رحمة للعالمين
يبدأ الشيخ محمد فتح الله كولن حديثه عن النبي المرسل رحمة للعالمين، برسم لوحة لشكل الدنيا يومئذ.. الدنيا يسودها ظلام دامس، ظلام يحمل في طياته نورا مرتقبا، وأصداء تحمل بشري ظهور نبي جديد.
لم يكن إنسان ذلك العصر يحمل قيمة تعطي للحياة معنى، وتجعل لها هدفا يستحق العيش من أجله.
كان اسم هذا العصر "عصر الجاهلية".. والجاهلية هنا لا تأتي كنقيض للعلم، بل كمرادف للكفر الذي هو نقيض الإيمان والاعتقاد.
كان مجيء الرسول نعمة كبري للبشرية، ورحمة سابغة للعالمين، وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالي: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (آلِ عِمْرَان:164).
كان العهد الذي سبق بعثة الرسول عهدا مظلما، وكل عهد تهتز فيه عقيدة التوحيد يعد عهدا مظلما، لأن الإيمان بالله إذا لم يحكم جميع القلوب سيطر الظلام على الأرواح واسودّت القلوب وعميت، فلم تعد قادرة على الرؤية.
في هذا العهد كان المشركون يعبدون الأوثان والأصنام التي ملأوا بها الكعبة، وكانوا يفخرون بهذه العبادة ويجدون فيها السلوي، وكان بعضهم يقول إنهم لا يعبدون هذه الأصنام إلا لتقربهم إلى الله زُلفى، وكان هذا يعني أن شعور العبودية الذي أودعه الله في فطرة الإنسان كأمانة قد تعرض للخيانة.
هذا هو الشر الأول من شرور الجاهلية، ويشير القرآن الكريم إلى شرٍّ آخر يتصل بكراهية البنات، قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (النَّحْل:58-59).
قال رجل للرسول: يا رسول الله إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان، فكنا نقتل البنات.. وكانت عندي ابنة لي، فدعوتها إلي فجاءت مسرورة بدعوتي لها، ومشينا حتى إذا أتينا بئرا قريبة فأخذت بيدها ورميتُ بها في البئر وهي تقول يا أبتاه يا أبتاه!".. فبكي رسول الله حتى تقاطر دمعه.
المصدر: جريدة الأهرام، 8 نوفمبر 2002.
- تم الإنشاء في