سـورة الرعد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا﴾(الرَّعْد:31)
كما بينت تفاسير هذه الآية فانه لو كان بالإمكان تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكسيرها، وتكليم الموتى بكتاب ما، فلن يكون هذا الكتاب التوراة أو الإنجيل أو الزبور بل يكون بالقرآن. وهكذا يوجه الله تعالى الأنظار إلى القرآن الكريم.
لو حدثت هذه الأمور كلها لكان معنى ذلك وقوع المعجزة. وأن عدم وقوع المعجزات وحدوثها وتحققها كما يطلبها الأنبياء عليهم السلام أحيانا من أجل هداية أقوامهم يعني أن هذه المعجزات التي تأتي لتصديق النبوات مرتبطة بالمشيئة الإلهية وحدها.
إن آية ﴿بَلْ ِللهِ اْلأَمْرُ جَمِيعًا﴾ تقوم بتوجيه الأفكار المنحرفة وتعلن وتحدد ممن يجب أن يُسأل ومن أين يُطلب وأن جميع القوى المادية والمعنوية وكل وسائل التاثير بيده تعالى وحده. وأنه متى ما شاء يستطيع أن يفعل ويحقق كل هذه الأمور المشار اليها. وأنه يستطيع هداية القلوب والوصول بـها إلى شاطيء الإطمئنان حتى من دون إظهار المعجزات والامور الخارقة. وأنه لا يوجد أي شيء محال بالنسبة إليه. فلو شاء لسيّر الجبال، أو لدك الأرض وقطّعها، أو جعل الموتى الذين ماتوا منذ آلاف الأعوام وبليت أجسادهم يتكلمون. والحقيقة إن تأثير جميع هذه المعجزات -ان حصلت- لا يمكن قياسه بالتأثير الذي يحدثه القرآن في القلوب التي شاء الله هدايتها. لذا فإن هذه الأمور العجيبة والمعجزات التي ترونـها كبيرة تبقى شيئا ضئيلا بالنسبة إلى الثورة العالمية الشاملة التي يحدثها القرآن. وإن أردتم البحث والتنقيب عن سبب لهذه الحوادث والمعجزات التي تبدو أمام أنظاركم وخيالكم خارقة وعجيبة، فإن القرآن هو هذا السبب إن نظرنا إلى الموضوع من زاوية الأسباب العامة والجذرية. فلو شاء الله تعالى لسيّر الجبال وقطع الأرض ونفخ الحياة في الأموات وجعلها تتكلم. ولكن سبب نـزول القرآن ليس لهذه الأمور. فحكمة تنـزيل القرآن هي انشاء نمط جديد من هذا الإنسان الحالي الموجود، والنفوذ إلى القلوب التي لايمكن لغيره النفوذ فيها، وانشاء حاكمية الإيمان فيها، وإظهار وتعيين طرق الخلود والبقاء أمام الإنسان الفاني. ووعده بتحقيق جميع أمانيه وآماله، بل جعله يستطيع التفرج من نافذة قلبه ووجدانه على الخلود وعلى السعادة الخالدة وهو لم ينتقل بعد إلى العالم الآخر. إذن فأن الأهم معرفة هذه النواحي من حكمة تنـزيل القرآن.
أجل إن التأثير المؤقت لتسيير الجبال وقذفها يمينا وشمالا، وتقطيع الأرض وتفتيتها وقيام عظام الموتى بالتكلم، لا يعد شيئا بجانب التأثير الدائمي والباقي للقرآن على الإنسان. بل يبقى تأثيرا ضئيلا وخافتا.
﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ (الحشر: 21)
- تم الإنشاء في