حفظ السر
السر كالعرض، فمن صان سراً -سواءً أكان له أم لغيره- فكأنه صان عرضه. ومن باح به فكأنه خان شرفه وكرامته ولم يراع حرمة ذلك السر حق الرعاية.
يجب أن يكون الشخص الذي يودع أي إنسان سره لديه أميناً أمانة من لا يتردد في إيداع عرضه عنده، وأن يكون واثقاً أنه سيبدي نفس حرصه هو في صيانة عرضه. فكما لا يجوز إيداع أمانة لدى شخص غير أمين كذلك لا يجوز إيداع السر لدى من لا يعد السر عرضه وشرفه.
صيانة السر واحترام أسرار الآخرين ميزة إنسانية مرتبطة بالإرادة والإدراك. فالذين يفتقرون إلى الإرادة لا يستطيعون حفظ السر، كما أن السذج والبسطاء الذين لا يدركون عواقب ما يعملون أو ما يقولون لا يمكن أن يكونوا كتومين.
الذي يودع سره إلى شخص سبق وأن أفشى سره عدة مرات يبرهن على مدى عجزه في اختيار من يودع إليه السر، ويدل كذلك على ضعف إدراكه. أما الذي نضج قلبه بالإيمان، وإنفتحت بصيرته فلا يمكن خداعه ولا استغفاله مثل هذا الاستغفال.
لا شك أن على الشخص أن يقدم البيانات والتوضيحات المناسبة متى ما كانت هناك ضرورة لذلك. ولكن عليه أن يحذر من فتح قلبه وإفشاء أسراره دون أي داعٍ. وليعلم وليتذكر بأن الذين يفتحون قلوبهم ويفشون أسرارهم هنا وهناك دون أي موجب سيضرون بأنفسهم وبمجتمعهم ضرراً بليغاً وقد يدفعون به إلى التهلكة.
على الإنسان أن يحذر من إفشاء أسراره هنا وهناك حذراً شديداً.. ولاسيما إن كانت هذه الأسرار اُموراً قبيحة ولا تؤدي إلى أي نتيجة مفيدة. فهذا سيخجل أصدقاءه ويفرح أعداءه في أكثر الأحيان، ويؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها.
لقد خلقت الصدور كي تكون صندوقاً للأسرار، والعقل قفلها، والإرادة مفتاحها. فإن لم يكن في القفل وفي المفتاح أي ضرر أو عطل لما كان بإمكان أحد الاطلاع على الجواهر الموجودة في هذا الصندوق.
بما أن الشخص الذي يفشي لك أسرار الآخرين سيفشي سرك أيضاً للآخرين، إذن يجب ألاّ تعطي فرصة الاطلاع على أي أمر من أمورك مهما كانت ضئيلة الأهمية لمثل هؤلاء الأشخاص غير المتوازنين.
هناك سر يتعلق بالفرد، وسر يتعلق بالأسرة، وسر يتعلق بالمجتمع وبالأمة أجمعها... فعند إفشاء سر فرد تتعرض كرامة الفرد للانتقاص. وعند إفشاء سر العائلة تتعرض كرامة العائلة للانتقاص. وعند إفشاء سر مجتمع تتعرض كرامة المجتمع والأمة للانتقاص. لأن السر يشكل قوة لصاحبه ما بقي في الصدر، ولكنه ينقلب إلى سلاح يستعمل ضده إن انتقل إلى أيدي الآخرين. لذا قال أجدادنا: "سرك أسيرك، فإن أفشيته كنتَ أسيره".
وكمبدإ، كم من أمور مهمة كان من المفروض أن يحتفظ القائمون بها سراً، إلاّ أنهم عجزوا عن ذلك فلم يستطيعوا من ثم تسجيل خطوة واحدة إلى الأمام. بل إن عدم احتفاظهم بالسر أدى في بعض الأحيان إلى وقوعهم في مخاطر جدية. ويكتسب هذا الأمر أهمية استثنائية إن كان متعلقاً بحياة الأمة وبقائها.
على الإنسان أن يحذر من إيداع أسراره لشخص أحمق. فعلاوة على احتمال سوء النية عنده فقد يفشي أسرارك وهو يظن أنه يسدي إليك معروفا.
- تم الإنشاء في