في تعيين الهدف والغاية. وعلاوة على عدم وصولها إلى أي نتيجة طيبة وخيرة تخلف وراءها أكواماً من الأحقاد والنفور.
يجب أن يكون الخالق العظيم وابتغاء مرضاته هدف صاحب كل دعوة، وإلا دخلت إلى الساحة الكثير من الأصنام، وتلبس الباطل بلباس الحق وظهرت الأهواء والشهوات في مظهر الفكر، وارتكبت جرائم عدة باسم الجهاد.
أما الأعمال المتوجهة لرضا الله تعالى وحده، فإن الذرة الواحدة منها تعادل الشمس، والقطرة الواحدة منها تعادل البحار، واللحظة الواحدة منها بقيمة الأبد. وما دام الأمر هكذا فلو قلبت الدنيا إلى جنّة بل إلى جنان عن طريق لا يحبها الله تعالى لما كان لها أي قيمة، بل كانت وبالاً على صاحبها. لأن قيمة الوسائل والوسائط تقاس بدرجة توصيلها إلى الهدف دون حدوث أي خلل، لذا فكل وسيلة تشكل عثرة في الطريق تعد وسيلة ملعونة. وهذا هو الوجه الذي لعنت الدنيا من أجله وإلاّ كان من المفروض أن تكون الدنيا أهلاً للمديح لأنها محشر كبير ومرآة لتجليات الأسماء الإلهية الحسنى.
هناك طرق ووسائل عديدة للالتزام بالحق وإعلائه. وقيمة هذه الطرق ونفاستها مرتبطة بمدى احترامها للحق تعالى وبمدى خدمتها لأفكار ومبادئ الحقيقة. فإذا كان هناك بيت يحلق بساكنيه في سماء المعرفة، وإذا كان هناك معبد ينفث في نفوس المجتمعين تحت قبته الأفكار التي تتجاوز هذه الحياة إلى الأبدية، وإذا كانت هناك مدرسة تستطيع ملء قلوب طلابها بالأمل وبالإيمان... مثل هذه الأماكن تعد أماكن مباركة. أما إن قامت هذه الأماكن بمهمات ضد المهمات المذكورة سابقاً فهي مصايد مخيفة تقوم بقطع السبيل أمام الإنسان. والجمعيات وتشكيلات الأوقاف والأحزاب السياسية أمثلة في هذا الموضوع.
على مؤسس كل مؤسسة أن يتذكر على الدوام هدف تأسيسها ووجودها لكي لا ينحرف النشاط عن الهدف، ولكي يكون العمل مثمراً ومفيداً، وإلاّ تم نسيان هدف الإنشاء والتأسيس، فتنحرف المؤسسة مدرسة كانت أم قسماً داخلياً أم عائلة عن خط سيرها مثلما ينحرف الإنسان الذي نسي الغاية من وجوده وخلقه ويعمل ضد نفسه ويضرها.
الاحتكار الفكري وادعاء صاحبه بأن الحق دائماً معه ليس إلاّ تعبيرا عن عبادة الوسيلة وإشارة إلى غياب الهدف. وإلاّ فكيف يمكن تفسير مشاعر الحقد والنفور والكراهية عند بعضهم نحو أناس يشاركونهم العقيدة والمشاعر والمبادئ نفسها؟ أليس هذا دليلا على عدم وجود هدف؟ آه من هؤلاء المساكين عبيد أنفسهم الذين يطمحون إلى إدارة العالم حسب أفكارهم العرجاء.
- تم الإنشاء في