سـورة الجن
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾(الْجِن:1-2)
لا شك أن الحادثة الغريبة والعجيبة التي تتحدث عنها الآية الكريمة ليست من قبيل الحوادث العجيبة للأساطير. بل يجب فهمها على ما أعتقد على أنها شيء خارق في إطار العلاقات الموجودة بين الإنسان وبين الأشياء المحيطة به وبإسم المنطق الإنساني الذي يضعه القرآن أمام الإنسان.
أجل!... يضع القرآن هذه الحادثة العجيبة أمام الإنسان لكي ينتبه ويلتفت إليها في ضوء أشعة القرآن وأنفاسه التي تهب الحياة. لذا يمكن القول بأنه لولا القرآن لما سمع الإنسان مثل هذه الحقيقة ولما انتبه لها. وفي إطار هذه الملاحظة عندما يستمع هذا النفر من الجن -المطلعين بمقياس معين على بعض أسرار الوجود من وراء الغيب- قالوا: ﴿إنّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً﴾ (الجن: 1). ولم يكتفوا بسماع القرآن بل سلموا أنفسهم للجو السحري للقرآن وأعلنوا بكل اعتزاز إيمانهم به ﴿فآمَنَّا بِهِ﴾. أي أن سماع بضع آيات من القرآن كان كافياً لهؤلاء المطلعين على بعض أسرار الوجود لكي يعلنوا إيمانهم بكل صراحة.
وقد تقابل رسولنا صلى الله عليه وسلم مع الجن بضع مرات. فكيف تمت هذه المقابلات؟ لا أستطيع التطرق لهذا الموضوع، لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان شخصا تداخل وامتزج فيه العالم المادي مع العالم الميتافيزيقي، أي كان عالمه يفوق عالمنا المادي هذا ويتجاوزه، لذا كان هذا الأمر يتجاوز مسئوليتنا وحدودنا.
المهم عندنا أمور أخرى مثل كون رسولنا صلى الله عليه وسلم مفخرة للإنس وللجن وأن نبوته ورسالته العالمية شملت الإنس والجن، وأنه بلّغ هذا الأمر، أي استماع الجن للقرآن لأصحابه حسب مفهوم الآية ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ (الجن: 1)، وأن سماع آيات معدودات كان كافيا لكي يعلن الجن إيمانهم على الفور، بخلاف قريش المتمردة على الإيمان على الرغم من المعجزات والآيات البينات، وإن الفئة المؤمنة من الجن والسعيدة بإيمانها هذا أظهروا رغبتهم وقرارهم بالعودة إلى قومهم فورا لدعوتهم إلى الإسلام في الحال دون ضياع دقيقة واحدة.
ربنا أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
- تم الإنشاء في