إحياء عصر الصحابة في تركيا- ٢
الإصلاح في التربية والتعليم
اقتنع الأستاذ فتح الله كولن بأهمية العملية التعليمية والتربوية كعلاج أول وهام لكل أمراض المجتمع الأخرى. فالجهل آفة الآفات، والتطور الاجتماعي والثقافي والحضاري لكل أمة مرهون بالعملية التعليمية فيه؛ فكانت البداية لهذه الحركة بالتشجيع على إنشاء المدارس والداخليات والجامعات خاصة مع ما تعرضت له تركيا من أزمات اقتصادية حادة أثرت على مستويات التعليم والصحة مما اضطر الحكومة لفتح الباب للقطاع الخاص والأهلي للدخول في العملية التعليمية والصحية. وقاموا بحملة شهيرة لبناء المدارس والمستشفيات، ولكن المهم أن هذه الحملة اهتمت بحثّ الناس على الاهتمام بالجانب التربوي كما الجانب الاقتصادي. ومن هنا جاءت الفرصة لهذا التيار المتأثر بفكر الأستاذ فتخ الله أن يبدأ بناء سلسلة المدارس المتنوعة على امتداد الدولة التركية مستفيدا من البنية التحتية البشرية التي أعدها سابقا أيام فترة السكون. فكانوا هؤلاء هم المدرسون والتربويون الذين قامت بهم وعليهم نجاحات هذه المدارس.
وقد قمنا بزيارة لنماذج من هذه المدارس وتعرفنا على سياستهم التعليمية. وقد لاحظنا أولا أنها مبنية بأجمل الطرز المعمارية وبها أفضل تأثيث، بالإضافة إلى التجهيزات الكاملة للمَعامل والأنشطة الرياضية والثقافية. وقد تم تحديد سعة الفصول بحيث لا تزيد على 22 طالب وطالبة، وتحديد عدد أعضاء هيئة التدريس بحيث يكون مدرس لكل عشرة طلاب، ويكون التواصل بين المدرس والطلاب في كل مجالات الحياة. وهناك نشاطات خاصة بالآباء والأمهات، بحيث يكونون على اتصال دائم بنشاطات المدرسة وضمن العملية التعليمية والتربوية الخاصة بأبنائهم. وفي هذه المدارس يعتمدون على المناهج الحكومية المقررة، ولكن التميز الحقيقي يكون في كفاءة المدرس وحسه التربوي العالي، وكذلك النشاطات التي يمارسها الطلاب باختيارهم طوال الموسم المدرسي والصيفي بحيث يشب أبناء هذه المدارس على الصفات السابق ذكرها والتي تجمع بين الدين وحسن الخلُق وتقبّل الآخر، كذلك تقوم هذه المدارس بعمل برامج توأمة مع المدارس العامة الفقيرة وهي وسيلة تبغي التغلب على داء الفرقة والاختلاف داخل المجتمع التركي. كما أن الزيارات المتبادلة والتي يقوم بها الطلبة وأولياء الأمور تقلص الفجوة الشعورية والفكرية بين الطبقات وهو ما يرونه واجبا دينيا ووطنيا، ومن منطلق المسؤولية الإسلامية نحو الإنسان في العالم كله. فقد اتجهت هذه المشروعات نحو القارة الأفريقية ومناطق شرق آسيا والعالم العربي والغربي وصولا إلى أمريكا، حاملة معها أفكارها التنويرية المعتدلة.
ومن أجل إعطاء الفرصة للفقراء في تعليم أساسي جيد يجعلهم قادرين على المنافسة مع الأغنياء، فقد حاولوا من خلال نشاطاتهم الأخرى انْتقاء بعض الطلبة المتميزين ليتعلموا في هذه المدارس بالمجان، وقد بدأت هذه الخدمة تأتي ثمارها. فهؤلاء الأغنياء والقادرين الذين تعلموا في هذه المدارس وعلى هذه الأسس الإسلامية قد نمى لديهم الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين وتجاه المجتمع، فبدأوا في تمويل المنح الدراسية كل عام بالآلاف للطلبة الفقراء من كل أنحاء تركيا، وقد تغلبوا على مشكلة الأوقاف وإمكانية استيلاء الحكومات عليها بتولى التمويل القطاع الخاص، ولكن بروح الوقف.
هناك أيضا البيوت الداخلية التي يسكنها الطلبة المغتربين والمدارس التأهيلية لدخول الجامعات، فقد اعتنى القائمين عليها بتخريج أفضل الكفاءات العلمية مصحوبة بعملية تربوية واعية وهادءة في هذه المرحلة العمرية الحرجة، فاكتسبت ثقة الكثيرين من الشعب التركي باختلاف طوائفه، وقد أدركوا تماما أن أبناءهم لن يجبروا على اعتناق أي منهج فكري بعينه، ولكنهم سيحسنون الاندماج في مجتمعاتهم، وكلنا يدرك ما للقدوة الحسنة من تأثير في تربية النشئ.
ذهبنا بعد ذلك لزيارة جامعة الفاتح وهي جامعة خاصة أنشئت عام 1996 إستكمالا لجوانب العملية التعليمية والتربوية لهذه المدرسة الفكرية، ويطلقون عليها "الوجه اليافع والمشرق لتركيا" The bright and young face of turkey. هي جامعة وقفية متوافقة مع النظام المركزي التعليمي لتركيا، ولديهم الآن أكثر من 10000 طالب، وتحتضن أكبر عدد من الطلبة الأجانب الذين يقدمون لهم خصم 50% على المصروفات، وهو قرار استراتيجي من أجل أن تكون جامعة دولية تحقق اللقاء والتعايش الثقافي بينهم وبين العالم، ترتيبها 12 بين 115 جامعة تركية، والخامسة بين الجامعات الخاصة.. ويهدفون إلى أن تكون الجامعة الأولى في تركيا.. بها 7 كليات هي:
- كلية الطب، وتتبعها 3 مستشفيات كاملة التجهيز
- كلية الحقوق
- كلية الهندسة
- كلية الإقتصاد
- كلية الفنون والعلوم
- كلية لدراسة اللغات
- مدرسة عالية للتمريض
- وكلية التربية قريبا..
ولديهم مراكز بحثية متخصصة تقدم الخدمة للمجتمع كله مثل:
- مركز النانو تكنولوجي
- مركز التحكم الصناعي لتقديم أحدث التطورات في عالم التكنولوجي
- مركز التنمية التكنولوجية
- مركز لدراسة احتياجات السوق، ويقدمون الخدمات للتجار ورجال الصناعة وهو مركز فريد من نوعه في تركيا
وهم يهدفون لأن تكون جامعة دولية في مختلف المجالات وتتعامل مع مختلف الأعراق؛ وقد قاموا بإنشاء أول جامعة لهم في أفريقيا في أبوجا – نيجيريا، لتكون بداية الانطلاق نحو القارة الأفريقية. وقد حاولوا هناك دراسة احتياجات البلد حتى تتحقق أقصى فائدة ممكنة، فكانت مجالات الدراسة هناك هي الزراعة والاستغلال الأمثل للمياة، وأبحاث تكنولوجيا البترول، والهندسة المدنية الإنشائية للطرق والمباني والكباري.
وهم كعادتهم يتميزون بنوعية المدرّسين الذين يتعاملون مع الطلبة سواء في الفصول أو الأقسام الداخلية لإقامة الطلبة والذين يعتمدون المنهج التربوي الهادف لتخريج طالب جيد التعليم حسن الخلق يقوم بتصحيح صورة الإسلام والمسلمين حول العالم، لتكون صورة المسلم الحق وليس المسلم الذي يدخل المسجد ويخرج منه دون أن يكون له تأثير على العالم من حوله.
وهكذا فقد استعادوا ما أَمرنا به في القرآن والسنة من نشر الفكر الإسلامي والأخلاق الإسلامية دون النظر إلى الاختلافات بين البشر، ودون أن التمييز بين مؤمن وكافر. كانت فلسفتهم أن الإنسان المؤمن إذا أهمل قراءة الحياة وتطورات العلم، فإن هذا سيكون انحسارا كبيرا، فلْنحاول معا أن نفهم العالم كمؤمنين، وأن نقدم له شيئا جديدا.
المصدر: حزب الوسط الجديد، 15 يوليو 2009.
- تم الإنشاء في