زيارة إلى تركيا
تربية الإنسان تربيةً جيدة، وإعداده إعداداً إيمانياً سليماً هو سر نجاح العمل الأهلي الخيري الذي يقوم به تلامذة الشيخ فتح الله كولن، الذي استطاع بالحب والإخلاص والصبر وتربية الشباب بطريقة تستلهم روح صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم في القول والفعل والتجارة مع الله. أقول استطاع الشيخ من خلال كل هذا تغيير الكثير من الواقع التركي، حيث أوجد أجيالاً تحب وطنها وتخلص لدينها وتشارك في صناعة الحياة مشاركة جهادية لا تعرف الكلل أو التواني وتندم على الأوقات البسيطة التي قد تمر دون أن تقدم للإنسانية شيئاً مفيداً.
على مدى أربعة أيام في إسطنبول اطلع وفد من الصحفيين والباحثين الأكاديميين -كان لي الشرف أن أكون واحداً منهم- على تجربة من تجارب العمل الأهلي الخيري تجاوزت تركيا إلى عدد كبير من دول العالم، وأصبح لها صوتها المسموع، وأصبح "الأستاذ" (كما يحب أن يناديه تلامذته) نموذجاً من نماذج التأمل والدراسة والبحث، وهدفاً من أهداف الحوار والنقاش ليقف الناس على ما تم حتى أصبحت المساجد التي كان لا يرتادها إلا العجَزة والشيوخ المسنّون تمتلئ عن آخرها في صلاة الجمعة وفي الصلوات الأخرى. فقد عجزت عن وجود موقع لقدمي في مسجد أبي أيوب الأنصاري لأصلي الظهر، الأمر الذي جعلني أصلي في باحة المسجد. كما استطاع الأستاذ استنفار الخيرين ليشاركوا في العملية التعليمية التركية في وقت عجزت فيه الدولة ماديّاً، وتنادت على الخيّرين من أبنائها للمشاركة، فأقام تلامذة الأستاذ مئات المدارس التي لا تعلّم العلوم فقط وإنما تعلم التربية وترعى التلميذ في كل شؤونه حتي يتخرج. كما أنشأوا جامعة "الفاتح" وكذلك مؤسسة إعلامية بها سبع قنوات تليفزيونية، وكذلك مؤسسة صحفية تصدر عدة صحف ومجلات، فضلاً عن دور النشر التي تترجم إلى 35 لغة عالمية، بالإضافة إلى التمدد التعليمي خارج تركيا، حيث أنشأوا ألف مدرسة دولية تنشر العلم والخلق، بالإضافة إلي سلسلة من المستشفيات على أعلى مستوى.
ولأن القانون التركي لا يسمح بالوقف فقد أقيمت كل هذه المؤسسات على شكل شركات ليس من هدفها الكسب.
أما أهمّ ما أنجزه الرجل، فهو تكوين شبكة من الخيرين الذين مارسوا الإنفاق والبذل في سبيل صناعة الإنسان، فنمت أموالهم واستثماراتهم ببركة ما يفعلون، وأصبحوا نموذجاً ينضم إليه الأتراك ويتسابقون في البذل والمشاركة في الخير وهو إنجاز يستطيع أن يحمي تركيا ويعينها في حل مشاكلها خاصة مشاكل الفقر والبطالة ومواجهة الأزمات العالمية، بل أصبح هذا السلوك من العمد التي تعتمد عليها الدولة في بناء الإنسان التركي.
إن النموذج الذي رأيناه كفيل بحل مشاكل العالم الإسلامي وتحقيق النهضة والتقدم دون أن تصطدم أية مصالح بأية مصالح.
المصدر: جريدة "الجمهورية" المصرية، 2 يوليو 2009.
- تم الإنشاء في