أيـام الله فـي تركيـا (3)
- قراءة في تجربة الأستاذ فتح الله كولن وتيار الخدمة الإيمانية في تركيا
- 9 قنوات فضائية و 3 إذاعات و 30 مجلة و 30 دار نشر و 30 موقعًا الكترونيًّا، وصحيفة يومية كبرى، وأخرى أسبوعية يمتلكها التيار، تكوّن منظومة إعلامية متكاملة وعصرية لنشر مفاهيم الإسلام وبناء المجتمع المسلم
- المنظومة الإعلامية لتيار الخدمة الإيمانية تساهم في تحطيم الاحتكار الغربي لمصادر المعلومات
إذا كان نجاح تيار الخدمة الإيمانية في مجال التعليم بقيادة الأستاذ فتح الله كولن، يستحق أن ننحني احتراما له، فإن نجاحه الأكثر تميزًا وتأثيرًا يكمن في مجال الإعلام. فقد أدرك الأستاذ الداعية فتح الله كولن مبكرًا، وبحكم تجربته التربوية، وتفهمه لقضايا ومشكلات مجتمعه، إنه لم تعد الأسرة والمدرسة وحدهما عُنصري التربية الرئيسين للطفل والشباب، بل وللرجل والمرأة؛ فقد صار الإعلام هو الآخر شريكًا أساسيًّا في صياغة الإنسان، خاصة من حيث المفاهيم والقناعات والسلوك، مثلما صار الإعلام مؤثرًا حقيقيًّا على صناعة القرار، مثلما صار وسيلة أساسية من وسائل نشر الفكر والدعوة. ولأن الأستاذ فتح الله كولن داعية حريص على نشر دعوته، مثلما هو ابن عصره، كان لا بد له من أن يمتلك أدوات العصر، من هنا كان التوجه بأن يكون لتيار الخدمة الإيمانية وسائله الإعلامية، وهو التوجه الذي بدأ بدايات متواضعة تمثلت في مجلة "الرشْحة" (Sızıntı) لكنها بداية كانت تملك الإيمان والإصرار والوضوح، لذلك نجح التيار في خلق وامتلاك منظومة إعلامية متكاملة، تقف على رأسها مجموعة "زمان" التي يعمل بها أربعة آلاف موظف، منهم ستمائة وخمسون يعملون في المبنى الرئيس لجريدة "زمان" (Zaman) أكبر الصحف التركية وأكثرها انتشارا، إذ توزع يوميا 930 ألف نسخة، في حين أن الصحيفة الثانية في تركيا تطبع 430 ألف نسخة.
تعمل جريدة زمان وفق منظومة متكاملة؛ فهي تمتلك مبناها الأنيق المكون من سبع طبقات في إسطنبول، والذي يوفر للعاملين فيها كل سبل الراحة وأسباب الإبداع. بما في ذلك المطعم الفاخر، الذي يقدم الوجبة المجانية المميزة للعاملين في المجموعة. بالإضافة إلى المقصف الأنيق الذي يقدم كل أنواع المشروبات الحلال، والحلويات للعاملين وضيوفهم. بالإضافة إلى امتلاكها للمطبعة العملاقة ولشبكة التوزيع، ومنافذ التوزيع التي تغطي كل الأراضي التركية، حيث يتم تسويق جريدة زمان على قاعدة الاشتراك بهدف بناء علاقة حميمة مع الأسرة. تحقيقا لهدفها الرئيس، وهو تقديم حلول إسلامية للمشاكل التي يواجهها المجتمع. كما تقوم بإصدار ملاحق دراسية للطلبة. ويأتي ذلك كله انسجاما مع فلسفة تيار الخدمة الإيمانية وفي خدمة المجتمع وإصلاحه من خلال العمل النافع وفق رؤية الإسلام التي هضمها مربي التيار الداعية فتح الله كولن.
وتصدر صحيفة زمان عددًا أسبوعيًّا ضخمًا وشاملاً كل يوم أحد. كما تصدر صحيفة يومية باللغة الانجليزية يقبل عليها الدبلوماسيون وأبناء الجاليات الأجنبية العاملون في تركيا. تقوم السياسة التحريرية لجريدة زمان، على نقل الحقيقة كما هي للمجتمع التركي، الذي تحرص على نقل تطلعاته ومشاكله، عبر صفحاتها. لذلك فإنها تنقل للقارئ جانبي الصورة الايجابي والسلبي، بعيدا عن أسلوب الإثارة البعيد عن الواقعية والمهنية. كما أنها تستخدم لغة مفهومة للقارئ، سعيا منها لإعادة الأصالة للغة التركية، التي جرت محاولات لتجريدها بكل ما يربطها بالإسلام والمسلمين. وزمان صحيفة رغم أنها تواكب حركة التغيير في المجتمع التركي وتساهم فيها، فإنها تبتعد عن الخندقة السياسية.
وتصدر عن مجموعة زمان أيضًا مجلّة أكاديمية صحفية اسمها "زمان تركيا" (Today’s Zaman)، تصدر مرة كل شهرين بالإضافة إلى مجلة "الأكسيون" (Aksiyon)، وهي أكبر مجلة إخبارية في تركيا توزع 55 ألف نسخة.
بالإضافة إلى الصحف والمجلات المطبوعة، فإن مجموعة زمان تمتلك وكالة جِهَان الإخبارية (CHA). وهي وكالة أنباء تبث يوميا أكثر من 500 خبرٍ مكتوبٍ. بالإضافة إلى مائة خبرٍ تلفزيوني. وأكثر من مائة صورة. وهي بذلك تعتبر أكبر وكالة أنباء خاصة في تركيا. ولها مكاتب رسمية في 39 دولة. بالإضافة إلى مراسلين في ستين دولة. وفي إطار سعيها إلى تغطية كل دول العالم فإنها تعمل على عقد اتفاقيات تعاون مع معظم وكالات الأنباء الأخرى، في العديد من دول العالم. وجِهان تبث أخبارها باللغات التركية والعربية والإنجليزية والروسية. وهي بذلك تساهم مساهمة عملية في تحطيم الاحتكار الغربي للاخبار وصناعتها والمعلومات ومصادرها.
لا يتوقف الجهد الإعلامي لتيار الخدمة الإيمانية، الذي أسّسه الداعية فتح الله كولن عند مجموعة "زمان"، فهناك أيضًا مجموعة "قَينَق" للنشر (Kaynak)، والتي هي بدورها منظومة فكرية متكاملة بدأت بمجلة "الرشحة" (Sızıntı) التي بدأت صدورها قبل ثلاثين عامًا، بهدف تربية جيل على أساس علمي إيماني، باعتبار أن كل ما في الكون آية من آيات الله في العلوم، وقد صار لـ"الرشحة" الآن أكثر من ثلاثين أُختا، هي مجلاّت تصدر بعدد من اللغات من بينها مجلة "حراء" التي تصدر باللغة العربية، مثلما أن من بينها مجلات متخصصة بالطفل والمرأة..الخ. بالإضافة إلى مجموعة المجلات، التي تُصدرها مجموعة "قَيْنَق". فإنها تمتلك ثلاثين دارًا للنشر، تصدر شهريًّا ستّين كتابًا بلُغات مختلفة، منها العربية. كما تمتلك المجموعة ثلاثين موقعًا الكترونيًّا، بلغات مختلفة. كما تصدر كتبًا مدرسية متطورة.
إضافة للإعلام المكتوب والالكتروني، فقد نجح تيار الخدمة الإيمانية الذي يستلهم روح وتوجيهات الأستاذ فتح الله كولن، في تأسيس منظومة إعلام مرئي ومسموع، تجسده مجموعة "درب التبّانة" (Samanyolu) التي تمتلك تسع قنوات تلفزيونية، وثلاث إذاعات مسموعة. وهذه المجموعة بدورها تتحدث بلغات مختلفة. ولدَيها قنوات متخصصة. مثلما أنها نجحت في اقتحام مجال الدراما؛ فأنتجت العديد من المسلسلات الهادفة. غير أن التحدّي الكبير الذي نجحت فيه مجموعة "درب التبانة" أنها انطلقت وهي تفتقر إلى الكوادر البشرية المدرّبة، غير أنها وبعد خمس سنوات من انطلاقتها صارت ترفد السوق التركي بالكوادر الفنية المدربة.
غير تفوقها الإعلامي، فإن مجموعة درب التبانة تجسد أيضًا حالة التحدي، والتفاف الناس حول المشاريع الرسالية. فأثناء الأزمة الاقتصادية التي مرت بها تركيا عام 1995 برزت روح التضحية لدى العاملين في المجموعة، الذين قبلوا بتخفيض رواتبهم، بل وبعدم استلامها لفترات طويلة، حفاظًا على المشروع الرسالي، الذي آمنوا به. أما في أزمة عام 2000 الاقتصادية، والتي هددت المشروع بالإغلاق، فقد تدافع الناس من أبناء تيار الخدمة الإيمانية للتّبرع بما يملكون للمحافظة على مشروعهم الرسالي، حتى لقد تبرعت النساء بمصاغهن للحفاظ على استمرارية المشروع.
غير أن من أعظم ما تتميز به المنظومة الإعلامية لتيار الخدمة الإيمانية، أنها رغم التزامها بتعليم الإسلام الحنيف، ورغم اتصافها بكل صفات الإعلام الرسالي، الذي يؤمن بأن الإعلام وسيلة أساسية لإحداث الإصلاح في المجتمع، رغم ذلك كله فإنك لا تجد في المنظومة الإعلامية للتيار ذلك التجهم وسوء الإخراج الذي تجده عادة في الوسائل الإعلامية المصنفة على أنها إسلامية. مثلما لا تلمس فيها ذلك الوعظ الغليظ المنفّر الذي تجده في الكثير من الوسائل الأخرى.
بالإضافة إلى المؤسسات المهنية الإعلامية المرتبطة بتيار الخدمة المدنية فقد أقام التيار جمعية للصحفيين والكتاب من أبناء التيار تعتبر واحده من أنشط الأطر الصحفية والإعلامية والفكرية في تركيا. مثلما تتعاون الجمعية مع مثيلاتها من النقابات والجمعيات الصحفية والأدبية في العالم. ولها مؤتمرات وندوات في مجال حوارات الثقافة والأديان وغيرها من المناشط الثقافية والفكرية.
للحديث صلة..
المصدر: جريدة "اللواء" الأردنية، 3 مايو 2011.
- تم الإنشاء في