الفصل الثاني: الكون كتاب اليقين
تمهيد
يقول الأستاذ بديع الزمان النورسي -رحمه لله- في رسائل النور، التي كان لها التأثير الكبير على فكر أستاذنا الجليل فتح الله كولن، وذلك في معرض شرحه لمفهوم الكون: "إن التجلي الأعظم لاسم "الحكم"، جعل هذا الكون بمثابة كتاب عظيم كتبت في كل صحيفة من صحائفه مئات الكتب، وأدرجت في كل سطر منه مئات الصفحات، وخطت في كل كلمة منه مئات الأسطر، وتقرأ تحت كل حرف فيه مئات الكلمات، وحفظ في كل نقطة من نقاطه فهرس مختصر صغير يلخص محتويات الكتاب كله.. فهذا الكتاب بصفحاته وأسطره بل بنقاطه، يدل دلالة واضحة ساطعة -بمئات الأوجه- على مصوره وكاتبه، حتى إن مشاهدة الكتاب الكوني العظيم هذا وحدها كافية للدلالة على وجود كاتبه، بل تسوقنا إلى معرفة وجوده ووحدانيته بما يفوق دلالة الكتاب على نفسه أضعافًا مضاعفة"[1]. فكيف تتجلى أوجه هذا الكتاب الكوني للناظر من خلال ما أظهرته الكشوف العلمية في عالم الأكوان؟ ذلك ما سنحاول تفصيله في هذا الباب بعون من الله.
نظرات في بدء الكون ومفهوم الزمن الكوني
قبل أربعة ملايير وخمسمائة مليون سنة حسب تقدير علماء الجيولوجيا، لم تكن الأرض شيئًا مذكورًا. وحسب نظرية الانفجار العظيم (Big Bang)، يكون الكون بدأ قبل خمسة عشر مليار سنة انطلاقًا من حقل أصلي دون أي أثر للمادة وبدون أي مفهوم زماني أو مكاني. ويبدو من خلال تحليلات علماء الكون، أن الأصل في ذلك يعود إلى انفجار كثلة من الجزيئات شديدة الكثافة تحت تأثير حرارة جد مرتفعة حالت دون تلاحم الجزيئات فيما بينها، بيد أنه بعد فترة وجيزة نزلت الحرارة إلى حد أفضى إلى تكوّن نوايا ذرات غاز الهيدروجين والهليوم، بينما استغرق اكتمال تكوّن الذرات عدة آلاف من السنين.
هكذا تجمعت في أماكن من الفضاء بعض من هذه الغازات، وبعدما انخفضت درجة حرارتها تكتلت في شكل دخان. فحسب الدراسات الكونية للفرنسيَين (Benest & Claude Froeschle Daniel) والسويدي
(Hans Rickman)[2] المستندة إلى تحليل طبيعة المذنبات؛ حيث تبيّن أن النواة المركزية لهذه المذنبات، مكوّنة من مادة ترجع تركيبتها إلى أصل النظام الشمسي، فإن النظام الشمسي يكون بدأ انطلاقًا من سحاب مكوّن من غاز وغبار تقلص من جراء تجاذب جزيئاته فبلغت الحرارة والكثافة في وسطه درجات أثارت تفاعلات حرارية ونووية نتج عنها ميلاد الشمس. أما الجسيمات المكوّنة لهذا السحاب، فهي تتشكل من غازات كالهليوم والهيدروجين، ومن الغبار وبعض المعادن والمواد العضوية الغنية بالكربون والمواد المتبخرة، تجمعت كلها في شكل مادة وصفها الباحثون في علم الفضاء بصفة "دخان". وهذا الاستخلاص العلمي نجده يتطابق مع ما جاء في كتاب الله من وصف لبدء الكون، حيث يقول الله - عز وجل -: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)(فصلت:11).
أما فيما يخص الطاقة التي اعتُمدت في حدوث هذه التفاعلات فالمرجّح -وحسب نفس الدراسات- أنها كانت تُستمد من الماء، بينما هناك جزء ضئيل قد يكون استُمد من انفجار بعض المواد الإشعاعية كاليورانيوم. فالماء وجد في بداية الكون بكمية هامة كحبات متجمدة ليس لها أي شكل معين. والتفاعل الذي ولّد الطاقة كان نتيجة انتقال الماء من خاصيته كحبات متجمدة دون شكل، إلى حبات متجمدة ذات شكل بلوري، وذلك تحت تأثير ارتفاع طارئ للحرارة.
وهكذا فبعد اشتعال الشمس، تحولت كل الحبات المائية إلى بلورات إلا في الآفاق البعيدة عن الشمس. وبذلك، وبما أن التفاعلات التي ساهمت في التحولات الأساسية لميلاد الكون نتجت عن الماء، فإنه يستفاد أن الماء هو مصدر الطاقة الذي كان له التأثير المباشر على تكوّن المجموعة الشمسية وتطورها. وهذا الاستنتاج نجده متوافقًا مع ما ذُكر في كتاب الله حول بدء الكون، حيث قال - عز وجل -: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ)(الأنبياء:30).
وكما يظهر في دراسات الفيزيائي الفلكي "Trinh Xuan Thuan"[3]، فإنه بعد اكتمال تكوّن الشمس، ظلت جزيئات كثيرة تدور حولها في مدارات مختلفة ومتفاوتة للسرعة، مما أدى إلى تجاذب الجزيئات الصغيرة بالكبيرة وحدوث تكتلات في شبه كواكب. إلا أن البعض منها انتثر، بينما البعض الآخر أعطى كواكب تطورت خلال عشرات الملايين من السنين، لتأخذ مدارات تسبح فيها الكواكب في شبه دوائر متوازية ذات نظام محكم يبعد فيها كل كوكب عن الشمس بضعف المسافة التي تفصل سابقه عنها، وتأتي الأرض في المدار الثالث من الشمس بعد عطارد والزهرة، بينما تبقى فوقها سبع مدارات لكواكب تبعد أكثر فأكثر عن الشمس، انطلاقًا من كوكب المريخ ثم الكويكبات فالمشتري وزحل وأورانوس ونيبتون إلى بلوتون.
هذا عن المجموعة الشمسية، وهناك ملايير من المجموعات الأخرى تسبح داخل مجراتها في فضاء الكون. وقد أثبتت الدراسات أن النجوم تتنقل بسرعة تصل إلى مئات الكيلومترات في الثانية الواحدة، ويمكن للنجم أن يقطع عشرة ملايير كيلومتر في السنة. فعينُ الناظر لا تدرك إلا موقع النجم، أما جسمه فيبقى جد متنقل، كما نستشف ذلك من قوله تعالى: (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)(الواقعة:75-76). وهذه التحركات للنجوم هي في واقع الأمر تجسيد لحالة الانفجار الدائم الذي يوجد عليه الكون والمتمثل في التنافر المستمر الحاصل بين النجوم وكذلك بين المجرات.
إلا أن هذه المعرفة العلمية بالكون لا تتجاوز 5% من مكوناته، بينما تبقى 95% غامضة، وذلك راجع إلى كون المدرَك من الكون، إنما تم رصده عن طريق الأجسام العاكسة للضوء. فهو إذن إدراك غير مباشر، بينما القسط الأكبر من الكون لا يصدر عنه ضوء. وهذا يفيد بأن الكون ظلام دامس، كما نستشف ذلك من قول الله تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)(الحجر:14-15). أضف إلى ذلك أن الأماكن الساخنة من الكون تمتص أيّ أثر للضوء نظرًا لوجود كم هائل من الذرات المؤينة (İonisés) التي تمتص كل الضوء. كما أنه نظرًا لكون كثافة مادة الكون هي جد ضئيلة، حيث لا توجد أكثر من ذرة واحدة من الهيدروجين -وهي الغالبة في تركيب هذه المادة- في كل خمسة أمتار مكعبة من الكون، فإن المشهد أعطى للعلماء انطباعًا بأن المادة السوداء هي الغالبة على الكون، إذ تنتشر بأضعاف أضعاف المعدل الذي ينتشر به الضوء فيه.
وعليه فبما أن الضوء يعتبر هو الأساس في تحديد المقاييس الزمانية والمكانية للكون، فهذا يطرح إشكالية كبيرة في فهمنا لحقيقة الكون. فالضوء الذي يشكل المعلومة الأساسية في تقويمنا العلمي لمكونات الكون، لا يصل إلى مركز موجود على بعد 300.000 كلم إلا بعد ثانية من الزمان وهي سرعة الضوء. فكيف بالأجرام المتواجدة على بعد ملايين بل ملايير الكيلومترات من مراكز رؤيانا في الأرض. فنحن عندما نرى القمر -مثلاً- فإن تلك الصورة التي تلتقطها العين من الأرض للقمر، هي في واقع الأمر، الحالة التي كان عليها القمر قبل ثانية من الزمان. كما أننا لما نرى الشمس تغرب، فإن ذلك يعني أنها غربت فعليًّا قبل تلك اللحظة بحوالي ثماني دقائق. أما إذا مددنا البصر إلى المجرات البعيدة في الكون، فإن ما يصل إلينا منها ليس إلا الحالة التي كانت عليها تلك المجرات قبل ملايين السنين، وقد تكون اندثرت كليًّا من الوجود ونحن مازلنا نرى صورتها. وهذا يعني أن ما نراه من النجوم والمجرات في السماء، ليس ما هو كائن في تلك اللحظة، ولكن هو ما كان بحسب بُعدِ تلك الأجرام عن مركز الرؤية بالأرض.
وفي هذا الصدد، نجد الأستاذ فتح الله كولن يوضح هذا الإشكال بأسلوب جِدّ مبسّط فيقول: "تأمل في قصر الكون العظيم هذا، فالواقف أمام التلسكوب يرى الأبعاد الشاسعة على مسافة خمسة ملايين سنة ضوئية. يعني إذا انطفأ "نجم نابض"، فإنك لا تشاهد انطفاءه إلا بعد خمسة ملايين من السنين. أو لو أصبحتَ ضوءً وأردت الذهاب إلى هناك، فإنك لا تبلغه إلا بعد خمسة ملايين من السنين. أفلا يدفع هذا الكون العظيم وهذا النظام الدقيق الإنسان إلى الإعجاب والحيرة؟"[4].
وهذا يعني أن الرائي لا يرى من المكان سوى لقطات لما سبق أن سجله الزمان كلاًّ مأخوذًا في لحظة مختلفة. كشأن عالِم جغرافيا يقيم بالمغرب -مثلاً- ويريد أن يضع خريطة جغرافية حالية لمدينة بغداد التي يتعذر عليه معاينتها إلا من خلال وثائق قديمة من عهد هارون الرشيد. فكم هي الصعوبات التي سيلاقيها هذا العالم لوضع هذه الخريطة من خلال معطيات قديمة غير مباشرة، قد تكون تغيرت كل التغير عن الواقع الحالي بفعل ما ألحقه بها الزمان، كما أنها قد تكون اندثرت تمامًا من الوجود. فالسبيل الوحيد لإنجاز هذا العمل، هو أن يتحول الجغرافي إلى عالم تاريخ لإقحام عامل الزمان في إعادة تقويم المكان. هنالك سيمكن له من خلال اطلاعه على متغيرات الماضي، أن يدرك حقيقة الحاضر. كذلك هو شأننا في إدراك متغيرات الكون، فالضوء الذي هو مفتاح إدراكنا لحقائق الكون، هو آلة السفر في الزمان، ولكي يمكننا إدراك أي معطى من معطيات المكان في الكون، كان لابد لنا من إقحام عامل الزمان، لأنه الأثر الوحيد الدال عليه.
ولهذا لما صمم الخبراء جهاز "GBS: Global Positionning System" وهو آلة معدة لضبط أي موضع على الأرض بأبعاد الطول والعرض والارتفاع من خلال تواصله مع قمر اصطناعي يدور في الفضاء، أعدوا لهذا الغرض نظامًا يتطلب دقة عالية في الحساب، نظرًا لإشكالية الفارق الزمني بين نقطة الإرسال ونقطة الاستقبال المتموضعتين فوق كل من الأرض والقمر الاصطناعي الذي يدور عليها. إذ لا يمكن أن يعطي هذا الجهاز النتائج الصحيحة، إلا من خلال مزامنة توقيته على الأرض لتوقيت القمر الاصطناعي الذي يدور حولها في الفضاء. الشيء الذي يستدعي إدخال تعديل على الفارق الزمني باستعمال معادلات النسبية المعقدة. أما إذا لم تراع هذه التعديلات في الفوارق الزمنية بين الأرض وما علاها، فستحدث اختلالات في معالجة القياسات المرسلة من الفضاء، لأنه ثبت في نظرية النسبية أن الزمن يسري ببطء أكثر بالنسبة للأجسام التي تتحرك بسرعة أكبر. وهذا يطهر لنا مدى صعوبة الحسابات في فك معادلات الارتباط القائمة بين الزمان والمكان في التحديد المادي لمواقع الكون.
كمال البناء في الكون
يقول الأستاذ فتح الله كولن في معرض استشهاده بنظام الكون وانتظامه على قدرة الله وتقديره: "إن القدر يسع الكون كله ويشمل كل ما فيه بحيث لا يمكن تصور أي شيء خارجه. فالله سبحانه خالق الكون قد وضع في كل شيء بعلمه المحيط ميزانًا واتزانًا ونظامًا وانتظامًا وقدرًا معينًا.. من انفلاق الحب والنوى إلى انبعاث الربيع الزاهر، ومن تصوير الإنسان في الأرحام إلى ولادة النجوم في المجرات. بل إن جميع ما دوّنه العلماء المحققون في العالم كله في مئات الألوف من كتبهم، ما هو إلا ترجمة هذا النظام والانتظام والتقدير الشامل المحيط"[5]. فكيف يتجلى هذا ويتجسد في بناء الكون؟
إذا استقرينا مجمل المشاهدات الفلكية لعلماء الفضاء، مستحضرين دلالاتها، فسنجدها تُجلّي لنا الكون نسيجًا متجانسًا (Cosmic Web) في توسع (Expansion) غير محدود، يجري في جميع الاتجاهات الكونية (İsotropy) وكأن الأرض في وسطه. هذا التوسع الكوني الذي انطلق مع حادثة فتق الرتق التي رفعت السماوات عن الأرض المشار إليها في القرآن الكريم بقول الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)(الأنبياء:30)، والمعبر عنها في العلوم الفلكية بكلمة "Big Bang" أو "الانفجار العظيم"، هو ساري في الكون بسرعة تنافر بين المجرات تزداد بنفس النسبة التي تزداد بها المسافة الفاصلة بينها كما تقر بذلك نظرية هابل[6]. وعليه فبما أن سرعة هذا التوسع تبقى متصاعدة بتصاعد المسافات الفاصلة بين المجرات دون أن تُمد بأية قوة محركة رغم وجود عامل التجاذب الحاصل بين المجرات، اللهم إلا تلك القوة الأولية الناتجة عن وقع الانفجار الذي تولد عنه فتق الرتق، فذلك يعني أن هذا التوسع الساري في الكون، هو قائم بقوة قادر كما دلت عليه الآية في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)(الذاريات:47) التي توحي بأن الله هو الذي يتولى مهمة التوسيع بفاعلية منه يبثها سبحانه في الكون ليظل في انتشار مستمر. ولا ينبغي أن يُفهم التوسع على أنه نتيجة عفوية لفارق الكثافة بين الأجرام ومادة الكون تنجم عنه قوى نابذة تؤدي إلى تنافر الأجرام وتباعدها في الكون، كشأن بالونات هواء موضوعة داخل جسم مادي أكثر كثافة كالماء مثلاً، فهي لابد أن تتصاعد إلى أعلى وتتنافر في اتجاهات مختلفة؛ فهذا لا يمكن أن يحصل في الكون، لأن عامل الجاذبية بين الأجرام يلعب من جهة أخرى دورًا مضادًا.
إذن هناك قوة تتولى توسيع الكون في نَسَق التناغم بين مكوناته، ولولاها لأطبقت السماوات على الأرض ولانقبض الكل على الإنسان. وتلك هي قوة الله التي تحفظ الكون من الانكماش بفعل مباشر منه سبحانه كما ورد ذلك في قوله تعالى: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)(الحج:65). ولذلك فالله لما وصف لنا ظاهرة التوسع، نسب المهمة إلى ذاته العلية وأنه يتولاها سبحانه بفعل مباشر صادر عن قوته الخفية. وأكد لنا سبحانه ذلك من خلال صيغة التوكيد والشدة التي جاءت بها الآية (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)، للدلالة على قوة في الفعل تقابل فعلاً مضادًّا تمثله تلك القوة الجاذبة التي تعمل في الاتجاه المعاكس على تجميع الأجرام في الكون، الذي من خلال خصائصه الفيزيائية يبدي نزوعًا شديدًا إلى الانقباض.
ولعل ذلك ما خلصت إليه نتائج أحدث أبحاث علماء الفضاء من مجموعتين مختلفتين للبحث العلمي؛ مجموعة Supernova Cosmology Project ومجموعة High-Z Supernova Team[7]. هاتان المجموعتان تبيَّن لهما من خلال المشاهدات الفضائية وقائع مذهلة، اكتشف الباحثون من خلالها مجرات بعيدة تتباعد عن مجرتنا بسرعات تفوق بكثير ما ينبغي لها أن تكون عليه. مما يعني -كما فسروه- أن سرعة التوسع في الكون تتصاعد كما لو أن قوة غامضة سموها "الطاقة الظلماء" تعارض قوة الجاذبية بين الأجرام التي تعمل من جهتها على تجميع الكون وانكماشه. وهذا جعلهم يندهشون واضطرهم إلى الإقرار بضرورة وجود قوة خارقة في عالم آخر يقابل هذا الذي نحن فيه، هي التي تمد عالمنا بالطاقة وتتولى تدبير نظمه كما جاء في تقاريرهم.
من جهة أخرى، إذا رجعنا إلى ما تنطوي عليه حقيقة هذا التوسع الكوني، من خلال وقوفنا على حركة الأجرام السماوية في نسق هذا التوسع المعبر عنها في كتاب الله بعملية السبح الواردة في قوله تعالى: (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(يس:40)، فسنجد أن ظاهرة التوسع الكوني -حتى تنضبط في نسق منسجم- كان لابد لها أن تقترن بتناغم الفاعليات الذاتية المبذولة من مختلف الأجسام السماوية.
ففي الاصطلاح اللغوي والاستعمال القرآني لكلمة "سبح"، نجد أن هذه الكلمة تعني كما قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قول الله تعالى: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً)(المزمل:7): "الجري والدوران ومنه السابح في الماء لتقلبه بيديه ورجليه، وفرس سابح أيْ شديد الجري". وهذا يفيد ضرورة وجود عامل تأثيري لقوة ذاتية في الجسم حتى تتم عملية السبح. فإذن هي حركة ناتجة عن طاقة محركة من داخل الجسم، كما يحصل ذلك عند الطيور السابحة في جو السماء، أو الحيتان السابحة في عرض البحار التي إذا رأيتَها انسجمت في لوَحات سبحٍ جماعي فلحصول تفاعل متناغم بينها.
إلا أن دور الكثافة يبقى مع ذلك قائمًا بين الجسم السابح والمادة التي يسبح فيها. بحيث لا يتسنى لأي جسم مادي أن يتنقل بحركة ذاتية فيه إلا إذا كان في وسط مادي أقل كثافة من كثافته. وكلما ازدادت كثافة المادة التي يسبح فيها إلا وصعبت عليه الحركة. وبذلك جاء التعبير القرآني: (لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(يس:40) دالاًّ على تناغم حركة الأجرام السماوية في نسق السبح العام المنضبط بفعل الفارق بين كثافة مادة الأجرام وكثافة مادة الكون من جهة، وبين كثافة كل جرم مع الجرم الذي يحوم حوله من جهة أخرى. مما يجعل القمر يدور حول الأرض، والأرض بقمرها تدور حول الشمس، والشمس بكواكبها في فلك المجرة، وكل مجموعة تنضبط في فلكها داخل منظومة الكون المتناغمة.
إذن هذه الفاعلية الذاتية التي أودعها الله تعالى في كيان الأجسام السماوية لتظل سابحة في الفضاء إلى مدة أجلها، تضفي عليها من الانتظام والانسجام ما لا يمكن التعبير عنه إلا بما جاء به الوصف القرآني في قول الله تعالى: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)(الملك:3). ولعل هذا ما وصلت إليه أحدث البحوث العلمية لأشهر عالم فلك أمريكي "ستيفن واينبرغ" الحاصل على جائزة نوبل[8] الذي رفع الستار عن حقيقة لم تكن معروفة من ذي قبل، وهي ظاهرة التجانس الحاصل في الكون. فأظهر من خلال أبحاثه، أن الأجسام السماوية تخضع لظاهرة بديعة من التجانس تتداخل فيها المجرات فيما بينها محيطة بالأرض من جميع الجهات. وهذا يفيد أن الخصائص المميزة لكل مجرة، ستتوحد في انسجام تام مع خصائص المجرات الأخرى كما بين ذلك موضحا في الشكل 4:
هذا الشكل يُجلي لنا حقيقة هذا التجانس؛ بحيث إذا كنت في المجرة (1)، فإنك ستراها تتوسط الكون، وترى منها المستوى الذي يحمل نقطة (أ) متميزًا بخصائصه الموحدة. ثم إذا كنت في المجرة (2)، فستراها أيضًا تتوسط الكون، وترى منها المستوى الذي يحمل نقطة (ب) متميزًا كذلك بخصائصه الموحدة. فإذا تداخلت نطُق المجرتين (1) و(2)، تجانست الخصائص المميزة لكل واحدة منهما بمقتضى التوحد الحاصل في نقطة التقاطع (ج) وفقًا للمعادلة التالية.
أ = ج و ج = ب ← أ = ب
فهذا الشكل إذن، يظهر لنا حقيقة التجانس الحاصل بين المجرات بمقتضى التداخل القائم بين نطقها. فإذا كانت كل مجرة لها من الخصائص ما يميزها عن غيرها، فإن التداخل بين نطقها سيلغي هذا التمايز في الخصائص ويحدث لها تجانسًا يوحّد فيما بينها. وهذا ما يضفي على الكون صفة التوحد، التي تحمل في دلالاتها وقعًا قويًّا لأثر الفاعلية الخفية التي لولاها ما ترتبت نظمه في هذا التماسك العجيب، وما تشكل بنيانه في هذا التجانس البديع.
هذا التجانس الحاصل بين المجرات والذي يشكل بناء السماء، إذا أخذناه من بعد نظرية "كوبرنيك" التي نجد لها أصولاً في التصورات الفلكية لـ"ابن طفيل"، والتي تبين فلكيًّا أن الأرض تتوسط الكون، بحيث من أية جهة من الأرض نظرت إلى الكون رأيته محيطًا بك، فسنجده يعبر عن تماسك رائع لنسيج الكون حول محيط الأرض، كشأن خيوط العنكبوت المحبوكة حول دائرة مركزية. وهذا التشبيه لنسيج الكون بنسيج العنكبوت الذي أصبح اليوم متداولاً في التقارير العلمية لعلماء الفضاء بما يشاهدونه من مراصدهم الفلكية، ليس بغريب إذا ما أخذناه من بعده الشكلي، فقد جاء في تفسير القرطبي لقول الله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)(الذاريات:7)، أن عكرمة قال في تفسير "الحبُك": "ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه، يقال منه حبك الثوب يحبكه حبكًا، أي أجاد نسجه". وفي الجلالين "الحبُك" هي الطرق. ولعل في التعبير الدقيق لقوله تعالى: (ذَاتِ الْحُبُكِ) إشارة إلى أن السماء هي التي تتولى مهمة حبك نسيجها، تمامًا كما تقوم العنكبوت بنسج خيوطها من جهدها الذاتي. وهو دلالة أخرى على تلك الفاعلية الذاتية للأجسام السماوية في بناء نسيج الكون، كما تقر بذلك التقارير العلمية لعلماء الفلك[9]. تلك التقارير التي باتت اليوم أكثر استعمالاً من أي وقت مضى لمصطلحات القرآن الكونية، مثل "نسيج الكون" (Cosmic Web) و"بناؤه" (Cosmic Building) و"توسعه" (Expansion) و"تزيينه بالمصابيح" (Beads on a String) وحبكه (Filaments) وما إلى ذلك من المصطلحات التي تؤكد السبق العلمي للقرآن الكريم ودقة تعبيره البلاغي.
فإذا تتبعت هذه الحبُك في الكون إلى مركز النسيج، وصلت إلى مجال السماء الدنيا، وهي المحيطة مباشرة بالأرض، فوجدتها زينت للإنسان بالمصابيح. فإذا أتممت المسير في اتجاه المركز، ولجت نطاق ما بين السماوات والأرض الموصوف عند الله بقوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)(مريم:65)، فتبين لك المغزى من الإشارة إلى البينية في التلميح إلى مركزية الأرض من السماوات السبع المحيطة بها. تلك البينية التي تحمل في طياتها، دلالات قوية على وحدة المنشأ لا يسطع ضوؤها إلا من خلال إطلالنا على البعد الزمني لنمو كل من السماوات والأرض. فقد جاء في كتاب الله ما يشير إلى تقديم خلق السماوات على خلق الأرض، كقوله - عز وجل -: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)(النازعات:27-30)، كما جاء فيه أيضًا ما يفيد تقديم خلق الأرض على خلق السماوات، كقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة:29). مما يعني أن خلق السماوات والأرض، يبقى مشمولاً في تدبير الله المنزه عن الزمان والمكان بخاصية المصاحبة الزمنية التي تدل على وحدة المنشأ وآنية التكوين. وهو ما وقف عليه المفكر الإسلامي الفرنسي "موريس بوكاي"؛ حيث قال في شأن التحديد الزمني لمراحل خلق السماوات والأرض: "المذكور (يعني في القرآن) هو مجموعتان من الظواهر، جزء منها أرضي والآخر سماوي. وقد حدث كلاهما في اتصال مع الآخر. وبالتالي فذكر هاتين المجموعتين من الظواهر، يعني أن الأرض كانت بالضرورة موجودة قبل أن تمد، وعليه فقد كانت موجودة حين بنى الله السماوات . وينتج من هذا فكرة المصاحبة الزمنية لنمو كل من السماوات والأرض بشكل تتداخل فيه الظاهرتان"[10].
من ناحية أخرى، ومما يزيد مشهد وحدة بنيان السماوات والأرض وضوحًا، ما جاء به كتاب الله -عز وجل- من وصف لتوحد أقطار السماوات والأرض في الإشارة الواردة في قول الله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ)(الرحمن:33). فكون كلمة "أقطار" ورد ذكرها موحدًا بين السماوات والأرض، يعني أن السماوات والأرض شكلت -وما تزال- وحدة متكاملة. لأن القطر في الاصطلاح الهندسي، يعني الخط الواصل بين طرفي شكل معين مرورًا بمركزه، فإذا تصورنا الأقطار كخطوط تمر بمركز الأرض لتستقيم في جميع الاتجاهات السماوية المتعامدة مع سطحها، فسيبدو لنا عالم السماوات والأرض كشكل متكامل تحيط فيه السماوات بالأرض حول مركز كائن في نواتها. وذلك ما يحمل الإشارة إلى توسط الأرض لعالم السماوات ووجود الإنسان في قلب هذا البناء.
دلالات الزوجية في الكون
يقول الأستاذ فتح الله كولن بخصوص معنى قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)(الذاريات:49): "في اللغة العربية عندما تضاف كلمة "كل" -التي تعني العموم- إلى معرفة، تفيد عموم أجزاء الكل، وعندما تضاف إلى نكرة تفيد عموم الأفراد، أي جميع الأفراد، وهنا كلمة "شيء" كلمة نكرة، إذن فالمعنى؛ إن جميع الخلق خلقوا زوجين اثنين، كما أن الناس خلقوا زوجين اثنين، فالنباتات أيضا خلقت هكذا ذكَرًا وأنثى. وكلمة "زوجين" الواردة في القرآن تعني الذكر والأنثى، بل إن الذرة نفسها التي هي أصل الأشياء، خلقت زوجين اثنين، فمن أجزائها ما تحمل شحنة موجبة، وأخرى تحمل شحنة سالبة، وهناك أيضا قوة دافعة وأخرى جاذبة، أي إن هذا الأمر يظهر في صور وأشكال مختلفة. فإن زالت هذه الصفة لم تستطع الموجودات إدامة وجودها"[11]. فكيف نقرأ مبدأ الزوجية في خبايا الموجودات، وما دلالاته على حقيقة الوجود؟ ذلك ما سنعمل -وبالله التوفيق- على تبيانه في هذا الفصل.
إذا كان مبدأ الزوجية يشكل القانون المؤسس لنظام الكون مصداقًا لقول الله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)(الذاريات:49)، فإن تجلياته على مكونات الأرض التي هي جزء من هذا الكون، تظهر على كل المستويات انطلاقًا من بلوراتها الصخرية التي من معدنها نبعت الحياة.
فالحجر الذي هو أصل تكوين الأرض إذا وقفنا على تحليله المعدني من خلال الفحص المجهري لمركباته، فسنجده يقوم أساسًا على خاصية التبلّر (Cristallisation)؛ وهي صفة تدل على تقابل وجيهات البلورة في زوجية دقيقة التصميم، عجيبة التماثل، تتجلى من جميع الزوايا عبر محور البلورة أو مركزها.
فإذا علمنا بأن هذه الهيئة البلورية المؤسسة لمعدن الصخر، هي انعكاس لنظامه الذري، فسنقف على مشهد نرى من خلاله أن الترتيب الأساسي للذرات هو أيضًا متماثل، وأن التماثل البلوري إنما صدر من تناظر الذرات الذي بموجبه تحدَّد المظهر الجزيئي المؤسس لمختلف الأشكال البلورية المؤصلة للمادة الصخرية لكوكبنا.
وهذا يضفي على مركبات الحجر صفة الزوجية التي عمت كل شيء؛ من الذرة إلى البلورة إلى الصخرة إلى الأرض التي تتناظر أطرافها حول مركزها الكائن في نواتها الباطنية. وكل كائن حي من النبات إلى الحيوان إلى الإنسان، إنما تأصلت مادته من طينة الأرض التي تبلورت مركباتها من تبلّر معدنها على تلك الهيئة البديعة من التماثل. بل ونجد أن هذا النظام البلوري الذي يقوم أساسًا على خاصية التماثل، يتأسس على سبعة أشكال رئيسية يمثل فيها المكعب الأصل الذي تتقاطع فيه المحاور في جميع الاتجاهات الكونية. والكعبة المشرفة بشكلها المكعب تجسد أسمى تعبير عن هذا النظام بستة أضلع متناظرة تتماثل حولها مطلق الاتجاهات الكونية.
وذلك سر من أسرار هذا الكون، تُحدِّث به الحجارة التي تمثل بلوراتها مرآة عاكسة لنور المكوِّن في دلالة على تفرد الخالق سبحانه بإفراد الوحدانية وكمال الأحدية له وحده، وإضفاء صفة الزوجية على كل ما سواه، حتى يشكل الكون مرجعًا تجريبيًّا لتأسيس النماذج التفسيرية الموصلة إلى فهم حقيقة الوجود، فكان من أجل ذلك أن خُتمت الآية بقوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(الذاريات:49).
ولتبيان معالم هذه الزوجية وإظهار دلالاتها الإعجازية، سنقف -وبالله التوفيق- على حقائقها، انطلاقًا من البلورة التي هي مرآة الزوجية في التركيب المعدني للأرض، إلى الكعبة التي حول محور التواصل بينها وبين البيت المعمور تتماثل معالم الكون.
1- البلورة مرآة الزوجية في التركيب المعدني للصخر، والذرة سر نظامها
تشكل الحجارة في عرف الجيولوجيين، تركيبًا معدنيًّا أو عضويًّا أو مزدوجًا لمادة نشأت قي القشرة الأرضية ثم تبلورت بفعل التحولات الفيزيائية والكيميائية التي طرأت عليها خلال مراحل تطورها. وبما أن تعريف المادة تعرض بعد ظهور نظرية النسبية التي وضعها الفيزيائي الألماني "أينشتاين" (Albert Einstein) (1923) إلى تغير جدلي حيث صار مفهوم المادة مقترنًا بالطاقة، أي بفاعليتها، فإن مادة الحجارة بفعل تغيرها مع الزمان والمكان، باتت أكثر دلالة على هذا المعنى بحكم ما تنطوي عليه تفاعلاتها مع المحيط من تجليات لأثر الفاعلية الباطنية التي تسري في كيانها، والتي تؤدي في الأخير إلى حصول توازن ديناميكي مع المحيط الحاضن لها بفعل تبادل المادة والطاقة بينهما.
فالحجر مهما كان أصله وظروف تكوينه، هو متجاوب باستمرار مع متغيرات محيطه. ويمكنك أن تلمس هذا التجاوب في الهيئة البلورية التي يكشفها لك تحليله المجهري؛ تلك الهيئة التي تتألق أشكالها وتتلألأ أنوارها، وفقًا للتشكيلات المعدنية المنبثقة من تفاعلات الحجر مع النُسق الكيميائية الناشئة في الوسط الذي يتبلور فيه. بحيث إذا أخضعت هذا الحجر للفحص المجهري وظهرت لك معالم هذه الهيئة البلورية في الأشكال العجيبة والألوان الزاهية التي تختلف باختلاف تركيباته المعدنية المتبلورة مع متغيرات محيطه، اتضح لك أن النور الذي تتلألأ به البلورة إنما هو انعكاس لسر يخفيه نظامها الذرّي الذي من تشكيلته الكيميائية انبثقت تركيبتها المعدنية. فإن أنت سبرت أغوار هذا النظام الذي تآلفت ذراته في جزيئات "النسق البلوري" (Cristal) المنسجم مع قرار الحجارة، تحدثت إليك مكوناته بنور مكونها، فتنبهت إلى معنى قوله - عز وجل -: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(النور:35)، وتحيرت في إدراك معنى قوله سبحانه: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ)(النور:35) بما يوحيه إليك الوصف القرآني من معاني إعجازية بخصوص المغزى من ذكر الزيت الذي يضيء ولم تمسسه نار، وما دلالة ذلك على أثر الفاعلية الخفية التي أودعها الله تعالى في كيان هذه المكوّنات التي منها يسري النور الذي به يتلألأ الكون دون أن تمد بطاقة خارجية. فهذا التشبيه إذن، هو دلالة على أن مصدر النور الذي يضيء بلورة الوجود، إنما هو من سر فاعلية خفية بثّها الله سبحانه في كل موجود.
ولتأكيد هذا المعنى، دعنا نتأمل في بلورات النسيج الصخري الذي به تزدهي الأرض وتنبسط أنوارًا. هذا النسيج إذا تفحصت بلوراته، فستجدها تقوم أساسًا على ميزة التماثل؛ وهي صفة تدل على تقابل وجيهات البلورة في تزاوج عجيب مع بعضها عبر مركز أو محور البلورة. وهذا التقابل إنما هو انعكاس لثنائية التركيب الحاصلة بين الذرات في بناء النسق البلوري، مما يدل على أن نظام الزوجية في البلورة، إنما صدر عن تماثل الذرات في بناء الجزيء المؤسس للبلورة، ذلك التماثل الذي يسري في الحجر ومنه إلى الجبل فالأرض التي تتماثل حول مركزها الأطراف.
فإذا رأيت الكون كمُل فيه البناء بمماثلة الأرض للسماء كما نستشف ذلك من قول الله تعالى: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)(الطلاق:12)، وهي إشارة إلى تقابل كتلتي الأرض والسماوات، فاعلم أن ذلك من وحي الله إلى الكون بحكم قوله - عز وجل -: (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ)(فصلت:12). وإذا رأيت الأرض فُرشت حجارة أساسها البلورة التي هي سر الزوجية فيها، فاعلم أن ما تحدّث به أسرارها هو من وحي الله إليها القائل في حقها: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)(الزلزلة:5). وإذا رأيت هذه الحجارة أخرجت نباتًا ينمو في زوجية عجيبة الحسن متألقة الجمال، فاعلم أن ذلك من وحي الله إليها الذي قال في حقها: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)(الحج:5). وإذا رأيت النحلة تمتص رحيق هذا النبات فتبني خليتها على أساس من التماثل الازدواجي يذكّر بذاك الذي تتألق به هيئة البلورة، فاعلم أن ذلك مما أوحى إليها ربها القائل في حقها: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(النحل:68).
مما يدل على أن هذه الزوجية المتجلية في كل شيء، إنما هي صفة بثها الله بوحي منه سبحانه في كيان كل مخلوق حتى تشهد المخلوقات بإفراد الوحدانية للخالق. فكان من أجل ذلك أن جُعلت الكعبة مهبط الوحي في وسط من الأرض، تتماثل حوله الأقطار لتكون رمزًا لهذه الزوجية في المكانة والمكان.
2- الكعبة رمز الزوجية في الأرض
إذا رجعنا إلى مختلف مراحل المد القاري للأرض، ورسمنا دائرة على خريطتها نجمع فيها كل القارات، وجدنا مركزها في الكعبة. كما أننا إذا عالجنا هذا المعطى من شكلها المكعب، فسنجده دالاًّ على نفس المعنى. فنحن نعرف أن المكعب هو أصل النظام البلوري المكون لكل مادة صلبة على وجه الأرض، لأن فيه تتساوى كل المحاور المتقاطعة في جميع الاتجاهات الكونية، الشيء الذي يخول للمكعب صفة الكمال في التماثل (Perfect Symetry). والكعبة بشكلها المكعب، تجسد هذا المعطى بستة أضلع متماثلة، كل ضلع متجه إلى جهة معينة من جهات الكون: الأول إلى السماء، والآخر المقابل له إلى الأرض، والأربعة الباقية يتقابل فيها الشمال الشرقي مع الجنوب الغربي والشمال الغربي مع الجنوب الشرقي، بينما تتجه الأركان العمودية التي فيها تتقاطع خطوط هذه الأضلع نحو الاتجاهات الجغرافية الأربعة الأصلية للأرض، مشكّلة من الكعبة نقطة تحديد لمطلق الاتجاهات الكونية. وتلك ذروة الكمال في الزوجية يعبر عنها التماثل القائم في الكعبة بين أضلعها وكذلك بين أركانها، إذ ليس هناك بعد في الكون إلا وتوجهت إليه. فكانت من أجل ذلك هدى للعالمين كما وصفها الله - عز وجل - في قوله: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)(آل عمران:96).
وهذا المشهد يتضح أكثر إذا ما عالجناه من زاوية البعد الزمني لنشوء الأرض وامتدادها المستمد من كشوفات العلم، تلك الكشوفات التي جاءت نتائجها موافقة لنصوص الوحي. فقد جاء في النهاية في غريب الأثر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كانت الكعبة خُشعة على الماء فدحيت منها الأرض"[12].
هذا الحديث إذا تلمسنا فهمه من خلال المعطيات الجيولوجية الحديثة، فسنجده دالاًّ بالحس والمعنى على أن الكعبة تبقى النقطة الأولى المرشحة لبزوغ اليابسة، ثم امتدادها في أرجاء البحر الكاسح عند بدء التكوين. خاصة وأن الخشعة كما جاء في نفس المصدر تعني: "أكمة لاطئة بالأرض، والجمع خُشع، وقيل هو ما غلبت عليه السهولة، أي ليس بحجر ولا طين". وفي هذه المواصفات لكلمة "خشعة" التي كما سنرى، نجد لها سندًا علميًّا في التصنيف الجيولوجي لميكانيزمات نشوء وتبلور قشرة الأرض، نلمس تلميحًا إلى أن الكعبة قد تكون أول أكمة انبثقت من باطن الأرض المنصهر، حتى إذا ما برزت على سطح الأرض المغمور بالمياه وهي في مرحلتها الجنينية لزجة، دحيت منها اليابسة فانتشرت القارات. وهو المشهد الذي يعززه تفسير القرطبي لقوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)(البقرة:127)، حيث قال -رحمه الله- أن مجاهدًا قال: "خلق الله موضع البيت قبل أن يخلق شيئًا من الأرض بألفي سنة، وأن قواعده لفي الأرض السابعة السفلى". ذلك التفسير الذي يتصل بما سبق أن قلناه حول انبثاق الكعبة كأول أكمة من باطن الأرض المنصهر على سطحها المغمور بالمياه عند بدء التكوين. مما جعل أرض مكة تسمى في كتاب الله بـ"أم القرى"، أي الأصل الذي تفرعت منه كل البراري على سطح الأرض.
فإذا أقررنا بأن الكعبة في وسط الأرض علمًا بأنها تقابل في السماء البيت المعمور كما دل على ذلك البيان الوارد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي جاء في معرض تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ)(الطور:4)، حيث قال رحمه الله: "قال قتادة والربيع بن أنس والسدي: ذُكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يومًا لأصحابه - رضي الله عنهم -: "هل تدرون ما البيت المعمور؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة، لو خر لخر عليها يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم". فذلك يعني أن الكعبة توجد في محور التواصل مع البيت المعمور، ذلك المحور الذي حوله تتماثل منظومة الكون في سجود وتسبيح لخالقها الذي جاء كتابه معجزًا في وصفها، وجاء حديث رسوله - صلى الله عليه وسلم - صادقًا في تثبيت صحتها، حتى تعي الأمة بكل المعايير العلمية ومن خلال موقعها الوسط الذي خصها الله به في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)(البقرة:143) ما ترمز إليه معالم الزوجية من أسرار حقيقة التوحيد، التي يشهد بها للموجد كل شيء في هذا الوجود.
وهذا يدل على أن ما تحمله الزوجية من أسرار ودلالات، تلتقي معانيه في حقيقة واحدة تدل على صفة الوحدانية التي تفرد بها موجد الوجود المنزه عن التشبيه والتمثيل الذي قال في حق ذاته العلية: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى:11). من أجل ذلك جاءت في عبادات المسلم، كثيرٌ من المشاهد التي ترمز إلى انسجامه الفطري مع نظام الزوجية في الكون. بحيث إذا تأملنا في مشهد السجود من محفل الساجدين حول الكعبة، فسنجده يجسد تماثلاً تزاوجيًّا حول محور التواصل بين السماء والأرض، يذكّر بذاك الذي يسري في كل مكونات الكون، من الذرة التي تتماثل فيها الإلكترونات حول النواة إلى المجرة التي تتماثل فيها الكواكب حول الشمس في إشارة إلى وحدة السجود التي عمت كل الوجود. كما أننا إذا تأملنا في مشهد الطواف من موكب الطائفين حول الكعبة، فسنجده يمثل تجسيدًا للجذب والاستقطاب الذي يحصل لكل شيء حول أصله.
فالكعبة بموقعها الجذاب الذي يجعل أفئدة الناس تهوي إليها، يطوف حولها الطائفون بقلوب مستقطَبة نحوها، لأنها تشكل الأصل الذي منه تفرعت الأرض أمّ الإنسان. تمامًا كما تشكل النواة التي حولها تحوم الإلكترونات في نفس اتجاه الطواف الأصل الذي تشكلت منه الذرة، وكما تشكل الأرض التي حولها يدور القمر في نفس الاتجاه منجذبًا إليها الأصل الذي منه انفصل، وكما تشكل الشمس التي حولها تدور الأرض في نفس الاتجاه الأصل الذي منه انبثقت الأرض... إلى غير ذلك من المشاهد التي تعبر عن أن الإنسان في لحظة السجود والطواف وغيرهما من العبادات، يكون يترجم أسمى عبارات الارتباط بالأصل، من خلال طلبه التحرر من رق الذات والعروج في شوارق الصفات. تلك الصفات الموصلة إلى الله - عز وجل - التي سِرها من أصل تلك النفخة الإلهية، التي بثها سبحانه من روحه في كيان الإنسان من يوم خلق آدم سويًّا. فكان أن أتبِعت الآية محور هذا الفصل بقوله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)(الذاريات:50-51) في تلميح إلى أنه سبحانه، الواحد الأحد الذي لا مفر منه ولا منجى ولا ملجأ إلا إليه؛ إذ لا نِدّ له ولا مثيل ولا نظير يمكن أن ينشُل العبدَ من أوحال نفسه، وذلك ما ترمز إليه دلالات الزوجية في هذا الكون.
الإنسان عمَد الكون
من المعلوم في كل بناء، أن يسبق تشييدَ المبنى تحديدُ المعنى. كذلك هو شأن الكون، قبل أن يكون مبناه كان الإنسان في لب معناه عينَ القصد من تصميم نُسقه وسرَّ المغزى من ترتيب نُظمه. بحيث سبق تشييدَ مبنى الكون تحديدُ المعنى الذي من أجله أقيم، وهو الإنسان الذي على مقاسه فُصّل بنيانه وعلى طباعه صُمم نظامه. فإذا وقفتَ متأملاً منظومة الكون بين أسطُر مبناها وأبحُر معناها، فستجدها تشدو لك بمعزوفة رائعة تتناغم ألحانها بين جمال التألق في الحُلل وكمال التناسق في العِلل، دالة لك على أن الذي تزينت له الأكوان وترنمت له الألحان إنما هو الإنسان الموكل إليه خلافة الأرض. فالكون، هذا البناء الرائع ذو النسق الكامل حول الأرض، لا يمكن أن يُتصور بهذه الروعة في الجمال وهذا التناسق في الكمال، إلا لمعنى دقيق وقصد عميق غايتُه الإنسان الكامل الذي من أجله خُلق، إذْ كان مستحضرًا في صلب موضوعه منذ اللحظة الأولى لبنائه.
هذا التصور يبدو لنا من خلال مضمون قرار الأرض، من مفهوم التوسع القائم في البناء السماوي المتعامد معها الوارد في قوله تعالى: (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)(غافر:64). فالكل يشكل وحدة متماسكة بين كتلتين لا ينبغي لأي منهما أن تزول عن الأخرى، كما جاء في قوله سبحانه: (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ)(فاطر:41)؛ في إشارة إلى أن السماوات -وإن ورد ذكرها بصيغة الجمع- فهي لا تشكل في سياق الآية سوى كتلة واحدة تقابل كتلة الأرض في تماثل شامل، كما يقر بذلك فعل "زال" الذي جاء بصيغة المثنى "تزولا-زالتا" وليس بصيغة الجمع للدلالة على تطابق كتلتين كانتا ملتصقتين عند بدء التكوين (أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا)(الأنبياء:30)، ففصل الله بينهما (فَفَتَقْنَاهُمَا) بظاهرة التوسع التي انطلقت بحادثة فتق الرتق لتظل سارية في جميع الاتجاهات الكونية المتعامدة مع الأرض. مما يوحي بأن الأرض كانت في قلب البناء الكوني منذ اللحظة الأولى لبنائه، وأن الإنسان الذي من أجله خلقت الأرض، كان قبل أن يوجد فيها، مستحضرًا في صلب موضوع الكون وكأنه كان عين القصد من كل ذلك.
وهذا ما ختم به عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي "ستيفن واينبرغ" كتابه "الثلاث دقائق الأولى للكون" قائلاً: "من المستحيل ألا يعتقد الإنسان بوجود علاقة خاصة بينه وبين الكون، أو أن يعتقد بأن الحياة إنما هي إفاضة لسلسلة حوادث راجعة إلى الدقائق الثلاثة الأولى للكون، بل من المؤكد أننا كنا مستحضرين منذ البداية"[13]. وهو ما سبقه إليه "ابن عربي" منذ أزيد من 900 سنة في كتابه "نقش الفصوص"[14] الذي خلص فيه -رحمه الله- إلى أن الإنسان عمَد السماوات والأرض، وأن العالم لا معنى له بدون وجود الإنسان، وأن الإنسان كان المقصود من خلق السماوات والأرض، فإذا انقضى أجله خرت السماوات على الأرض بزواله وانتقلت العمارة إلى الآخرة من أجله.
إلا أن هذا الإنسان العمَد، الذي من أجله خلق الله السموات والأرض، والذي من أجله يمسك سبحانه السماء أن تقع على الأرض، ليس أي إنسان وإنما ذاك الذي نجد الإشارة إليه واردة في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول الله الله"[15]، أي ذاك الإنسان الخليفة الذي من أجله يؤخر الله قيام الساعة. لأنه إذا كان القرآن خاطب برفع السماء بلا عمَد في قول الله تعالى: (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)(الرعد:2)، فإنه بالمقابل يخبرنا في قوله سبحانه: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)(الحج:65) أن ذلك الرفع الذي تولاه سبحانه بقوته وحفظ به العباد برأفته ورحمته، إنما هو من أجل ذلك الإنسان الذي بصفاء فطرته ونقاء سريرته بقي منسجمًا مع نظام الكون، متكاملاً مع كماله، قائمًا بحق الخلافة. فإذا انعدم الكمال من الإنسان، اختل كمال الكون لانعدام المناسبة فقامت الساعة التي كما جاء في الحديث لا تقوم إلا على شرار القوم.
[1] مفاتح النور في مفاهيم رسائل النور، لفريد الأنصاري، ص:167.
[2]1. Benest D., Froeschle C. & Rickman H (1989) - La dynamique des comètes. La recherche n° 214, pp. 1172-1183.
[3]1. Trinh Xuan Thuan (1986) - La formation de l’univers. La recherche, n° 174, pp. 172-181.
[4] القدر في ضوء الكتاب والسنة، لمحمد فتح الله كولن، ص:17.
[5] القدر في ضوء الكتاب والسنة، لمحمد فتح الله كولن، ص:15.
[6]1. Hubble (1936): The realm of the Nebulae, Yale University Press.
[7]1. Sciences et Vie H.S. n° 221, Dec. 2002, Paris, p. 37.
[8]1. Weinberg S. (1978): Les Trois Premières Minutes de l’univers. Ed. Seuil, n° 144, p. 211.
[9]1. http://map.gfsc.nasa.gov/m_uni/uni_101forstpnj.html