المدخل
القدر هو تقدير الله العليم -ذي العلم المطلق- بالماضي والحاضر والمستقبل، وهو يرى الزمن بأبعاده الثلاثة كزَمَن واحد؛ بل ليس هناك ما يسمى بالماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، فالقدر هو هذا العلم والرؤية ثم التسجيل الكامل لكل ما كان ويكون، بل قبل أن يكون، في كتاب مبين، إذ هو المحيط بعلمه وتقديره بوجود كل شيء في الوجود، وبكل ما يكون، سواء من أصغر الذرات إلى أَكبر المجرات وإلى الإنسان، ومن ثم تنظيمه سبحانه وتعالى كل شيء وفق وجوداته العلمية وتنسيقه له وتعيينه إياه وتصنيفه وتسجيله وتقديره. آخذاً كل ذلك من دائرة علمه إلى دائرة قدرته وإرادته ومشيئته، مظهراً ذلك الشيء إلى العالم الخارجي، أي عالم الوجود.
والإيمان بالقدر، هو أحد أركان الإيمان الستة. فكما أن الإنسان يؤمن بالضرورة بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، يؤمن كذلك بالضرورة بالقدر. فلا يمكن تصور الإيمان بالقدر خارج الأركان الأخرى. والقدر إنما يكون موضوع بحث فيما يخص الإنسان من تفكير وأطوار وحركات تتدخل فيها إرادته. ومن المعلوم أن جميع المسائل المتعلقة بالقدر تكسب أهميتها وقيمتها عندما تكون في دائرة إرادة الإنسان؛ إذ بخلاف ذلك يصبح كل ما يقال حول القدر من قبيل الإعلام بالمعلوم. أي عندما لا نفكر بالإنسان وبإرادته فإن كلامنا حول القدر يكون عبثاً لا معنى له. إذ كما أضفى وجود الإنسان معنى ولوناً على الكائنات كلها كذلك إرادته الجزئية جعلت مسألة القدر ذات أهمية، وذات لون خاص.
لذا فنحن في هذا الكتاب نبحث عن القدر الذي يتعلق بإرادة الإنسان، ونتحرى في الوقت نفسه أجوبة التساؤلات التي تراود الأذهان منذ القدم حول الجزء الاختياري.
ندعو المولى القدير أن يلهمنا فهم القدر وإفهامه الآخرين في ضوء ما عليه أهل السنة والجماعة، وما توفيقنا في مثل هذا البحث إلاّ بإحسانه تعالى ووسيلتنا إليه عجزنا وفقرنا.
- تم الإنشاء في