الفصل الربع: أسرار الماء بين كشوفات العلم وإخبار الوحي

تمهيد

الماء سر الحياة، والسماء أصلها والكون شجرتها. ذلك ما نستخلصه من وصف بديع الزمان سعيد النورسي حيث قال: "إن أول كل شجرة عليبة صغيرة وبرنامج... وآخرها نموذج ولائحة تعريف... وظاهرها حلة مزركشة ولباس مزيّن... وباطنها مصنع ومعمل... فهذه الجهات الأربع تلاحظ إحداها الأخرى، فتنشأ من هذه الأربعة علامة عظيمة جدًّا، بل اسم أعظم، بحيث لا يمكن قطعًا أن يقوم بتلك الأعمال، غير الواحد الأحد الذي بيده زمام الكون كله"[1]. فالماء جعله الخالق الأصل في كل خلق، إذ لولاه ما نضج حجر وما نبت شجر، فهو أصل الحياة في كل شيء ومصدر الطاقة المحركة لكل شيء. فكيف تتجلى هذه الأسرار؟ ذلك ما سنعمل -وبالله التوفيق- على تبيانه في فصول هذا الباب.

أصل الماء من الأرض أم السماء

جاء الكلام في القرآن الكريم عن أصل ماء الأرض، تارة بالإشارة إلى كونه من الأرض وذلك في قول الله تعالى: (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا)(النازعات:30-31)، وتارة بالإشارة إلى كونه من السماء وذلك في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ)(المؤمنون:18). فما السر الذي تخفيه هذه الإشارات بخصوص أصل الماء؟ هل وُجد في الأرض عند ولادتها أم أُلحق بها بعد ذلك؟

من المعروف أن الماء أفرز من جوف الأرض عند بدء تكوينها في شكل بخار تكثّف حول الأرض فشكل مع غازات أخرى غلاف جوها، ثم تساقط على سطحها مطرًا ليملأ بحارها وأنهارها ويتسرب إلى تجاويفها. إلا أن الشيء الذي لم يُعرف هو: هل وُلدت الأرض بمائها أم زُوّدت به لاحقًا؟ وهو الإشكال الذي أصبح يؤرق علماء الأرض نظرًا لما بدأت تكشف عنه أبحاث الفضاء من علامات تدل على الأصل الجاف للأرض عند ولادتها.

هذه العلامات دفعت بعلماء الجيولوجيا إلى تركيز البحث في هذا المنحى، فخلص عالم الجيوكيمياء الفرنسي "Francis Albarède"[2] من خلال تحليلاته لصخور الأرض، إلى نتيجة مفادها أن افتقار الأرض إلى عنصري الكبريت والرصاص، يؤكد هذا الأصل الجاف الدال على أن الأرض ولدت معدومة من الماء، وعزز نتيجته هذه بدراسة مقارنة مع كوكب القمر الذي هو في الأصل قطعة انفصلت عن الأرض بفعل اصطدامها بأحد الكواكب، حيث بيّن أن القمر بقي على أصله جافًّا، وهو الأصل الذي كانت عليه الأرض. إلا أن الأرض أثناء اكتمال تكوينها تعرضت لوابل من المذنبات والنيازك التي كانت ترجمها باستمرار وتحقنها بكميات هائلة من الماء تكونت على إثرها الثلاثة ملايير، مليار طن من الماء التي تسكنها.

هذه النتائج التي أظهرت أن الماء لم يكن موجودًا في الأرض عند ولادتها وأنه أولج فيها لاحقًا بنزوله من السماء، نشرها "Francis Albarède"  في مجلة "Nature" العلمية، وأكدتها فيما بعد دراسات جيولوجية لعلماء إنجليز وأمريكان (Greg Holland, Chris Ballentine, Martin Cassidy)[3] نشرت تقاريرهم في مجلة "Science" الأمريكية، معززة بتحاليل لبقايا المذنبات والنيازك التي كانت ترتطم بالأرض والتي أظهرت تحاليل بقاياها أنها كانت غنية بالماء.

وهكذا بفعل الرجم النيزكي الآتي من السماء، والذي استمر طيلة خمسين مليون سنة كما جاء في هذه التقارير العلمية تشبّع جوف الأرض بالماء فتحولت على إثر إفرازه 70% من مساحة سطحها إلى مياه أعطت للأرض لونها الأزرق خلافًا لباقي كواكب المجموعة الشمسية التي كانت أيضا تقذف بالمذنبات المحملة بالماء إلا أنها لم تحتفظ به. فسكن الماء في الأرض ولم يسكن في باقي الكواكب الأخرى، لأنه إما تبخر بفعل الحرارة المفرطة في الكواكب القريبة من الشمس، وإما اندثر بفعل انعدام الجاذبية في بعض الكواكب البعيدة التي تجمّد فيها الماء في شكل حبات تلاشت في الفضاء، مما يظهر أن الأرض كانت مهيأة لاحتواء الماء منذ اللحظة الأولى للكون. وكأن ذلك كان إيذانًا بتهيئها لاستقبال الحياة التي  ستظهر على سطحها بفعل هذا الماء الذي أولج فيها من السماء فحرك باطنها، حتى إذا صار مائرًا حرك بفعل هذا المور صفائح قشرة الأرض معلنًا بذلك عن ذب الحياة فيها. وصدق الله العظيم حيث قال: (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)(النحل:65). وهذا دليل على أن الأرض وجدت جافة ميتة فأحياها الله بالماء الذي أنزله إليها من السماء.

وليس ذلك بغريب، لأن فعل "أسكن" لغة هو من السكنى الذي مصدره الإسكان وهو إقرار الشيء في مكان لم يكن موجودًا فيه، ولا يعني "السكون" الذي هو من فعل "سكّن" الذي مصدره "التسكين"، أي إهماد الشيء بإعدام الحركة فيه. وعليه فلفظ (أَسْكَنَّاهُ) الوارد في الآية يفيد المعنى الأول، أي أن الماء لم يكن موجودًا في الأرض فأقره الله - عز وجل - فيها. وعبارة (فِي الأَرْضِ) تفيد تخزين الماء في باطنها، أي أن الماء الذي أنزل من السماء عند بدء التكوين -استنادًا إلى عطف الآية على خلق السماوات (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ)- أقره الله - عز وجل - في باطن الأرض بعد أن لم يكن موجودًا فيها. ولذلك جاء في تفسير القرطبي لهذه الآية: "أن الله استودع الماء في الأرض وجعله فيها مختزنًا". وعنه -رحمه الله- أن مجاهدًا قال: "ليس في الأرض ماء إلا وهو من السماء". وقال الطبري -رحمه الله- في تفسيره "أن ماء الأرض هو ماء السماء".

إلا أن هذا الماء بعد نزوله من السماء وولوجه في الأرض، تغير نتيجة تفاعله مع مكونات باطن الأرض المعدنية. فلما أخرج من جوفها وتساقط على سطحها، شكّل طوفانًا من مياه حمضية حارة ومالحة غمر وجه الأرض عن آخره، ثم تراجع هذا الطوفان وتلطفت مياهه بتكون الغلاف الجوي الذي احتبست فيه دورة الماء بين بخار صاعد في الجو تارك ما تغير به في الأرض، وبين ماء سائل راجع إلى الأرض ومحتمل من جديد ما تغير به بدءًا بغازات جوها وانتهاء بمكونات جوفها. وفي هذا الصدد يقول عالم الرواسب الفرنسي "H. Erhart" (ص 33): "من المعقول ألا نتجاهل أن الأرض تستقبل ماء خالصًا إلا أنه لا يبقى على أصله، بل يتغير بجريانه على سطحها، حيث يحتمل أحماضًا وأملاحًا عضوية مختلفة وخاصة حمض الكربون، ثم يزيد تغيره بعد ذلك بسريانه عبر تشققاتها، حيث يتسرب إلى موادها المعدنية فيصير أكثر حدة باكتسابه خصائص تمكنه من إثارة تفاعلات كيماوية خطيرة ومعقدة"[4].

هذا التصنيف الذي جاء به العلم لظروف وملابسات التغيّر الذي طرأ -ويطرأ- في كل دورة على الماء بعد نزوله من السماء، نجد له سندًا في قول الله تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ)(يونس:24). فالكلام في هذه الآية هو عن تشبيه الحياة الدنيا بالماء المنزل من السماء، حيث جعل المشبه هو الحياة الدنيا، والمشبه به هو الماء المنْزل من السماء بحكم وروده بعد "كاف" التشبيه والجامع بينهما الاختلاط الذي هو في موضعه من الآية يفيد تغير خصائص الشيء بعد خروجه عن أصله.

فجاء التشبيه بحكم وروده بعد كلمة "إنما" التي هي أداة قصر، في مقام التقليل من قيمة الحياة الدنيا، للدلالة على تغيرها عن أصلها، كشأن الماء الذي انفصل عن أصله الصافي ونبعه النقي الكائن في السماء لينزل إلى الأرض ويتغير بملوثاتها، بدءًا بما يمتصه من غازات جوها، ومرورًا بما يحمله من مكونات ترابها التي هي معدن نباتها قبل أن ينتهي به المقام في بحرها فيصير ملحًا أجاجًا. كذلك الحياة الدنيا، كانت صافية نقية في الجنة لا نصب فيها ولا لغوب، فلما نزلت إلى الأرض بالمعصية الآدمية، تلوثت واختلطت بفعل العامل البشري فصارت عناءً وشقاءً. ولذلك لما ذكر الله تعالى ماء الجنة في كتابه الكريم، نفى عنه صفة الاختلاط والتغيّر فقال - عز وجل - في حقه: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ)(محمد:15)، وأضفى عليه صفة الطهورية التامة فقال سبحانه في حق أهل الجنة: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)(الإنسان:21).

وهذا الاختلاط الذي جاء به التشبيه، يأتي في سياق بيان عواقب سريان تغير الماء بعد نزوله من السماء على معايش الإنسان التي يعتبر نبات الأرض أساسها. إذ بذاك الماء الذي أنزل من السماء فتغير، يقوم نبات الأرض الذي عليه يرتكز عيش الإنسان. وفي هذا إشارة إلى مدى ما يلحقه هذا الماء المختلط بفعل المراحل التي قطعها من تأثير على نبات الأرض، ومن ثم على حياة الإنسان نفسه من حيث إن سلسلته الغذائية تنطلق من هذا النبات.

فكان التشبيه الذي جاءت به الآية، ذا معنى علمي دقيق يَظهر أكثر في قراءة نافع الذي وقف على قوله تعالى (فَاخْتَلَطَ) كفعل لازم عائد على الماء. إلا أن المعنى منه الذي هو التغيّر، سوف لن ينحصر في الماء فحسب، بل سيتعداه بعد الوقف إلى نبات الأرض الذي هو المقصود من التشبيه: (بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ)، إذ بذاك الماء الذي أنزل من السماء فاختلط، يقوم نبات الأرض الذي هو قاعدة الأساس للحياة الدنيا بعد الماء الذي هو أصلها.

وعليه فلما كان المشبه هو الحياة الدنيا، والمشبه به هو الماء الذي هو أصلها، جاءت "كاف" التشبيه موالية له وليس للنبات وإن كان القصد من التشبيه يتعدى ذلك إلى إظهار حقيقة الاختلاط في النبات الذي هو المشبه به غير المباشر، للدلالة على مدى أثر وقع اختلاط الماء على حياة الإنسان الدنيا.

وذلك سر من أسرار الإعجاز البلاغي في كتاب الله الذي بسياقه لهذا التشبيه، يكون أثبت حقيقة علمية أريدَ من خلالها لفت النظر إلى أصل الماء بصفته عنصرًا واصلاً بين السماء والأرض، وأن النبات بطلبه لهذا الماء إنما حمل ما حمله المطلوب بعد نزوله إلى الأرض. فكان المقام الذي جاء به السياق مقام تبيين، أريد من خلاله لفت عقل الإنسان إلى حقيقة الحياة الدنيا التي هي كذاك الماء أنزلت من السماء فتغيرت كما تغير الماء وبه نبات الأرض بفعل ما ألحقه به عامل الاختلاط.

أما ذروة اختلاط هذا الماء فنجدها في محطته الأخيرة في البحر، حيث يصير ملحًا أجاجًا، وفي ذلك سر غريب ومعنى عجيب. فقد أظهرت الأبحاث الجيولوجية لبقايا أصناف الكائنات الحية، أن الحياة أول ما ظهرت، نشأت في ماء البحر وظلت مقصورة عليه ملايين السنين قبل أن تنتقل إلى اليابسة في شكل نباتات برية، ثم بعد ذلك في شكل حيوانات بدائية. وهذه الميزة التي خص الله بها ماء البحر، والمتجلية في احتضانه لنشوء الحياة تعود كما يظهر من مواصفات ماء البحر إلى انفراده بإنتاج عنصر الفوسفور الأساسي في تكوين الحمض الأميني الذي جعله الله تعالى مفتاحًا للحياة. وهذا السر راجع إلى كون نواة الخلية التي هي نبض حياتها والتي تحمل ميكانيزمات الوراثة واستمرارية النوع، تتكوّن أساسًا من الحمض الأميني (DNA) الذي حباه الخالق - عز وجل - بخاصية الاستنساخ (Duplication) وهي ميزة لا توجد في أية جزيئة أخرى. وعليه وبما أن العلماء لاحظوا أيضًا أن الفوسفور يعتبر عنصر الأساس في تنظيم عملية تسوية الأوكسجين بين البر والبحر عبر البناء الضوئي الذي ينفرد به النبات الأخضر الذي هو قاعدة الأساس لحياة الكائنات، وكون أن مصدر الفوسفور الأصلي يعود كله إلى أعماق البحر، فهذا يعني أن ماء البحر شكل مهد نشوء الحياة. وهو مشهد دال على حقيقة الحياة الدنيا التي بنشوئها في ماء البحر تكون نشأت في صلب معدن الاختلاط. وصدق الله العظيم حيث قال: (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)(النور:45).

ولا أدل على هذا المعنى من سر ماء زمزم. فهو معجزة من الله سخرها لمن حج أو اعتمر، حتى تكون آية بينة تذكّر بالأصل الذي كانت عليه الأشياء قبل أن تنزل من السماء. فبئر زمزم هي عين فجرها الله تعالى لنبيه إسماعيل - عليه السلام - في وسط صحراء قاحلة وبين الجبال المحيطة بمكة، ليبقيها سبحانه على الأصل الذي كانت عليه خالصة صافية نقية جارية على مر الأيام متزايدة العطاء ومباركة الإمداد. فمن رأى بئر زمزم في فترات المطر الغزير، ولاحظ ارتفاع منسوبها عند زيادة ماء المطر، ظن أنها تختلط بمياه السيول السطحية، لكن الأمر على عكس ذلك تماما كما كشفت عنه مشاهدات الخبراء[5]. فهؤلاء لاحظوا أن تدفق ماء زمزم في فترات السيول والأمطار، يأتي لصد المياه السطحية عن البئر حتى لا تختلط بها. وذلك سر الإعجاز الرباني في جعل ماء هذه البئر أطهر وأعذب وأطيب ماء على وجه الأرض.

فماء زمزم كما شوهد[6]، هو نابع من أطراف الكعبة المشرفة، من صخور قاعية قديمة عبر ثلاثة صدوع صخرية تمتد من الكعبة والصفا والمروة لتلتقي في البئر. والكعبة هي أوسط بقعة في الأرض وأقدسها مكانة وأقدمها عمرًا، فهي أول أكمة انبثقت من باطن الأرض اللزج عند نشأة اليابسة قبل تمددها في أرجاء البحر الكاسح الذي كان يغمر الأرض عند بداية تكوينها كما سبق أن أشرنا إلى ذلك وكما جاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه: "كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض"[7]. وهذا يُظهر جانبًا من جوانب السر المناط بهذه البئر الذي يراد به إرجاع أبصارنا إلى تلك الجذور الثابتة في الأرض التي تذكر بعلاقة التواصل مع بالسماء.

ومما يزيد هذا السر تجليًا، ما جاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)(البقرة:127)، حيث قال رحمه الله: قال مجاهد: "خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئًا من الأرض بألفي سنة، وأن قواعده لفي الأرض السابعة السفلى". وهذا دليل على ارتباط هذه البقعة المباركة بصخورها وصدوعها التي يجري فيها ماء زمزم بمركز الأرض الكائن في نواتها، وأن جذورها ضاربة في عمق الأرض إلى النواة الكائنة في الأرض السابعة السفلى. هذه البقعة المباركة من الأرض يقابلها في السماء البيت المعمور كما يبق أن أشرنا. وذلك ما يجعل هذه البقعة من الأرض التي يتجرد فيها الإنسان من كل شوائب الدنيا هي باب التواصل مع السماء، ويجعل من ماء زمزم الكائن فيها ماء مباركًا يذكّر بالأصل الذي كان عليه الماء قبل أن ينزل من السماء ليظل شاهدًا على منزلتها وآية من آياتها البينات مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ)(آل عمران:96-97).

وهكذا نجد الكشوف العلمية تلتقي مع الإشارات القرآنية في إثبات حقيقة إنزال الماء من السماء، وهي الحقيقة التي عمّت كل موجود في هذه الأرض، حيث تبين للباحثين بعد دراسات تحليلية للآثار الراسخة في صخور الأرض ومعالجات مخبرية لمحتوياتها، أن المكونات الأساسية للحياة في الأرض إنما نزلت من السماء، وأنها ألحقت بتركيبة الأرض بفعل القذفات النيزكية التي كانت تأتي من الفضاء. وكشفت دراسات دقيقة عن مكون هام للنيازك هو هيدرات الحديد الذي أنزل مع هذه الأجسام إنزالاً ملموسًا في شكل مركب من حديد وماء وأوكسجين، وهو ما نجد الإشارة إليه واردة في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)(الحديد:25). كما أضافت البحوث اللاحقة أن هناك على تعاقب الليل والنهار إمداد مستمر يحمل إلى الأرض ما لا ينقطع من مكونات الحياة. فقد خلص عدد كبير من الباحثين في هذا الشأن[8] من مثل: (Alexader Ivanovitch, Oparin, Svante Arrhenius, Michel Maurette, Florence Raulin-Cerceau, John Haldane) إلى أن غرس الحياة في الأرض، صدر من أصل بذور جاء بها الإمداد السماوي الذي ما فتئ يزود الأرض بمقومات الحياة ويبث فيها روح العطاء. وهو ما يدحض نظربة النشوء التلقائي التي وضعها عالم الأحياء "لويس باستور"، ويثبت -على عكس ذلك- أن الحياة لا يمكن أن تأتي إلا من حياة أخرى. وصدق الله العظيم حيث قال: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(الحجر:21).

وهكذا نأتي إلى أن كل مقومات الحياة في هذا الكوكب هي منزلة من السماء، مما يجعل آيات الكون تتناغم في نسق واحد مع آيات الكتاب في إثبات هذا المصدر الذي منه أنزلت الآيات للتذكير بأصل الإنسان ومصدر هدايته. ذلك المصدر الذي يثبته العلم حاليًّا على المستوى المادي متوافقًا مع قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)(الذاريات:22)، لكنه لا يدعن لحقيقته التي من أجلها أقسم الله - عز وجل - بربوبيته لعالم السماوات والأرض في قوله تعالى (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(الذاريات:23)، لأن ذلك لا يدرك إلا بالرقي في أسباب الهداية والإنابة إلى الله الذي بأنوار معارفه يستبين الإنسان هذه الحقائق، مصداقًا لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ)(غافر:13). فالحمد لله الذي بنور أنواره أشرق كل موجود، وصلى الله على سيدنا محمد الذي لولا النور الذي جاء به ما ظهر حق في ظلمة الوجود، وعلى آله وصحبه مصابيح الهدى وأعلام الشهود.

الإعجاز في إخبار القرآن  بالبحر المسجور

جاء في مجمل التفاسير لقوله تعالى: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)(الطور:6) ما معناه الموقد أي المشتعل نارًا. وفي هذا المعنى إشارة إلى التقاء ضدان لا يتساكنان الماء والنار، لأن البحر من الماء والنار ضده، فكيف يسكن هذا إلى ذاك! ونحن نعرف أن الماء إذا صب فوق النار أطفأها، كما أن النار إذا أوقدت تحت الماء تبخر الماء واندثر في جو السماء. وذلك سر الإعجاز الذي تخفيه الآية، والذي لا يسطع ضوؤه إلا من خلال استكشاف أعماق البحار والاطلاع على ما يجري تحتها من عجائب وأسرار.

أخرج الإمام أبو داود في سننه بإسناده المتصل إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا"[9]. وهو عند سعيد بن منصور في سننه عن بن عمرو مرفوعًا كذلك[10]. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود: في هذا الحديث اضطراب، روي عن بشير هكذا، وروي عنه أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو، وروي عنه عن رجل عن عبد الله بن عمرو، وقيل غير ذلك. وذكره البخاري في تاريخه، وذكر له هذا الحديث، وذكر اضطرابه، وقال رحمه الله: لم يصح حديثه. وقال الخطابي: وقد ضعفوا إسناده[11].

كما أن مثل هذا الحديث ذكر في كتاب نيل الأوطار للشوكاني -باب طهورية ماء البحر وغيره- موقوفًا على عبد الله بن عمر بلفظ: ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة إن تحت البحر نارًا ثم ماء ثم نارًا حتى عد سبعة أبحر وسبع أنيار[12].

وجاء في سنن البيهقي الكبرى-باب ركوب البحر لحج أو عمرة- أنه رحمه الله قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس المحبوبي أنبأ أبو الموجه بن محمود بن غيلان أنبأ أبو داود عن شعبة وهمام عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو أنه قال: ماء البحر لا يُجزئ من وضوء ولا من جنابة إن تحت البحر نارًا ثم ماءً ثم نارًا حتى عد سبعة أبحر وسبع أنيار. هكذا روي موقوفًا[13].

 هذا الحديث إذا تناولناه من حيث سنده، فسنجد في سلسلة رواته من الاضطراب ما جعل العلماء يضعفوا إسناده. لكن إذا أخذناه من حيث المحتوى العلمي الذي تظهره الأبحاث الحديثة، فسنجد فيه من دقائق الأوصاف وعميق المعاني ما يُظهر سبقًا علميًّا يستحيل معه تصور مصدر آخر لهذا الكلام غير وحي السماء. فمن علامات إعجازه العلمي تعرضه بوصف دقيق لعلاقة التبادل القائمة بين مياه البحر وما تحتها من مستويات باطن الأرض النارية التي لم يطلع عليها الإنسان إلا حديثًا باستكشاف أعماق البحار. ثم من دقائق ما تضمنه موضوعه من حقائق علمية، ذكره لوجود البحر من جديد تحت النار، في إشارة ضمنية، كما تظهره الدراسات الجيولوجية، إلى أثر الماء في تفعيل عملية توليد الطاقة النارية لباطن الأرض المحركة لقطع السطح على ظهرها. فما السر الذي يحمله منطوق الحديث من دلالات علمية في شرح هذا الترادف الغريب الذي جاءت به الآية بين ضدان لا يلتقيان: الماء والنار؟

أظهرت الرحلات الاستكشافية لأعماق البحر عن وجود سلاسل بركانية هائلة في قيعان المحيطات تشكل ما يسمى عند الجيولوجيين بحزام النار، وهي عبارة عن تصدعات هائلة يعمل النشاط البركاني من فجواتها على ربط الصلة بين مستويات باطن الأرض النارية ومياه البحر التي تغمر ثلثي مساحة سطح الأرض.

وقد أثبتت الاكتشافات العلمية فيما بعد، أن سلسلة المرتفعات الناتجة عن هذا الحزام تتجاوز سبعين ألف كيلومتر طولاً، ولها ما بين ألف وثلاثة آلاف كيلومتر عرضًا، أما متوسط ارتفاعها فيتراوح ما بين ألف وخمسمائة وألفي متر. وباختصار، يمكن القول بأن السلسلة تشغل ما بين ثلث وربع مساحة المحيطات، أي ما يعادل نسبة القارات من مساحة سطح الأرض. فالسلسلة تنطلق من خليج "كاليفورنيا"، وتعبر من الشمال إلى الجنوب شرق المحيط الهادئ، مارّة بـ"الجلاباجوس" و"الشيلي"، ثم تمر بين "أستراليا" والمحيط المتجمد الجنوبي لتتوجه نحو المحيط الهندي، حيث تنقسم إلى شعبتين إحداهما في اتجاه البحر الأحمر وخليج عدن والأخرى تحيط بإفريقيا من الجنوب لتلج المحيط الأطلسي وتقسمه في اتجاه الشمال إلى شطرين متساويين، ثم تصل في أقصى الشمال، إلى المحيط المتجمد الشمالي، لتغوص تحت كتله الثلجية الهائلة، كما يظهر على صورة الأقمار الاصطناعية أسفله.

وقد بينت المعطيات العلمية أن هذا الحزام الذي يحيط بالكرة الأرضية كلها ويغطي هو وتشعباته تحت المحيطات مساحة 150 مليون كيلومتر مربع أي ما يعادل مساحة القارات الخمس، هو عبارة عن سلسلة من الانكسارات والتشققات والتصدعات الناتجة عن التحرك المستمر للصفائح وأجزائها (الصورة 7). فإذا أقررنا بهذه المعطيات التي تفيد أن الثلث تقريبًا من قعر المحيطات مصدّع مع ما تمثله نسبة الانكسارات والتصدعات على سطح اليابسة، فإننا نقرّ بأن سطح الأرض ليس قطعة واحدة، ولكنه مجموعة قطع متجاورات يلعب فيها عامل الصدع دورًا أساسيًّا في تركيبها وحركتها وتطوّرها. وصدق الله العظيم في وصف هذا المشهد بقوله تعالى: (وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ)(الطارق:12)، ذلك المشهد الذي تظهره وسائل الكشف الحديثة جليًّا على خريطة سطح الأرض والذي يظهر مجسدًا في قوله - عز وجل - في الآية الأخرى: (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ)(الرعد:4).

فمن هذه الصدوع تلقى صهارة باطن الأرض على قاع البحر، فتفرز كميات هائلة من الغازات والمعادن الذائبة، ثم تتصلب في شكل حمم بركانية تتراكم وتعلو على جنبات تلك الفتحات مكونة بذلك ما يعرف في علم الجيولوجيا باسم الصخور النارية أو البركانية المشكلة للحزام الناري.

موازاة مع هذه العملية، تنجرف كميات هائلة من المياه البحرية عبر التشققات الحاصلة في هذا الحزام إلى باطن الأرض المنصهر (الشكل 13)، فترتفع حرارتها وتتزود بمعادن مختلفة من جراء تحليلها للصخور الباطنية. ثم تعود هذه المياه صاعدة، حتى إذا بلغت مستوى قاع البحر حيث الانخفاض المفاجئ للحرارة، تفجرت بمحاليلها في شكل تبلورات معدنية تصل حرارتها إلى 300 درجة مئوية، تتدفق من مضخات عملاقة (Fumeurs) قابعة في قعر المحيطات، حيث تم حديثًا اكتشاف كائنات غريبة تحيى على مخلفات ما تفرزه البكتريا من تحويل هذه الإلقاءات.

  الصورة 7: مظهر لحزام النار الذي يخترق قاع المحيطات / عن مجلة La Recherche، العدد:117، ديسمبر 1980.

هذا المشهد الملتهب لقيعان البحر، نجده مجسدًا في الكلمة الشاملة الجامعة التي وردت في قوله تعالى: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)(الطور:6)، فقد جاء في كتاب "التخويف من النار" لـ"ابن رجب الحنبلي"[14] أن آدم بن أبي إياس روى في تفسيره عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: قال علي -رضي الله عنه - ليهودي: أين جهنم؟ قال: تحت البحر. قال علي: صدق. ثم قرأ (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)(التكوير:6). وخرجه في مواضع أخرى منه وفيه، ثم قرأ (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ). وخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي العالية عن أبي بن كعب (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) التكوير قال: قالت الجن للإنس نأتيكم بالخبر فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج. وعن أبي لهيعة عن أبي قبيل قال: إن البحر الأخضر هو جهنم. وروى أبو نعيم بإسناده عن كعب في قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ)(إبراهيم:48)، قال تبدل السماوات فتصير جنانًا، وتبدل الأرض فيصير مكان البحر النار. ونجد في وصف جهنم الذي جاء في قول الله تعالى: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ)(الحجر:44) أن القرطبي -رحمه الله- فسر ذلك بسبعة أطباق طبق فوق طبق، وأن ابن كثير -رحمه الله- قال إن عليًّا بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قال عن أبواب جهنم أنها سبعة أطباق بعضها فوق بعض.

 الشكل 13: مظهر لحركية القطع المكونة لسطح الأرض.

ولمعرفة حقيقة هذه التفاعلات النارية لما تحت قاع البحر، سنقف على أهم ما وصل إليه البحث العلمي في هذا المجال. فقد قام أخصائيون في علم البراكين بتعقب أصل الفاعلية المسببة لحركية سطح الأرض، وذلك عن طريق تتبع مصادر الإفرازات البركانية بوسائل الكشف عن بعد. فاسترشد الباحثون إلى نقط ساخنة في عمق الأرض تحصل فيها تفاعلات نووية وحرارية هائلة إذا تسربت إفرازاتها إلى السطح تفجرت حمما وغازات بركانية.

هذه النقط التي هي عبارة عن مولدات نووية وحرارية، تعمل من مراكز مشعة لمواد اليورانيوم والبوتاسيوم، وتبعث في جوف الأرض غليانًا هائلاً لصهارة لا تنقطع عن السيل والجريان. وهو ما نجد الإشارة إليه واردة في قول الله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)(الملك:16). والمور -كما رأينا- يفيد الموج والاضطراب والجريان، وهو الوصف الذي يجعل باطن الأرض لا يعرف الركود من هول الضغط المفرط على صهارته التي تمور. فإذا وجدت هذه الصهارة متنفّسًا في السطح، تفجرت منه بتدفقات المادة والطاقة الواصلة بين جوف الأرض ومحيطها الخارجي. وتلك هي البراكين التي تتفجر منها حمم باطن الأرض بالطاقة، والمواد المتبخرة، والمعادن.

ثم من الناحية البنيوية، نعرف في مشهد تسطيح الأرض، أن السطح مكون من قطع متجاورات لا تفتر عن الحركة، والمحرك الأساسي لها هي تلك الفاعلية الباطنية للأرض، التي تتجلى آثارها في حركات التباعد والتدافع الحاصلة بين قطع السطح، والتي تنتج عنها الزلازل والبراكين. فإذا تمت هذه الحركات في شكل تباعد بين صفائح السطح، نتج عنها إفراز صهارة الأرض الباطنية التي تساهم بشكل كبير في التطعيم المعدني لماء البحر. أما إذا تمت في شكل تدافع بين الصفائح -وهو ما يجري في الأطراف المعاكسة للصفائح المتباعدة- أدى ذلك إلى عملية الانضواء (Subduction)، أي انزلاق أطراف إحدى الصفائح المتدافعة تحت الأخرى. فإذا كان التدافع حاصلاً بين صفيحتين إحداهما برية والأخرى بحرية، غاصت أكثرهما ثقلاً وهي البحرية نظرًا لتشكيلها من صخور البازلت ذات الكثافة العالية، مقارنة مع الجرانيت. فانصهرت موادها تدريجيًّا في باطن الأرض وتحررت المياه المخزنة في مساماتها لتذوب في صهارة باطن الأرض (الشكل 13).

وهكذا تتفاعل هذه المياه كيماويًّا مع صهارة باطن الأرض، حتى إذا أكملت دورتها في دواليب بطن الأرض وبلغت مناطق التباعد بين الصفائح، عادت أدراجًا لتتفجر من جديد مع الصهارة المتدفقة في شكل عيون حمئة شديدة الحرارة محملة بشتى المعادن. وكأننا بمضخات ماء في أعماق البحار منها تتدفق المياه الحارة عند مناطق التباعد بين الصفائح، وعبرها تنجرف من جديد عند مناطق التدافع، في دورة دائبة بين قاع البحر ودواليب باطن الأرض. وهذا يظهر أثر الماء في تفعيل عملية "المور" التي لا تفتر عنها صهارة باطن الأرض. فإذا ما أخذنا المشهد من منظور التصاعد الحراري لمستويات باطن الأرض، واعتمدنا المعدل النظري لارتفاع الحرارة في القشرة الأرضية، والذي يقدر بـ30 درجة مئوية في كل كيلومتر من العمق، فإننا سنصل في مركز الأرض الذي هو في عمق 6370 كلم، إلى ما يقارب 200 ألف درجة وهذا مستحيل، لأن القياسات الجيولوجية، تعطي معدلات لا تتعدى 4000 درجة. مما يدل على أن هناك ثمة عوامل خفية تساهم في امتصاص الحرارة المتصاعدة، وتحول دون سريانها بنفس الوتيرة من السطح إلى نواة الأرض.

ومن أهم هذه العوامل التي ظهرت آثارها للعلماء، وجود المياه تحت القشرة الأرضية، وعدم التجانس في التركيبة الباطنية للأرض.

فيما يخص تأثير الماء، فإن تحليل الإلقاءات البركانية على سطح الأرض من قبل الأخصائيين، دلّ في مناطق الانضواء التي تشهد انزلاق قطع القشرة البحرية تحت البرية، على حدوث تحولات مختلفة في تركيبة الصخور المنضوية، يصاحبها إفراز كميات هامة من الماء. وتؤدي هذه التحولات عند خط الانضواء، إلى تحويل قشرة البازلت بفعل الضغط المرتفع إلى أنواع أخرى من الصخور تظهر عند كل مستوى من مستويات الانضواء في باطن الأرض، مع إفراز الماء من الصخر عند كل مرحلة بكميات هامة. مما يجعل هذه التحولات الصخرية المرتبطة بارتفاع الضغط في عمق الأرض تتم عن طريق إشباع مختلف النطق الباطنية للأرض بالماء (Saturated Zones). فتنخفض الحرارة بذلك، ويساهم الماء في تفعيل عملية التحلل المعدني، عن طريق إضعاف مجال استقرار المعادن، وبالتالي في تليين الصهارة التي تصير بحارًا تجري في مسالك الأرض الباطنية. وهذا يساهم في الإبقاء على وشاج الأرض (Asthenosphere) لدنًا منصهرًا وعالي الكثافة واللزوجة، فيكوّن منطقة الضعف الأرضي التي تحمل الغلاف الصخري للأرض (القشرة الأرضية الصلبة) وتسهل حركة قطعه المتجاورات.

أما فيما يخص عدم التجانس في تركيبة باطن الأرض، فقد لاحظ الباحثون في الصخور البركانية الملقاة على سطح الأرض، وجود بقايا صخور باطنية صلبة محشوة في الحمم البركانية، مكنت تحليلاتها من تمييز تركيبات مختلفة بينت أن باطن الأرض ليست له تركيبة متجانسة، ولكنه يتناضد في طبقات تتراكب فيها الصخور في تركيبات محددة بمستويات الضغط المتصاعد تجعل هذه المستويات تشهد عند كل مرحلة ذوبانًا لمركبات المرحلة التي تعلوها، وزيادة في السوائل بإفراز الماء الذي يمتص الحرارة ويخفف من وطأة التصاعد الحراري في مستويات باطن الأرض التي تبقى عبارة عن بحار من صهارة تمور.

وهكذا تتوافق المعطيات العلمية الحديثة مع مضمون الآية ومنطوق الحديث، في الإقرار بأن قاع البحر هو خاضع باستمرار في أماكن تشققاته وتصدعاته، إلى غليان مائي ومعدني نابع مما تفرزه العيون الحمئة المرتبطة بفوهات البراكين الواصلة بين مياه البحر وما تحتها من مستويات باطن الأرض النارية.

فإذا أقررنا بهذه النتائج العلمية واستوعبنا معناها الدقيق، فإننا لن نجد فيها بشأن ما جاءت به الآية الكريمة ولا الحديث النبوي الشريف من وصف لعلاقة ماء البحر بأنيار باطن الأرض التي تحته إلا ما يثبّت صحة إخبار الوحي. فنحن موقنون بأنه لم يكن باستطاعة بشر قبل خمسة عشر قرنًا، أن يغوص آلاف الأمتار في عمق البحر، ثم يطّلع على حقيقة ذلك الترابط الذي يبديه قاع البحر مع باطن الأرض، حتى يأتينا بهذا الوصف الدقيق. وهو ما يبرز أوجه الإعجاز لكتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - اللذان ما جاءت نتائج هذا البحث، إلا لتوسيع فهم نصوصهما بإضافة ما غاب عن العقل من جديد ما تستبطنه معانيهما.

مرج المياه بين المعاينة الميدانية والوصف القرآني

1- تعريف المروج

"المرْج" من فعل "مَرَج" الذي يفيد اصطلاحًا؛ اختلاط جسمين مختلفين دون ذوبان خصائص كل منهما في الآخر، ومنطقة المرج تسمى "مرجة" والجمع "مروج". وتوجد هذه المناطق في أماكن التقاء مياه البحار مع مياه الأنهار، حيث تغطي أكثر من عشر مساحة الشواطئ العالمية. وتتميز المروج عن غيرها من البحيرات والبرك المائية، بوجود حواجز طبيعية تعزلها نسبيًّا عن البحر الذي تظل متصلة به عن طريق ممر مائي محدود الاتساع يزودها بالمياه المالحة وبتلقيها مياهًا نهرية عذبة من الجهة البرية. هذا التلاقي بين مياه مالحة مزودة بمواد بحرية وأخرى عذبة محملة بالرواسب القارية، يجعل من هذه المروج، مناطق هامة لتبلور المادة وتبادل الطاقة بين عالمي البر والبحر. الشيء الذي يخضع تطورها لتغيرات سريعة تطبع هذه الأماكن من الأرض بحساسية عالية وهشاشة كبيرة.

ولفهم طبيعة هذه التغيرات وإدراك مضامينها، وقفنا بالمعالجة والتحليل على المرجة الزرقاء بـ"مولاي بوسلهام" الواقعة في الجزء الشمالي لسهل الغرب المطل على الساحل الأطلسي لـ"المغرب" (الشكل 14 و15) (الصور 8 و9). هذه المرجة تمتد على مساحة 30 كلم مربع، وعمق مياهها يتراوح من مترين إلى بضعة سنتيميترات. وتتلقّى مياهًا عذبة من نهري "الضراضر" و"الناظور" ومياهًا مالحة من المحيط الأطلسي، لكنها لا تعرف ذوبانًا لخصائص كل من هذه المياه في بعضها، بل تسجل نوعًا من التناضد (Stratification) يتجسد في شكل طبقات مائلة متمايزة عن بعضها، تتراكب في تناقص تدريجي للملوحة باتجاه الطرف النهري للمرجة، بحيث تنحدر الطبقات المائية الأكثر ملوحة، المتاخمة للممر البحري إلى عمق المرجة نظرًا لارتفاع كثافتها، بينما ترتفع الطبقات المائية الأقل ملوحة، المتواجدة إلى الطرف النهري للمرجة فوق الكتل المائية المالحة نظرًا لضعف كثافتها. فينتج عن هذا الوضع جريان للمياه، يجعل الطبقات المائية العليا تساق في اتجاه البحر، بينما تتحرك المياه السفلى الأكثر ملوحة نحو وسط المرجة. وهكذا تظل هذه الكتل المائية رغم تداخلها غير متساوية، محتفظة كل منها بدرجة ملوحة خاصة، لا تبغي إحداها على الأخرى مهما تغيرت حركات المد والجزر من الجهة البحرية، أو صبيب الأنهار من الجهة البرية. 

 الصورة 8: المنطقة البرية للمرجة المؤدية إلى المياه النهرية.

 

الصورة 9: المنطقة البحرية للمرجة حيث الممر الذي يصلها بالبحر.

 

 

الشكل 14: موقع المرجة الزرقاء من الوحدات البنيوية لشمال المغرب حسب الخريطة البنيوية للمغرب.

 

الشكل 15: موضع سهل الغرب من سفوح الريف الجنوبي.

هذا الانعدام في التساوي بين الكتل المائية للمرجة، يظهر أيضًا على مستوى منقولاتها الرسوبية التي تشكل قاعدة الأساس لنمو وتبلور الحياة فيها. ففي هذا االوسط، نجد الرواسب المنقولة من البر عبر الأنهار ومن البحر عبر الممر، مختلفة تمامًا عن بعضها، وتتراكب في شكل متتاليات تعبر عن تراكم متزايد (Comblement) تجسده التوضعات الرسوبية لقاع المرجة، التي تترجم من الأسفل إلى الأعلى تراجعًا عبر الزمان من رمال كلسية بحرية إلى طين وأوحال قارية. مما ينعكس سلبًا على حياة الكائنات بحالة من عدم الاستقرار، مرتبطة أساسًا بعدم استقرار قاع المرجة الذي لا تكاد الرواسب تتوضّع فيه حتى تجرفها التيارات المائية. فيصعب بذلك استقرار الأوضاع الفيزيائية والكيميائية وبالتالي الحياتية في هذا الوسط الذي يبقى بمثابة منطقة حظر، تعبرها المياه في بحث دائم عن توازن مفقود لن يتحقق أبدًا. وإلى ذلك أشار كتاب الله في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا)(الفرقان:53). فكيف يتم ذلك؟

إن التداخل بين مياه عذبة قارية ومياه مالحة بحرية، يجعل الوسط المائي للمرجة خاضعًا في تركيبته لتغيرات مستمرة مع تغير فصول السنة. ففي فصل الشتاء حيث تكثر الأمطار وتحمل الأنهار، تطغى على المرجة المياه العذبة الآتية من البر، فتدفع المياه المالحة نحو منطقة الممر البحري وتعيق نفوذها إلى وسط المرجة. أما في فصل الصيف حيث تجف الأنهار، فإن المياه المالحة النافذة من البحر هي التي تطغى على المرجة.

هذه التغيرات في ملوحة مياه المرجة عبر تنقل خطوط التماس بين المياه المالحة والمياه العذبة من منطقة الممر البحري إلى منطقة المصب النهري، تعكس نوعًا من النضيد (Stratification) الدال على تدرج الكتل المائية في طبقات مائلة تتناقص ملوحتها كلما اتجهنا نحو الطرف النهري. فلقد بينت لنا مقاييس المسح العمودي والأفقي لملوحة المرجة خلال الفترة الشتوية، أن المياه تتنضد في طبقات مائلة من الجهة البحرية إلى الجهة البرية. بحيث نجد الطبقة المائية ذات الملوحة البحرية (3.4%) المتاخمة للممر البحري، تنحدر تدريجيًّا وتميل إلى أن تنتهي في نقطة معينة من قاع المرجة نظرًا لارتفاع كثافتها، ثم تعلو فوقها الطبقات الأقل ملوحة ثم الأقل حتى نصل إلى الطبقات المتاخمة للمصب النهري حيث المياه العذبة التي تطفو على سطح المرجة. الشيء الذي يُحدث جريانًا للمياه في اتجاه معاكس لدوران عقارب الساعة، يجعل المستويات العليا الأقل ملوحة تفرّغ في اتجاه البحر، بينما تتنقل المياه السفلى الأكثر ملوحة نحو وسط المرجة. وهذا الوضع يعطي لمياه المرجة ترتيبًا في مستويات مائلة، تجمع بين تدرج الملوحة على المستويين الأفقي والعمودي. مما يجعلها رغم اختلاطها تبقى محتفظة كل منها بخاصيتها لا تمتزج ولا تبغي إحداها على الأخرى مهما تحرك البحر في اتجاه المد أو الجزر من الجهة البحرية، ومهما ارتفع صبيب المياه أو انخفض من الجهة البرية كما يبين الشكل 16:

 

  الشكل 16: يبين المستويات الفاصلة بين الكتل المائية مختلفة الملوحة من الممر البحري إلى المصب النهري. الأرقام تبين النسبة المئوية للملوحة. السهام () تبين اتجاه التيارات المائية في المرجة.

2- أثر الفاعلية المائية على رواسب قاع المرجة

هذه الكتل المائية التي تعبر المرجة بانتظام وتلقي فيها كميات هامة من الرواسب البرية والبحرية، تعمل باستمرار على تفعيل عملية بناء الدلتا نظرًا لما يحدثه تعارض التيارات النهرية مع البحرية من تكويم للرواسب. فرغم كون حجم المياه البحرية التي تعبر الممر البحري إلى المرجة خلال كل فترة مد تقدر بمليون متر مكعب[15]، فإن حجم المياه العذبة الآتية من المصبات النهرية المحددة في متوسطها بـ2500 متر مكعب خلال فترة المد ورغم ضئالتها، تبقى كافية لتأجيج زحف الرواسب البرية إلى وسط المرجة، وذلك راجع إلى الكم الهائل من الرواسب التي تنقلها الأنهار. فوادي الضراضر لوحده، ينقل سنويًّا إلى المرجة 31.5 مليون متر مكعب من المياه محملة بما قدره 2000 طن من الرواسب. أما قناة الناظور، فتنقل سنويًّا إلى المرجة 150 مليون متر مكعب من المياه محملة بما قدره 450 ألف طن من الرواسب[16]. الشيء الذي ينجم عنه تكدس متزايد للرواسب البرية وتحرك مستمر لمكوناتها، بحيث لا تكاد الرواسب تتوضع حتى تجرفها التيارات المائية وتنقلها إلى أماكن متفرقة. مما يجعلها غير مستقرة ويحول دون تفاعلها مع التركيبة الكيميائية للمياه التي من شأنها أن تساهم في تكوين قاع صلب تستقر عليه الحياة. فينعكس ذلك سلبًا على حياة الكائنات، بنوع من الإقصاء البيولوجي الذي يحول دون استقرارها على تربة القاع.

 

الشكل 17: يبين نظام التزويد المائي للمرجة الزرقاء. الأرقام تشير إلى حجم المياه التي تغدي المرجة
سنويًّا وهي بمليون متر مكعب. (Carruesco, 1989)

وما ذلك إلا تعبيرًا عن مدى التغييرات القصوى التي تعيشها هذه الأماكن من الأرض التي هي بمثابة محطات تصفية ميكانيكية وكيميائية تعمل بدون انقطاع في خط التماس بين نطاقي البر والبحر على فرز الرواسب وإعادة توزيعها، ثم تحويل مركباتها وتركيز موادها الناجمة عن محمولات الأنهار الألومينية والسيليكونية المزودة بالمعادن الثقيلة ومنقولات البحر الكربونية المزودة بالمواد العضوية. فتداخل هذه المواد فيما بينها بحثًا عن وضع متجانس يتلاءم وظروف الوسط المحيط بها، يجعلها في تأرجح وعدم استقرار نظرًا للمناعة العالية، التي تجعل هذه الأماكن تدفع الفوارق في مميزات المياه المختلفة كلاًّ إلى نطاقه حتى لا تطغى أيٌّ منها على الأخرى. فيبقى البحر محتفظًا بمائه ملحًا أجاجًا، ويبقى البر محتفظًا بمائه عذبًا فراتًا.

3- بصمات المرج على تكوين الرواسب

أفرز لنا التحليل المجهري لرواسب قاع المرجة، عن نوع من بلورات الكوارتز المجهرية ذات الشكل الهرمي عند طرفيها (Quartz Bipyramidé) متواجدة مع كميات مهمة من بلورات الجبس. وتبين لنا من خلال معالجتنا لهذه البلورات، أنها نشأت في الظروف الطبيعية للمرجة، ولم تنقل إليها مع الرواسب من أماكن أخرى رغم درجة التآكل العالية التي تطغى على معظم الحبات الأخرى المكونة لرواسب قاع المرجة.

وبذلك ونظرًا لكون الجبس لا ينشأ إلا في الأحواض المائية الشديدة الملوحة من جراء انغلاقها وتبخر مياهها، وباعتبار أن بلورات الكوارتز المذكورة هي نتاج تفاعلات كيميائية بين مياه مالحة وأخرى عذبة كما تذكر الدراسات الجيوكيماوية[17]، فإن رواسب المرجة توحي باحتمال تحقق نفس الشروط في فترات تطورها: فانعزال أجزاء من المرجة في شبه بحيرات منغلقة محاطة بصخور غنية بالسليكون قد يكون ساهم بشكل كبير في نشوء هذه البلورات من جراء تبخر المياه وارتفاع درجة الملوحة. ويمكن معاينة هذا الوضع بشكل أوضح، في عمل بعض المروج الحالية المتواجدة في المناطق المدارية، والتي تتجمع فيها مياه مالحة مع أخرى عذبة. فعلى سبيل المثال دلت دراسة مرجة Fernand Vaz في الغابون[18] على أن نشوء مثل هذا النوع من البلورات الكوارتزية، يتم نتيجة تفاعلات كيميائية تحصل بين المحيط الصخري الغني بالسيلكون والوسط المائي على طول المساحات الفاصلة بين الكتل المائية مختلفة الملوحة. وتلعب عملية التبخر في ذلك دور المحرك الرئيسي الذي يعمل على تركيز السيليكون، لتكوين بلورات الكوارتز الهرمية التي تظل بمثابة البصمات الشاهدة على عدم امتزاج الكتل المائية، مختلفة الملوحة رغم مرجها.

4- الدلالات الإعجازية في مرْج المياه

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ): قال مجاهد: أي "أرسلهما وأفاض أحدهما في الآخر". وقال ابن عرفة: أي "خلطهما فهما يلتقيان". ومرج الدين والأمر، أي اختلط واضطرب، ومنه قوله تعالى: (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ)(ق:5). وعنه -رحمه الله- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبر عن معنى المرج بتشبيك أصابع يديه الكريمتين. وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه -: "إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وهكذا" وشبك بين أصابعه. فقلت له كيف أصنع عند ذلك جعلني الله فداك. قال - صلى الله عليه وسلم -: "إلزم بيتك وأملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر. وعليك بخاصة أمر نفسك ودع عنك أمر العامة" (خرجه النسائي وأبو داود وغيرهما).

استنادًا إلى ما جاء في التفسير، نجد أننا إذا وقفنا على تعريف فعل "مرج" الذي اشتقت منه كلمة "مرجة" التي تعرف بها مرجة مولاي بوسلهام منذ كانت، فإننا سنجده يفيد -اصطلاحًا- اختلاط جسمين مختلفين دون تساوي خصائصهما، أي تداخل مكوناتهما دون ذوبانها في بعضها. وهذا ما يحصل في أوساط المروج بما تعبر عنه مكوناتها من تبلور، بفعل تداخل عناصر متمايزة جاءت من بيئتين مختلفتين؛ بحرية وبرية، فالتقت في مدٍّ وجزر دون أن تبتلع أي منهما الأخرى. وهو المعنى الخفي الذي انطوى عليه حديث رسول الله في موضع تشخيصه - صلى الله عليه وسلم - لمرج العهود لما شبك بين أصابع يديه الكريمتين. فهذا يعني تداخل هذه في تلك، مع ضرورة لزوم حد معين في ذلك لا ينبغي لأي جهة أن تتجاوزه مهما تحرك الكل في هذا الاتجاه أو في الاتجاه المعاكس. وهو ما بيّنه كتاب الله في قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ)(الرحمن:19-20).

وإلى هذا المعنى آلت نتائج أبحاث عالم الرواسب الفرنسي Berthois في مجال دراسته لمناطق التقاء الرواسب البحرية مع النهرية، حيث عبر عن ذلك قائلاً: "حينما تلتقي أنهار مع بحار ذات مد وجزر، تتكون في عمق المصب منطقة توازن بين النهر والبحر. وهي عبارة عن مجمع مياه هامدة تتمثل في شكل حاجز مانع لعبور رواسب القاع. هذه المنطقة نظرًا لكثافتها الناتجة عن نسبة ملوحتها المرتفعة، تنحدر إلى أسفل لتفسح المجال أمام مرور المياه العذبة من فوقها. وهكذا، حينما تكون فاعلية البحر قوية، تتنقل هذه المنطقة إلى المجال النهري كما هو الحال على الضفة الشرقية للمحيط الأطلسي المتواجدة على السواحل الغربية لأفريقيا حيث التيارات البحرية القوية. أما حينما تكون فاعلية الأنهار أقوى، فإن هذه المنطقة تتراجع إلى المجال البحري، فتتموضع على شاطئ البحر أو ربما في داخله كما هو الحال في موقع التقاء النيل مع البحر الأبيض المتوسط، حيث تغلب فاعلية النيل على فاعلية البحر الذي لا يكاد يظهر أثرًا لعمليتي المد والجزر"[19].

وهكذا فمن معايناتنا هذه الميدانية، ومن استشهادات الآخرين، نستنتج أن التعبير البليغ الذي جاءت به الآيات الكريمة في وصف مرج البحار، وكذلك الحديث النبوي الشريف في تشخيص مرج العهود، يتضمن من الدقة في البيان ما لا يمكن إدراكه إلا بحس علمي جد متقدم. وذلك سر الإعجاز البياني في الوصف القرآني الذي باستعماله لفعل "مرج" أقر قانونًا يستحيل بموجبه التساوي بين البحرين. فلا يذوب هذا في ذاك ولا يبتلع أحدهما الأخر. فسبحان من قال وقوله الحق: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)(فاطر:12).

فعدم التساوي هذا، جاء تبيانا لظاهرة المرج التي يمكن استشعارها في أي منطقة تلتقي فيها مياه من أصول مختلفة، لأنه إذا كانت سورة الفرقان قد جاءت بوصف الظاهرة في منطقة التقاء مياه مالحة مع مياه عذبة، وذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)(الفرقان:53)، فإن سورة الرحمن قد وقفت عليها في منطقة تلاقي مياه بحرية متفاوتة الملوحة مع بعضها، وذلك في قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ)(الرحمن:19-20). والدليل على ذلك ما أتت به الآية التي تلتها في وصف هذين البحرين باحتوائهما على اللؤلؤ والمرجان، وذلك في قوله تعالى: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)(الرحمن:22)، وهما العنصران اللذان لا يتكونان إلا في البحار المالحة. وعليه فهذا الذي تقره الآية الكريمة في عدم التساوي بين البحار، تظهر آثاره على مستويات عدة:

- فعلى المستوى الفيزيائي، نجد أن الماء كلما زادت ملوحته ارتفعت كثافته، بحيث إذا التقت مياه متفاوتة الملوحة مع بعضها، فإن عامل الكثافة يحدث تراكبًا بين طبقاتها، فتعلو الطبقات المائية القليلة الملوحة فوق الشديدة الملوحة في تناضد مائل نحو المنابع العذبة، معبرة بذلك عن عدم التساوي في المواضع بين مختلف الطبقات المائية كما رأينا ذلك مجسدًا في الشكل 16.

- وعلى المستوى الكيميائي، نجد أن الماء كلما زادت ملوحته أصبح أكثر قاعدية، بينما تبقى المياه العذبة عامة، أكثر حموضية. وهذا الاختلاف في الحموضة (pH) له تأثير كبير على نوعية المعادن التي تتكون في كل وسط مائي، وبالتالي على طبيعة الرواسب المشكّلة من هذه المعادن والتي ستكوّن الأرضية التي عليها ستنمو الكائنات الحية وتتنوع.

- أما على المستوى الإحيائي، فإن عدم التساوي بين المياه، تظهر آثاره جلية على نشوء واستقرار الكائنات الحية. فعلى سبيل المثال، نجد أن مرجة مولاي بوسلهام لا تتردد عليها الأسماك إلا في أوقات المبيض؛ فتضع بيضها في الجانب البري حيث الملوحة أقل، ثم تعود أدراجًا إلى البحر. كما أن الكائنات الأخرى التي تحيا على ارتباط مباشر بتربة القاع كبعض القواقع والديدان والسلطعونات، لا تقدر على تحمل الاضطرابات الفيزيائية والكيميائية التي تنتج عن مرج المياه، فتضطر إلى حفر ملاجئ في عمق التربة، لتحمي نفسها من تأثير هذه الاضطرابات على وظائفها.

وهكذا فما جاء في الآيات الكريمة وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ ألف وأربعمائة سنة حول مفهوم المرج، لم يتمكن العلم من فك رموزه إلا مؤخرًا، بعد جهود مكثفة بين أخصائيين في علوم البيئة والمناخ والرواسب وغيرها. حيث بدأت الرؤية تتضح حول خصوصيات هذا المفهوم في إثبات حقيقة منطقة المنع التي تتحدد بموجبها عملية المرج، بحيث مهما طغى هذا الجانب على ذاك، فتبقى هذه المنطقة -ورغم تنقلها في المكان- برزخًا كابحًا لجماح كل طرف أن يبغي على الآخر. فتكون حقًّا جزءًا من آليات الميزان الذي وضعه الخالق، لتثبيت قرار الأرض القائم في جزء كبير منه على ضبط معادلات التسوية بين البر والبحر، كما جاء في قوله تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)(النمل:61).

تجليات أثر الماء على الحياة

يُعد الماء أصل كل شيء ومفتاح الوجود الذي انطلق منه الكون وتفرّعت منه الحياة. فقد جاء في تفسير ابن كثير لقول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)(هود:7) أن محمدًا بن إسحاق قال في تفسير هذه الآية: "فكان كما وصف نفسه تعالى إذ ليس إلا الماء وعليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والإكرام". وهذا المنطلق يجب أن يعتبر قاعدة الأساس في كل بحث، كما يتجلى ذلك من خلال حقائق العلم الحديث التي أظهرت أثر الماء عند كل مرحلة من مراحل التكوين، منذ بدء الكون إلى خلق الإنسان فما بعد.

فإذا تطرقنا إلى الأطوار الجنينية المتعلقة بخلق الكون، فإنه يظهر في تقدير علماء الفضاء -كما رأينا- أن دور الماء كان بارزًا في إصدار الطاقة التي كانت وراء ميلاد الكون، وذلك نتيجة انتقال الماء من حال حبات متجمدة دون شكل، إلى حبات متجمدة ذات شكل بلوري تحت تأثير ارتفاع طارئ للحرارة.

كما أننا نجد أن الغلاف الجوي الذي نتج عن تبخر ماء جوف الأرض، سيشكل فيما بعد الغطاء الذي فيه ستحفظ الحياة، وبه ستحكم الحواجز بين السماء والأرض. يقول - عز وجل -: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا)(الأنبياء:32). فالغلاف الجوي يبلغ سمكه 500 كلم، وهو يحمي الأرض من خطر الإشعاعات المضرة بالحياة وينقل ثم يوزع الطاقة الشمسية التي تحولها الأرض إلى طاقة حرارية وكيماوية، كما يضمن لها توازنها البيئي فيحفظ محتويات الأرض من مياه وغازات ومواد متبخرة وطاقات، حيث كلما صعدت إلى الأجواء العليا إلا واصطدمت بالجدار الجوي ورجعت إلى مستودعها في الأرض. فيكون الغلاف الجوي بمثابة الوقاء الذي يحفظ محتويات الأرض، ويحول دون نفوذها إلى الفضاء الخارجي. يقول - عز وجل -: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ)(الطارق:11)، ويقول جل علاه في سورة أخرى: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ)(ق:6). وبذلك شاءت قدرة الله سبحانه، أن تدور مكونات الماء في حلقة الحياة بين سطح الأرض وغلاف جوها، وانحصرت الحياة في هذا النطاق. فما صعد أحد في الجو إلا وأحس بضيق واختناق، حتى إذا تجاوز مستوى الغلاف انعدم الأوكسجين واستحالت الحياة. يقول - عز وجل -: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)(الأنعام:125).

واستقر الماء في الأرض بعدما نزل من السماء، كما رأينا ذلك في قوله - عز وجل -: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ)(المؤمنون:18). فشاء التدبير الإلهي، أن تفرز تشققات قعرِ المحيطات أملاحًا معدنية أعطت ملوحة ماء البحر، ثم بعد ذلك ظهرت أولى الكائنات وحيدة الخلية في مياه البحر، وبنشوئها ظهرت الحياة في الماء، ثم تسلسلت في إيقاع بديع عبر مئات الملايين من السنين، بدءًا بكائنات بدائية بسيطة، وانتهاء  بمخلوقات متطورة غاية في التعقيد والتي يعتبر الإنسان منتهى كمالها. يقول - عز وجل -: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)(السجدة:6). وفي هذا التدرج التسلسلي لأصناف الكائنات، يقول ابن خلدون: "ثم انظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ بالمعادن، ثم النبات، ثم الحيوان، على هيئة بديعة من التدريج. آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف، ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط. ومعنى الاتصال في هذه المكونات، أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول أفق الذي بعده، واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والروية "[20].

ولقد خص الله تعالى ماء البحر بسر عجيب في نشوء واستمرارية الحياة، وذلك ما أكدته الأبحاث الجيولوجية لبقايا أصناف الكائنات الحية الباكرة، حيث أظهرت أن أول أشكال الحياة التي ظهرت على سطح الأرض والمرسخة آثارها في صخور القشرة الأرضية، تشير إلى أن الحياة نشأت في ماء البحر وظلت مقصورة عليه آلاف الملايين من السنين، قبل أن تنتقل إلى اليابسة في شكل نباتات برية في عصر الديفونيان (أي قبل 400 مليون سنة من زماننا)، ثم في شكل حيوانات بدائية في نهاية ذلك العصر (أي قبل حوالي 350 مليون سنة من زماننا).

وهذه الميزة التي خص الله تعالى بها ماء البحر في نشوء الحياة، تعود كما يظهر من مواصفات البحر، إلى انفراده بإنتاج عنصر الفوسفور الأساسي في تكوين الحامض الأميني الذي جعله الله تعالى مفتاحًا للحياة. وهذا السر راجع إلى كون نواة الخلية التي هي محور حياتها والتي تحمل ميكانيزمات الوراثة واستمرارية النوع، تتكوّن أساسًا من الحامض الأمينيDNA الذي جعله الله تعالى نشئا فريدًا ومفتاحًا وحيدًا للحياة، فحباه الخالق - عز وجل - بخاصية الاستنساخ (Duplication) وهي ميزة لا توجد في أي جزيء آخر. وعليه، وبما أن العلماء لاحظوا أن الفوسفور يعتبر عنصر الأساس في  تنظيم عملية تسوية الأوكسجين بين البحار والأجواء القارية عبر البناء الضوئي الذي تنفرد به النباتات الخضراء، وكون أن مصدر الفوسفور الأصلي يعود كله إلى  أعماق البحر، فهذا يعني أن الفوسفور يشكل معدن الحياة والماء الذي يحمله، هو نبعها والبحر مهد نشوئها.وهذا مشهد آخر من منظومة أصل الحياة، ينضاف إلى إدراكنا من خلال تجليات أثر الماء الذي جعله الله تعالى مصدر خلق كل ما يدب على الأرض، فقال وهو أصدق القائلين: (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)(النور:45).

ومن أهم تجليات أثر الماء على إحياء الأرض، ما يُستشف من عمل المياه في ميادين تعرية وتحليل ونقل الرواسب وموادها الأساسية في تخصيب التربة لنمو النبات. فمن جملة التطورات التي شهدها سطح الأرض، التواء القشرة الأرضية وبروز المرتفعات بما تتحمله من مواد معدنية في طياتها إلى السطح، حتى إذا أتت عليها عوامل التعرية تفتتت أجزاؤها وتحللت مركباتها، ثم نقلت بواسطة المياه إلى المنخفضات لتخصيبها، فيكثر فيها النبات ويزدهر الكلأ. فتكون الجبال مصدر الخير، والمنخفضات محطات لاستقطاب هذه الخيرات، والماء أداة التعرية والنقل والتوزيع، وصدق الله العظيم حيث قال: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ)(النازعات:32-33). فإذا سأل السائل عن هذا المتاع الذي أودعه الله تعالى في الجبال، قلنا له اهبط إلى منخفضات الأرض فستجدها قد ركّزت ما جرفته الأنهار إليها منه.

وهكذا جعل الخالق سبحانه الماء العنصر الأساس في تمهيد التربة لنمو النبات الذي هو مصدر الغداء ومصدر الطاقة، فخص سبحانه النبات بعملية البناء الضوئي (Photosynthèse) التي هي صلة الوصل بين العالم العضوي والعالم غير العضوي، ليكون مصدرًا لأوكسجين الحياة انطلاقًا من الماء كما تبين المعادلة التالية:

الطاقة الضوئية : 6CO2 + 12H2O +  C6H12O6 + 6O2 + 6H2O

وهذا يستدعي الوقوف والتفكر في آيات الله، لما يظهره الماء من أسرار عجيبة في حلقة الحياة المغلقة بين بدء الخلق ونهايته. فالماء كان الأصل في شق الأرض الهامدة، وإيجاد التربة التي أنبتت الزرع عبر تسرب الماء إلى الحبة التي انفلقت وأنبتت خضرًا كما نص كتاب الله على ذلك في قوله تعالى: (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا)(عبس:25-27). ثم في مرحلة أخرى، كان الماء هو المولّد الأساسي لأوكسجين الحياة بفعل البناء الضوئي القائم على استعمال الطاقة الضوئية. وذلك ما تؤكده المعادلة التي وضعناها، حيث قام باحثون في علم الكيمياء بتعليم ذرات الأوكسجين في جزيئات الماء وغاز الكربون، فتبين لهم عبر تتبع مراحل التفاعلات الكيميائية في عملية البناء الضوئي، أن الأوكسجين الذي تفرزه المعادلة الكيميائية، هو آت من انشطار جزيئات الماء وليس من غاز الكربون. فسبحان من جعل أوكسجين الحياة يأتي في جزء كبير منه من انشطار الماء، وقرر ذلك في كتابه الكريم بقوله: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)(الأنبياء:30).

أما الأوكسجين الآتي من انشطار جزيئات غاز الكربون، فهو يذهب لإنتاج الهيدروكربونات التي هي سكريات النبات، فيدّخر منها النبات ما يمكّنه من تحصيل الطاقة الضرورية للحياة، حتى إذا صار مصدرًا لغذاء حيوان أو إنسان، انتقلت هذه الطاقة إلى المستهلك، فإذا توقفت حياته تحررت الطاقة المخزنة مع غاز الكربون عند تلاشي وتأكسد بقاياه.


[1]     مفاتح النور في مفاهيم رسائل النور لفريد الأنصاري، ص:162.

 [2]1.  Brunier S. (2010) - Eau terrestre Elle vient de l’espace. Science & vie n° 1109, février 2010, Paris, pp. 82-85.

 [3]1.  Brunier S. (2010) - Eau terrestre Elle vient de l’espace. Science & vie n° 1109, février 2010, Paris, pp. 82-85.

[4]

 [5]     سعيد عبد العظيم السيد (2004): ماء زمزم رحمة من الله، مجلة منار الإسلام، العدد:348، ذو الحجة 1424، ص:34-37.

[6]

[7]

[8]

[9]

[10]

[11]

[12]

[13]

[14]

[15]

[16]

[17]

[18]2. Giresse P. (1968): Autigenèse actuelle de quartz bipyramidés dans la lagune de Fernan-Vaz (Gabon). C.R. Acad. Sc.,Paris, 267: 145-147. 

[19]

[20]    مقدمة ابن خلدون، طبعة بولاق، ص:47-48.

Pin It
  • تم الإنشاء في
جميع الحقوق محفوظة موقع فتح الله كولن © 2024.
fgulen.com، هو الموقع الرسمي للأستاذ فتح الله كولن.