الفصل الرابع: التعليم بين كولن وكونفوشيوس وأفلاطون
انتهى الفصل الأخير بسؤال عن أصل "الأفراد المتفوقين" أو "الملوك الفلاسفة" أو "ورثة الأرض"، وهي التسميات التي استخدمها كل من كونفوشيوس وأفلاطون وكولن على الترتيب لوصف تصوراتهم عن الإنسان المثالي الذي ينبغي أن يقود المجتمع أو يؤثر فيه إذا أريد له أن يكون مجتمعًا صالحًا وعادلاً. ولكن أين هم هؤلاء الناس؟ كيف نصل إليهم؟ أين نجدهم؟ بالطبع الجواب واضح إن لم يكن مطمئنًا: إننا هم، أو ينبغي أن نكون هم. إن هدف هذه الفلسفات الثلاث كلها هو أن يجسد الناس جميعًا المثالية الإنسانية في أنفسهم قدر الإمكان، إلا أن عبارة "قدر الإمكان" تعني التسليم بأن الكثير من الناس -بل ربما أغلبهم- لن يصلوا إلى هذا المستوى العالي للإمكانيات الإنسانية. فكما رأينا في بداية الفصل السابق، أشار كل من كونفوشيوس وأفلاطون وكولن بوضوح إلى الفارق بين الأعمى والبصير، بين جموع العامة الذين يتوقفون عند الحقائق الدنيوية والقلة التي تسعى وراء ما هو أكثر سموًا وارتقاءً. وعليه، فرغم أن الجميع لديهم إمكانية أن يصبحوا أفرادًا مثاليين بفضل طبيعتهم البشرية المتأصلة، فإن أكثرهم لن يفعلوا أو على الأكثر سيصبحون كذلك بشكل جزئي أو تدريجي.
وبالنسبة لمن يحققون "الإنسان المثالي"، يبقى السؤال: كيف فعلوا ذلك؟ ما هي السبل أو الآليات التي وضعتهم في موقف مكنهم من تهذيب أنفسهم إلى هذه الدرجة؟ تأتي الإجابة واحدة من الفلاسفة الثلاثة المشاركين في المحاورة: عن طريق التعليم. فالتعليم هو القاعدة العامة التي ترتكز عليها أيّ جهد لتحقيق الإنسانية الكاملة أو المثالية. ويقدِّم كلٌّ من كونفوشيوس وأفلاطون وكولن نظريات محددة في التعليم كجزء من الرؤية الحياتية لكلٍّ منهم، إلى درجة أنهم يقولون: إنه من دون العنصر التعليمي فإن صرح النظام بأكمله سينهار، بل والأكثر من ذلك أن كلاً منهم يحدد نوعًا معينًا من التعليم هو الذي سيحقق أقصى إمكانية للحصول على نوعية التهذيب للشخصية الإنسانية التي يسعى إليها كلٌّ منهم. باختصار، يتفق كونفوشيوس وأفلاطون وكولن على أن التعليم القوي والموجه هو حجر الزاوية في تنمية الإنسان المثالي الأرقى، ومن ثم يجب صياغة الأطر الاجتماعية في الأساس حول آليات ذلك التعليم حتى يتمكن المجتمع من تكوينِ أعلى وأفضل زعمائه من داخله هو.
وكما رأينا في الفصل السابق، تُعتبر الكونفوشية نظرية اجتماعية سياسية بقدر ما هي فلسفة دينية أو أكثر من كونها فلسفة دينية. وفي سياق إبرازه للفارق بين عامة الناس من ناحية و"الإنسان المتفوق" أو "النبيل" من ناحية أخرى، يطرح كونفوشيوس رؤيته بأن ذلك التناغم في الحياة الاجتماعية والسياسية الإنسانية يحصل عندما يتولى الأفراد المتفوقون الحكم. ومنذ ذلك الطرح عاشت الكونفوشية في الصين عبر القرون كنظرية فلسفية للتنمية الاجتماعية والسياسية تُعلم الناس وتؤهلهم لتَولي مختلف مستويات العمل الحكومي وصولاً إلى كبار مستشاري الإمبراطور. إلا أن كونفوشيوس كان مهتمًا بالناس ككل وبالمجتمع ككل، وليس بالحكام المنتظَرين فحسب. ويبين ديفيد هينتون (David Hinton) في مقدمة ترجمته لكتاب "المقتطفات الأدبية" أن الطقوس بالنسبة إلى كونفوشيوس تتضمن ما هو أكثر بكثير من مجرد الحديث بأدب إلى الأكبر سنًا أو ارتداء اللون المناسب أثناء موسم العيد، إذ تشمل أيضًا اتخاذ الوضع الملائم داخل شبكة العلاقات الاجتماعية التي تغطي الحياة الإنسانية كلها، مثل العلاقات مع الوالدين، والأشقاء، والأقارب الأكبر سنًا، والسلطات الإمبراطورية، والنصوص التاريخية القيمة، وغير ذلك. إذن فحياة الـ"لي" (li) -أو مواءمة الطقوس والشعائر- بهذا المعنى تتضمن مجموعة واسعة من مبادئ المساواة التي اهتم بها كونفوشيوس كثيرًا، مبادئ مثل العدالة الاجتماعية والحكم وفقًا لما هو خير للمجتمع (وليس للحاكم فقط)، والدور الذي يلعبه المفكرون في توجيه المجتمع ومحاسبة حكامه. يقول هينتون:
"بالنسبة لكونفوشيوس، يتوقف مجتمع الطقوس على عناصر المساواة هذه، والتي تتوقف في النهاية على تعليم أفراد المجتمع وتهذيبهم. ويعتبر تقليلاً من شأن كونفوشيوس إذا وصفنا إسهاماته في هذا الجانب بالتاريخية، فقد كان أول معلم مهني حقيقي في الصين، حيث أسس لفكرة التعليم الأخلاقي العام، كما وضع النصوص الكلاسيكية التي حددت المحتوى اللازم لذلك التعليم، ولم يكتف بهذا بل وضع المبدأ الخالد للمساواة في التعليم، وأن كل الناس يجب أن يتلقوا شكلاً ما من التعليم؛ لأن هذا ضروري لصحة المجتمع الذي يتمتع بالأخلاق. وقد ركز انتباهه على تعليم المفكرين، فأعطاه أهمية أكبر بكثير من تعليم العامة، ولكنه ظل يؤمن بأنه حتى هذا التعليم يجب أن يتوافر لأي فرد يسعى إليه، مهما تواضع أصله ومنشأه، ذلك أن السيد/ المعلِّم [كونفوشيوس] نفسه لم يكن وحده من خلفية متواضعة نسبيًا، بل إن كل حوارييه كانوا كذلك أيضًا".([1])
فاهتمام كونفوشيوس بالتعليم هو في الحقيقة اهتمام بالإنسان، بالبشر في ذاتهم وفي مجتمعهم، بالروح الإنسانية (Humaneness) التي هي أهم فضيلة أخلاقية تحدد معنى أن يكون الإنسان إنسانًا وترسخ مجتمعًا مستقرًا وصالحًا. وبدون هذا التطور المهم لن يَصلح المجتمع، لأن الناس الذين يتكون منهم ذلك المجتمع لا يتصرفون بالمستوى الذي يُعتبر "إنسانيًا".
ويشير المتابعون من داخل التراث الصيني وخارجه عادةً إلى أفراد كونفوشيوس المتفوقين باعتبارهم "علماء" (Scholars)، وذلك بسبب النظام التعليمي والتربوي الصارم الذي كان يتعين عليهم إتقانه للوصول إلى أي رتبة في وظائف الخدمة المدنية. هذا إلى جانب أن كونفوشيوس كان يَعتبر التعليم شيئًا محوريًا بالنسبة للفضيلة، حيث يقول في كتابه "المقتطفات الأدبية":
سأل المعلِّم [كونفوشيوس]: "هل سمعت بالإدراكات الست وضلالاتها الست؟" أجاب الخبير ليو: "لا". قال المعلِّم: "إذن اجلس وسأخبرك. أن تحب الإنسانية دون أن تحب التعلم، وهذا هو ضلال الحماقة. وأن تحب الحكمة دون أن تحب التعلم، وهذا هو ضلال التسلية. وأن تحب الإخلاص دون أن تحب التعلم، وهذا هو ضلال الذريعة. وأن تحب الحق دون أن تحب التعلم، وهذا هو ضلال التعصب. وأن تحب الشجاعة دون أن تحب التعلم، وهذا هو ضلال الفوضى. وأن تحب قوة العزيمة دون أن تحب التعلم وهذا هو ضلال التهور".([2])
هنا، يوضح كونفوشيوس أن الكفاح لتحقيق أي فضيلة في الحياة وتقديمَ الخدمات بدون تعلم، ليس إلا مجموعة من الضلالات والأوهام، فالفضائل بطريقة ما لا تصبح فضائل دون أن يصحبها -أو تكتسب عن طريق- التعليم أو التعلم. وفي موضع آخر من كتاب "المقتطفات الأدبية"، يقول كونفوشيوس: "قضيت أيامًا دون طعام وليالي دون نوم على أمل الوصول إلى نقاء الفكر وصفاء العقل، لكن ذلك لم ينفع كثيرًا، فهذا كله لا يساوي شيئًا بجانب الدراسة المخلصة".([3]) فالدراسة والتعلم المخلصان ينميان فضيلتَيْ طهارة القلب والعقل، أما ممارسات التنسك التقليدية مثل الصوم أو الحرمان من النوم فهي غير مجدية.
فأفراد كونفوشيوس المتفوقون أو النبلاء كانوا تلامذة وممارسين متميزين لما سمي لاحقًا "الكلاسيكيات الكونفوشية" (Confucian Classics) أو "قانون الأدباء" (Canon of the Literati)، وقد توسعت النصوص التي تضمنها هذا القانون بمرور الوقت، لكن الجزء الأقدم والأكثر قيمةً فيه والذي يحمل غالبًا عنوان "الكتاب المقدس" (Scripture) يتضمن خمسة نصوص: "شو تشينج" (Shu Ching - أي كتاب التاريخ)، و"شيه تشينج" (Shih Ching - أي كتاب الأغاني)، و"يي تشينج" (Yi Ching = أي كتاب التغييرات)، "تشون تشيو" (Chun-Chiu أي فصول الربيع والخريف)، و"لي تشينج" (Li Ching - أي كتاب الطقوس).([4]) وقد كان أفراد كونفوشيوس المتفوقون علماء أهّلهم إتقانهم لمحتوى هذه النصوص وغيرها لأن يكونوا جديرين بالعمل كمسؤولين حكوميين، وحكام أقاليم، ومستشارين للإمبراطور. وتُقدم النصوص المختلفة لقانون كونفوشيوس درسًا شاملاً عن تهذيب الشخصية بالفضائل الكلاسيكية من روح إنسانية ولياقة وتعقل واستقامة وأخلاق قويمة وتدبير في الإنفاق وبر بالوالدين وحب للخير وانضباط وإخلاص، كما كانت هذه النصوص تُكسب البراعة في الموسيقى والشعر وغيرها من المعارف. فنقرأ في كتاب "المقتطفات الأدبية":
قال المعلِّم [كونفوشيوس]: "كيف لم يدرس أيٌّ منكم ’الأغاني‘ يا صغاري؟ بالأغاني يمكنكم أن تُلهموا الناس وتُوجهوا نظرهم إلى دواخلهم، وأن تجمعوا بين الناس وتجعلوا لشكواهم صوتًا. وبالأغاني تخدمون أباكم عندما تكونون بالمنزل، وتخدمون سيدكم عندما تكونون بعيدًا، وبها تتعلمون أسماءَ ما لا يحصى من الطيور والحيوانات والنباتات". ثم قال المعلِّم لابنه بويو: "هل قرأت "التشو نان" (Chou Nan) و"شاو نان" (Shao Nan) [أول فصلين في كتاب الأغاني]؟ إلى أن تنتهي منهما على الأقل، فإنك ستعيش كما لو كنت تقف في مواجهة حائط".([5])
نرى هنا أن إجادة كتاب الأغاني -أي الموسيقى والشعر- تعد أمرًا حيويًا بالنسبة لتنمية الذات والقيادة وخدمة العائلة والإمبراطور، وبدون هذه التربية تصبح الحياة مثل "الوقوف في مواجهة حائط". ويبدو التشابه مع قصة أفلاطون عن الكهف واضحًا هنا، فبدون إجادة الأقسام الأولى على الأقل من كتاب الأغاني يصبح الإنسان المتفوق المنتظر مثل أحد سكان كهف أفلاطون، ثابتا في موضعه يحدق في الحائط الذي تنعكس عليه الظلال كما لو كان منتهى الحقيقة. وبالدراسة فقط يتمكن المرء من الابتعاد عن الحائط والتوجه نحو نور المعرفة. فمن لديهم المعرفة هم وحدهم القادرون على تلبية حاجة المجتمع إلى أسر قوية متماسكة، وحكام صالحين، وإمبراطور مستنير بالنصح والمشورة، وبدون تلك الأمور ينحدر المجتمع إلى الفوضى.
وقد أفرز النهج التربوي المبني على الكلاسيكيات إجادة لما هو أكثر من مجرد علوم الحكم، فالتعليم عند كونفوشيوس لم يكن بهذا التعريف الضيق. فكما يتبين حتى من عناوين الكلاسيكيات نفسها، كان علماء كونفوشيوس مدرَّبين على مجموعة متنوعة من العلوم كالشعر والموسيقى والتاريخ والطقوس -وهو أمر قد يبدو ظاهريًا غير جوهري بالنسبة لتعلم نظم الحكم الصالح- كما كان هؤلاء العلماء موسيقيين بارعين يعزفون على مختلف الآلات الموسيقية، وكانوا بارعين أيضًا في نظم الشعر وإلقائه، وكانوا خطاطين ماهرين جدًا، وهذه مجرد عينة من مجالات خبرتهم واطلاعهم. وتَرى النظريةُ الكونفوشية أن مثل هذا التعليم والتدريب يهذبان الشخصية بشكل مركب ومرغوب، ونحن نرى تلميحًا إلى هذا في إحدى فقرات كتاب "المقتطفات الأدبية":
قال المعلِّم: "عندما أكرر دائمًا: الطقوس الطقوس، هل تعتقد أنني فقط أتشدق بالكلام عن الحرير والأحجار الكريمة؟ وعندما أكرر الموسيقى الموسيقى، هل تعتقد أنني فقط أتحدث عن الطبول والأجراس؟"([6])
الشاهد هنا هو أن هناك ما يتم تعليمه أكثر من مجرد آليات الطقوس أو الموسيقى. صحيح أن الطقوس والموسيقى لهما قيمة أصيلة تشجَّع وحدها على دراستهما وإتقانهما، لكن كونفوشيوس يقول هنا: إن إتقانهما يحقق شيئًا إضافيًا أبعد من مستوى اللياقة في الملبس أو العزف على الآلات. وتتضمن الفقرة السابقة عن كتاب الأغاني طرحًا مماثلاً، وهو أنَّ تعلم الموسيقى يمنح تعليمًا أبعد من مجرد أداء الأغاني أو تاريخ التراث الموسيقي.
هنا، نرى لمحة من أقوال كونفوشيوس عن الطبيعة البشرية وأعماقها، فإتقان الموسيقى والشعر والطقوس يؤدي تلقائيًا إلى إتقان الآلات والكلمات والتصرفات، مما يكون بالتأكيد مفيدًا في حد ذاته. ولكن على مستوى أعمق، يؤدي إتقانُ هذه الأمور إلى تنمية نزعة إنسانية في الشخصية وهذا هو الأهم؛ فالموسيقى تنير جانبًا من الروح الإنسانية لا يستطيع أيُّ شيء آخر إنارته، وامتلاكُ حس مرهف في تذوق الموسيقى وعزفها يتطلب مستوى رفيعًا وراقيًا من التهذيب لذلك الجانب الأعمق في الطبيعة البشرية. والشيء نفسه ينطبق على الشعر أو فن الخط، فكلاهما يتطلب قدرات عالية ورفيعة من الإدراك والتعبير، سواء على مستوى آليات تحريك اليد أو استخدام الصوت أو حتى على مستوى الروح.
هذا هو الشاهد عند كونفوشيوس: أن الأفراد المتفوقين يصبحون أفرادًا متفوقين من خلال تهذيب تلك الملَكَة الغضة والنقية وتنميتها بداخلهم، وهي ملَكَة يشتركون فيها مع كل البشر، ولكنهم وحدهم بتعليمهم وانضباطهم نجحوا في أن يجسِّدوها في أنفسهم. ومع تنميتهم لأنفسهم في تلك الجوانب يزداد تأثيرهم في الآخرين، لأن جميع البشر -سواء مهذبين أم غير مهذبين- لديهم طبيعة تتجاوب مع الموسيقى وغيرِها من أشكال الجمال. وكما تُبين الفقرة السابقة، فإن الموسيقى تحفِّز الناس للنظر بداخلهم والتوحد مع الآخرين والتعبير عن مشاعرهم، وهذا هو ما يبعثه العلماء داخل الناس بإلهامهم ووعيهم الموسيقي، وتشمل هذه القوة الإلهامية جزءًا من الـ"تي" التي تناولناها في الفصل السابق.
وقد مَثَّل رجالُ كونفوشيوس المتفوّقون الإنسانَ المثقّف والإنسان المثالي الأخلاقي للفكرِ الصينيِ على مدى قرونِ، إلى عصر الرئيسِ "ماو" والشيوعية. ، وقد قام هؤلاء المثاليون بتعريف الإنسانية الحقة في أسمى وأجل صورها، أدبيًا وأخلاقيًا، وكانت صورتهم هي صورة الرقي العقلي والفني وكمال الشخصية وأناقة المظهر والسلوك والجمال الأخلاقي اللامتناهي، وقد وصلوا إلى هذه الدرجة بالدراسة المخلصة والممارسة الدؤوبة، أي بجهودهم الفردية. فالعديد من المذاهب الإنسانية -مثل هذا المذهب- تعطي أولوية لما يستطيع البشر تحقيقه بجهودهم الفردية، في مقابل ما يحققونه بتوفيق من الله أو بالقضاء والقدر. ويخبرنا كونفوشيوس أن الفطرة البشرية واحدة لدى الجميع، وما يميز الناس عن بعضهم في النهاية هو ما يقومون به من دراسة وممارسات بمفردهم وبقوة عزيمتهم. فهؤلاء الناس هم الأحق بلقب "الأفراد المتفوقون"، أما غيرهم ممن لا يبلغون هذه الدرجة فينبغي أن يشعروا بالامتنان لأن هؤلاء الأفراد المتفوقين يحكمونهم ويقدمون لهم القدوة في الحياة والسلوك الإنساني السليم. ويرى كونفشيوس أن شخصية الإنسان المتفوق يكون لها نوع من التأثير الأخلاقي على المحيطين به فيجعلهم يشعرون برغبة في القيام بأعمال نبيلة أو على الأقل الامتناع عن الأعمال السيئة، فهم أناس لا يرتقون بحياتهم الشخصية فحسب بل يرتقون بالحياة نفسها لكل من حولهم عن طريق القدوة وسلطة الحكم، ومع التجسيد العملي للإنسان المثالي في الحياة الاجتماعية والسياسية فإن هذا يكون إثباتًا لقوة التعليم والتهذيب وأثرهما في الحياة الإنسانية.
ولو أن رجال كونفوشيوس المتفوقين انتقلوا عبر الزمان والمكان إلى جمهورية أفلاطون الفاضلة، لوجدوا ترحيبًا وتشجيعًا على أن يأخذوا أماكنهم بين الوصاة الذين تحدث عنهم سقراط، فكلا هاتين الصورتين للإنسان المثالي -كما رأينا في الفصل السابق- تتضمن تنمية أخلاقية عالية وحرصًا على إفادة المجتمع عن طريق تولي الحكم، كما يجمع بينهما أيضًا الاعتقاد بأن من تثبت صلاحيتهم للحكم هم وحدهم من ينبغي أن يحكموا. لذا فإن النموذج السياسي الذي تُقدمه هاتان الفلسفتان يقوم على أساس الكفاءة والجدارة، في مقابل الأرستقراطية القائمة على الحسب والنسب. فمن لديهم الجدارة ينبغي أن يكونوا حكامًا، ومن لا يتمتعون بها ينبغي أن يكونوا محكومين، أو مساعدتهم على حكم أنفسهم. وتتحدد الجدارة من خلال النظام التعليمي، لذا نجد أن السبيل إلى الوصاية في جمهورية أفلاطون الفاضلة -كما هو السبيل إلى العمل الحكومي في الكونفوشية- يتطلب مستوى كبيرًا من التعليم والتثقيف الرسمي والمنهجي.
وتتوزع أفكار سقراط عن التعليم الخاص بالوصاة -وكذلك كل الأدوار الأخرى في المجتمع المنظم- عبر صفحات كتاب "الجمهورية" (The Republic)، فيَعرض الجزءان الثاني والثالث محاوراتٍ مطولة عن عناصر معينة في المناهج التعليمية، وتتناول الأجزاء التالية المنافع الأخلاقية لتعليم الرياضيات، ثم تُوضح مفهوم سقراط عن حكم أهل الخبرة والجدارة مقارنةً بأربعة أشكال أخرى سيئة من الحكم، وهي التيموقراطية (Timocracy-أي حكم الأثرياء) والأوليجاركية (Oligarchy-أي حكم القلة) والديمقراطية الراديكالية، والاستبداد. ولسنا هنا في معرض طرح كل هذه التقسيمات وتفسيرها بالتفصيل، لكننا سنوجز فكرة سقراط الأساسية عن الدولة المنظَّمة والوصاة الذين يحكمونها وكيف أنه ينبغي اكتشاف هؤلاء الوصاة وتأهيلهم كوصاة من أجل خير المجتمع ككل. وربما تكون أفضل نقطة للبدء منها هي "أسطورة المعادن" (Myth of the Metals) في الجزء الثالث.
يشير علماء الدين إلى "أسطورة المعادن" على أنها تعكس نظرية أفلاطون: "الوظيفية في الدين"، والتي تعني أن الأسطورة والقصة الدينية تُقدم وظيفة مفيدة في المجتمع سواء كانت صحيحة واقعيًا أو تاريخيًا أم لا، "فالحقائق" التي تحملها الأسطورة أو القصة هي حقائق ميتافيزيقية أو فلسفية تسود وتنتشر رغم افتقارها للواقعية في القصة نفسها. وقصة المعادن لسقراط هي أسطورة خيالية رائعة تعبر عن حقيقة فلسفية عن الواقع، وهي في حالتنا هذه الفروق في المواهب والقدرات الإنسانية، أو ما يشير إليه سقراط بـ"قدرات الناس الطبيعية". تقول الأسطورة: جميع البشر يأتون من مصدر واحد وهو أمنا الأرض، غير أن الآلهة وَضعت معادن الذهب والفضة والحديد في باطن الأرض بحيث يكون البشر رغم مجيئهم من نفس المصدر متفاوتين عن بعضهم البعض بحسب ما يحتويه كلٌّ منهم بداخله من الذهب أو الفضة أو الحديد، فبعض الناس "يحتوون على" أو "يتكونون من" الذهب، في حين يكون معدن غيرهم فضة أو حديدًا. وهكذا، فإن الأسطورة تعبر بأسلوب قصصي عن حقيقةٍ تحدث في الواقع الإنساني. فذلك المزيج من المعادن في نسيج الإنسانية المشترك يعني أنه من المرجح أن ينجب الوالدان ذرية من "ذهب" إذا كانا هما من "ذهب"، لكنهما أيضا ربما ينجبان نسلاً من "الفضة أو "الحديد". فلا يوجد ضمان بأن الذهب يلد ذهبًا، أو أن الفضة تلد فضة، بل قد يلد الذهب فضة والحديد ذهبًا. وفي تقسيم سقراط، يوجد الذهب في طبقة الوصاة، والفضة في طبقة الجنود، والحديد في طبقة الحرفيين والفلاحين، وكل طبقة من هذه الطبقات لها دور ضروري وتُشكِّل جزءًا من كيان المجتمع بأكمله، لكنَّ هناك تسلسلاً هرميًا داخل ذلك التكوين الأساسي القائم على المساواة، وهو أن الذهب يجب أن يحكم بقية المعادن بما فيها الذهب نفسه، فالذين يُظهرون خصائص الذهب فقط هم الذين يجب أن يحكموا، والذين يظهرون خصائص الفضة أو الحديد يجب أن يؤدوا المهام الاجتماعية التي تناسب هذين المعدنين، وبالتالي يجب تنظيم المجتمع على أساس المعادن الموجودة في كل شخص، بحيث لا يوضع من يظهرون خصائص الذهب في مهن الحديد أو من لديهم خصائص الحديد في مهن الذهب، وتأتي الفوضى من وضع الناس في مناصب أو أعمال أو مسؤوليات لا تلائم شخصياتهم أو طبائعهم المتأصلة. فينبغي تمييز معادن الناس الطبيعية -أي مواهبهم وقدراتهم الطبيعية- وتهذيبُها بالشكل الملائم من أجل تنظيم المجتمع تنظيمًا سليمًا،([7]) وهذا يتم عن طريق التعليم.
وفي مختلف صفحات كتاب "الجمهورية"، يتحدث سقراط عن التدقيق والاختبار الذي يجب أن يتم للناس حتى يستطيع الـمُشْرفون تحديد "معدنهم" أو -بعد تحديده- تنميةَ ذلك "المعدن" وصقلَه إلى أقصى درجة. ويتلخص هذا في أن يتلقى كل شخص تعليمًا أساسيًا، ثم ينتقل في النهاية إلى الدراسات المتخصصة بعد أن تكون شخصيته وقدراته الطبيعية قد اتضحت وتبلورت. وفي كل مستوى يتلقى الناس التعليمَ المخصَّص لإظهار الإنسانية المثلى وتنميته فيهم والتعبير الأكمل عن معدنهم. وأفضلُ تعليم هو أيضًا ذلك الذي يحقق التوازن بين الروح والجسد، إذ يوضح سقراط في الجزء الثالث أن من يتلقون تدريبًا مفرطًا في الموسيقى والشعر على حساب التدريب البدني أو الرياضي يصبحون مائعين وضعفاء وواهني العزيمة، وبالعكس من يتلقون التربية الرياضية وحدها دون تهذيب أرواحهم لتذوق الجمال يصبحون عدوانيين ويتعاملون مع أي موضوع بالعنف والهمجية.([8]) فالبشر لهم جوانب متعددة ويجب تربيتهم حتى يبلغوا أقصى إمكاناتهم كبشر وككائنات ذات مواهب أو "معادن" معينة تتفرد بها.
وبالطبع، فمن يمتلكون مواهب الوصاة يتلقون أعلى وأصعب مستوى من التعليم، لأن مسؤولية حكم الدولة بأكملها تقع على عاتقهم. وقد خَصص سقراط معظم الجزأين الثاني والثالث لمناقشة نوعية التعليم الذي يجب أن يتلقاه الوصاة، وهما من أكثر الأقسام إثارة للجدل في كتاب "الجمهورية"، حيث ينادي سقراط بمنهج تربوي صارم ومحكم للوصاة يبدو دكتاتوريًا ومقيِّدًا للحرية بالنسبة للكثيرين ممن يعيشون في الغرب الآن. ويقول سقراط في هذه الأقسام: إن الوصاة يجب ألا يتعرضوا لبعض أنواع الأدب والموسيقى والكتابة المسرحية لأنه من شأن هذه المجالات أن تخلق بعض الخصائص في الروح تؤدي في النهاية لإضعاف قدرة الوصاة على إدراك الخير والحكم بشكل سليم. والكثيرُ من الأعمال الكلاسيكية الإغريقية -مثل أعمال هوميروس وهسيود- لم يكن مسموحًا بتدريسها للوصاة؛ لأنها تمتدح أبطالاً مثل أخيل أو حتى الآلهة في تصرفات غير إيجابية. وبعض الأدوار في الأعمال الدرامية كانت تُعد تجاوزًا بالنسبة للوصاة المستقبَليين؛ لأن أداء مثل هذه الأدوار في عمل مسرحي يتضمن تقليدَ أو محاكاةَ سلوكيات غير أخلاقية أو مثيرة للجدل مما قد ينمي في أرواحهم استعدادًا لمثل هذه السلوكيات. فأرواح الوصاة يجب حمايتها وتهذيبها بعناية منذ الطفولة المبكرة حتى تُغرس في أعماقهم قيم الخير والجمال والنظام والعدل، لأن دورهم كوصاة يتطلب تلك النوعية من الروح. وينبغي توجيه كل الاهتمام لخلق تلك الملكة فيهم منذ البداية والحفاظ على استمرارها بعد غرسها فيهم. وفي الجزء الثاني، يقول سقراط عن الأوصياء الشباب: "في هذه السن الغضة يكونون أكثر حساسية ويمكن التأثير عليهم بشكل أكبر، وبالتالي يكونون أكثر احتمالية لتبني أي نماذج توضع أمامهم".([9]) وفي موضع لاحق، يدافع سقراط عن منع بعض أنواع الشعر وأشكال التعبير الفني الأخرى، فيقول:
"بهذه الطريقة يمكننا حماية الوصاة من الترعرع وسط الشرور في مرعى من الأعشاب السامة يؤدي التغذي منه رويدًا رويدًا ويومًا بعد يوم إلى أن تتجمع في أرواحهم دون وعي كتلة ضخمة من الفساد".([10])
وقد كان التربويون دائمًا على وعي بأن الروح -خصوصًا لدى الوصاة- هي ما يتم تربيته وتهذيبه. ويرى سقراط أنه بما أن التعليم يَحدث على مستوى الروح، فإن تعليم الموسيقى والآداب يعتبر من المكونات الأكثر أهمية في بناء المنهج، فيوضح في حديث لتلميذه جلاكون:
"لهذا يأتي تعليم الشعر والموسيقى أولاً من حيث الأهمية يا جلاكون؛ فالإيقاعات والنغمات لها أعظم تأثير في الروح؛ حيث تَنفذ إلى أعمق أعماقها ثم تستقر هناك. فإذا كانت الروح مدرَّبة تدريبًا سليمًا فإنها تجلب الخير والفضيلة، وإلا فإنها تجلب العكس. ومن لديه تعليم رفيع في هذه الأمور سيستشعر ويستنكر على الفور أي غياب أو تشويه للجمال في الفن أو الطبيعة، وبحسه المرهف سيسعد بالأشياء الجميلة ويمدحها ويجد لها صدى في روحه، وسوف يغذيها ويصبح هو نفسه جميلاً وخيِّرًا، وسيجد نفسه -رغم صغر سنه وعدم إدراكه السبب- يرفض ويكره ما هو قبيح، ثم لاحقًا عندما يجمع بين رجاحة العقل والتعليم سيقوده انجذابه لما هو خيِّر وجميل إلى التعرف عليه والاحتفاء به".([11])
إن الروح هي المحور هنا، أو هي الذات الداخلية -ما قد يسميه بعضهم في عصرنا هذا "الشخصية"- فينبغي تنمية هذا التكوين بكل جوانبه وبكل السبل وبكل عناصر المنهج. وكما هو الحال مع علماء كونفوشيوس، يتلقى وصاة سقراط تعليمًا مكثفًا في كثير من المجالات، منها الموسيقى والشعر والرياضة البدنية والرياضيات وغيرها، وكل ذلك بهدف تربية أفراد موطَّنين في ذواتهم الداخلية على قيم العدل والخير والتناغم. فأفراد كهؤلاء -فقط- يمكن ائتمانهم على الوصاية على الدولة بأكملها، وبوجودهم على قمتها يمكن لسفينة الدولة أن تبحر بأمان وسط مياه العالم العنيفة والقاسية.
ويشكِّل هذا الفهم بأن التعليم حق للجميع وخصوصًا الوصاة، تعريفًا أساسيًا للعدل -كما يراه سقراط- والذي يمثل محورًا رئيسيًا لجميع المحاورات في كتاب "الجمهورية". فمِن أول جزء ظلت المناقشة تتطرق مرارًا وتكرارًا إلى مفهوم العدل وكيفية تعريفه، وفي نهاية الجزء الرابع -بعد إفراد جزأين كاملين للحديث عن تعليم الوصاة- يؤكد سقراط على تعريف للعدل يتشابك تمامًا مع النموذج التعليمي الذي يطرحه، فيقول:
"إن العدل -إذن- ما هو إلا تلك القوة التي تَخلق أناسًا وشعوبًا محكومين بشكل جيد. والواقع أن العدل ليس مسألة سلوك خارجي، لكنه الطريقة التي يحكم بها الإنسان نفسه بنفسه وبصدق. فالإنسان العادل لا يسمح للجوانب المختلفة من روحه بأن تتداخل مع بعضها البعض أو أن تغتصب وظائف بعضها البعض، فقد رتب حياته الخاصة وتصادق مع نفسه وأصبح هو السيد وهو القانون لنفسه، وبلغ درجة التناغم والانسجام في روحه بمستوياتها الثلاث: المرتفع والمتوسط والمنخفض، تمامًا كما تتجانس المقامات الموسيقية وتسير معًا بشكل إيقاعي وموزون. وعندما يُحقق هذا التناغمَ والانسجام فإنه يكون قد جَعل من نفسه إنسانًا واحدًا وليس أكثر من إنسان، وعندها فقط سيكون مستعدًا للقيام بما يقوم به في المجتمع، مثل: كسب المال، وتدريب الجسم، والانخراط في السياسة أو الصفقات التجارية، وغير ذلك. وفي كل النشاطات العامة التي يمارسها سيكون السلوك العادل والجميل هو فقط ذلك السلوك الذي يتناغم مع نظامه الداخلي الخاص الذي ذكرناه توًا ويحافظ عليه، وستكون الحكمة بالنسبة له هي المعرفة التي تعي معنى مثل هذا السلوك وأهميته".([12])
إذن، يعتمد العدل نفسه على الناس الموجودين في مختلف المهن والأدوار داخل المجتمع الذين تربوا منذ الطفولة على مظاهر الجمال والخير، كما أن المجتمع الذي يستعين بهؤلاء الناس ليحكموه يجب أن يكون هو نفسه منظَّمًا بحيث يُنتج نفسَ تلك النوعيات من الناس للحفاظ على استمراريته، وهذا هو الدور المحوري الذي يلعبه التعليم في المجتمع. فالتعليم هو الآلية التي تتم بها تنمية أعلى وأفضلِ الملكات الإنسانية، وأفضلُ أشكال التعليم هي التي تجعل هدفها الرئيسي -مهما كانت المادة العلمية المباشرة التي تقدمها- هو تهذيب الروح الإنسانية وتوطينها على العدل والجمال والخير، وبدون وجود هؤلاء الأفراد على كافة مستويات المجتمع فهو هالك لا محالة.
ويأتي كولن -في إطار إسلامي تَفصله قرون عديدة عن كونفوشيوس وسقراط- ليقدم نظرية مشابِهة كثيرًا في التعليم والروح والتنمية الإنسانية، حيث ينظر إلى النفس الإنسانية -مثل زميليه القديمين- باعتبارها كيانا يشتمل على مكونات جسدية وعقلية وروحية. وكلُّ مكون من هذه المكونات يجب تنميته بشكل سليم لبلوغ أقصى الإمكانات البشرية. وهذه التنمية تحدث من خلال التعليم. ويوضح كولن ذلك فيقول:
"إن الإنسان ليس مخلوقا يتكون من جسم فقط أو عقل فقط أو مشاعر فقط أو روح فقط، بل هو عبارة عن مزيج منسجم من كل هذه العناصر. فكلٌّ منا له جسم ينطوي على مجموعة متشابكة من الحاجات، وكذا عقلٌ له حاجات أكثر دقة وحيوية من الجسم، وتسيطر على هذا العقل مخاوف بشأن الماضي والمستقبل. (...) كما أن كل إنسان هو مخلوق مكون من مشاعر لا تكتفي بالعقل وروحٍ نكتسب من خلالها هويتنا الإنسانية الفعلية. فكل فرد هو هذا كله معًا، وعندما يُنظر إلى الإنسان، رجلاً كان أو امرأة -وهو الذي يدور حوله كل شيء من جهود وأنظمة- باعتباره مخلوقًا يحمل كل هذه الجوانب، وعندما يتم تلبىة كل حاجاته، فإنه سيصل إلى السعادة الحقيقية. وفي اللحظة الراهنة، لا يمكن تحقيق التقدم والتطور الإنساني الحقيقي فيما يتعلق بكيانه الأساسي إلا بالتعليم".([13])
هنا، نرى تشابهًا مع تعريف سقراط للنفس الإنسانية بتقسيمها إلى ثلاثة جوانب متمايزة: العقل أو الروح، والدوافع، والجسد. وكل هذه الأجزاء يجب أن يتم تنميتها بشكل سليم ويجب أن تعمل في نظامها الصحيح داخل الإنسان لبلوغ كمال الإنسانية. ويُبدي كولن رأيًا مماثلاً في هذه الفقرة، وهو أن كل رجل أو امرأة عبارة عن تركيبة معقدة من المكونات التي يجب تنميتها في نفسها، والتي يجب تنظيمها بشكل متآلف ومنسجم داخل النفس لتحقيق التقدم الإنساني.
هذه الفقرة وغيرها من الفقرات المشابهة تشكل جزءًا من مناقشة أوسع للتاريخ يتتبع فيها كولن مراحل تطور الحضارات سواء في الشرق أو الغرب، فيقول: إنه رغم هيمنة الحضارة الغربية على العالم في القرون الماضية وصدارتها في مجالات العلم والتكنولوجيا، فإن نظرة الغرب الحديث إلى العالم هي نظرة مادية وبالتالي فهي قاصرة، ذلك أن الفكر الغربي يتعامل مع البشر بمنظور شديد المادية ويسعى لتحقيق الإنجاز الإنساني من ذلك المنظور الضيق، في حين أنه يضحِّي بالأبعاد الأخرى للإنسان، وهي الأبعاد الروحية، وهذه التضحية أدت إلى العديد من الأزمات الاجتماعية. ويتلخص جزء من رؤية كولن للمستقبل في الجمع بين أفضل ما في الثقافة الغربية -وهو التطور العلمي والتكنولوجي- وأفضل ما في الثقافة الشرقية -وهو القيم الروحية والأخلاقية- لإيجاد ثقافة إنسانية أكثر تطورًا وشمولية تنقل هذا الواقع بأكمله إلى عصر جديد.([14])
ويرى كولن -مثل سقراط وكونفوشيوس- أن أي فرد أو مجتمع لا يمكنه بلوغ أقصى إمكاناته بدون التعليم، فهو يعتبر التعليم الوسيلة التي يصبح بها الناس كما أرادهم الله حين خلقهم، ومن ثم فإن التعلم هو أهم الواجبات في الحياة. يقول كولن:
"الواجب أو الغرض الرئيسي للحياة الإنسانية هو السعي من أجل المعرفة الإلهية، وما يُبذل من جهد في سبيل ذلك -وهو ما نطلق عليه التعليم- هو عبارة عن عملية سعي نحو الكمال نكتسب من خلالها -في كل الأبعاد الروحية والفكرية والجسدية لذواتنا- المكانةَ التي حُددت لنا كأكمل نموذج للخَلْق. وواجبُنا الرئيسي في الحياة هو اكتساب الكمال والنقاء في تفكيرنا وتصوراتنا وإيماننا. وبأداء واجبنا في العبودية للخالق الرازق الحفيظ، وبمحاولة إدراك سر الخلق من خلال ما لدينا من قدرات وإمكانات، فإننا نسعى لبلوغ مكانة الإنسانية الحقة والفوز بالنعيم والخلود في عالم آخر أكثر سموا".([15])
هنا، يضع كولن التعليم والتعلم في صلب الغرض الأساسي من الوجود الإنساني، وبتعبير آخر أن الهدف من حياة الإنسان هو أن يصبح إنسانًا كاملاً، وهذا تم بطلب العلم والمعرفة. وكولن، كمسلم، يضع هذا الأمر ضمن السياق الأكبر للعبودية لله، ولكن يمكن بنفس البساطة أن نصوغه في سياق أكثر اتفاقًا مع فكر أرسطو، وهو أن غرض كل شيء ووظيفته هي أن يكون هو نفسه بكل كماله واكتماله، وكل شيء بطبيعته مزودا بالقدرات والعناصر الداخلية التي تجعله هو نفسه بشكل كامل، إذا توافر الإطار الملائم. فالبشر يولدون ولديهم القدرة على أن يصبحوا بشرًا بكل معنى الكلمة، ويعتقد كولن (مثل أرسطو وسقراط وكونفوشيوس وكثيرين غيرهم) أن الآلية الفطرية لتحقيق الإنسانية بشكل كامل تكمن في قدرتنا على التعلم. يقول كولن:
وبما أن الحياة "الحقيقية" لا تأتي إلا بالمعرفة، فإن من يهملون التعليم والتعلم يُعتبَرون "ميتين"، حتى وإن كانوا أحياء من الناحية البيولوجية، فقد خُلقنا لنتعلم ونَنقلَ ما تعلمناه إلى غيرنا.([16])
يتحدث كولن في مختلف أجزاء مؤلفه عن حاجة كل الناس إلى التعليم العام حتى يمكن لأي حضارة من الحضارات أن تؤدي مهامها، فيقول: "إن الناس لا يكونون "متحضرين" إلا بقدر ما يحصلون عليه من تعليم، وخاصةً القيم التقليدية الخاصة بثقافة معينة، فالتماسك في الحياة على كافة المستويات يأتي عن طريق تعليم كل المواطنين في أي أمة أو دولة رؤيةً واحدة مشتركة ومنظومةً أساسية من القيم". إلا أن هذه الحركة العالمية للتعليم عند كولن تتعدى التركيز على مجموعة محددة من القيم أو المعايير الثقافية، فالمدارس الألف تقريبًا (في وقت تأليف هذا الكتاب) التي استلهمت فكر كولن، والتي تنتشر في جميع أنحاء العالم، تدرس للأطفال والشباب جميع المجالات والتخصصات الدراسية، من العلوم والرياضيات والتاريخ واللغة والأدب والدراسات الاجتماعية أو الثقافية والفنون والموسيقى وغيرها. وقد قام الكثيرون ممن ألهمتهم تعاليم كولن بإنشاء مدارس في تركيا بعد سماح الحكومة بإنشاء المدارس الخاصة بشرط أن تظل ملتزمة بالمناهج التي تفرضها الدولة وتخضع لإشراف الدولة. وتتبنى المدارس التي تتأثر بأفكار كولن في البلدان الأخرى نفس الاتجاه التربوي الأساسي الذي تتبناه المدارس في تركيا، ولكن بدرجة أكبر من التفاعل مع الثقافة والقيم الوطنية لتلك البلدان. حتى إن كولن نفسه لديه اتصال بسيط للغاية -إن وجد- مع هذه المدارس، بل ولا يَعرف بدقة عددَ هذه المدارس أو حتى أسماءها، فقد حفَّز مثالُه الرائد كتربوي -وكذلك أفكاره عن التعليم والمجتمع العالمي والتقدم الإنساني وغير ذلك- جيلاً كاملاً لإنشاء المدارس في جميع أنحاء تركيا ووسط آسيا وأوروبا وإفريقيا وغيرها من المناطق لمحاربة المشاكل الناجمة عن الجهل والفقر والشقاق.
وتتلخص البنية والشخصية الأساسية لتلك المدارس في أن تمويلها يأتي من المؤسسات الخيرية والجماعات الأهلية ومصاريف الدراسة، وتساهم الإدارات المحلية بتوفير البنية التحتية، ويعمل المدرسون فيها بدافع خدمة الغير وبأجور منخفضة غالبًا. وكما ذكرتُ سابقًا في مقدمة هذا الكتاب، فقد زرت الكثير من هذه المدارس في مختلف أنحاء تركيا والتقيت بداعميها من رجال الأعمال المحليين وقيادات المجتمع المحلي الذين تلاقت جهودهم لإنشاء تلك المدارس في مجتمعاتهم المحلية. وفي حالات كثيرة تكون أبنية تلك المدارس هي الأحدث في المنطقة، وتمتلئ الجدران بصور الطلاب الذين تسلموا أوسمة في مختلف المسابقات الدراسية محليًا ودوليًا وزيارات لعدد كبير من الوزراء ونواب البرلمان في تركيا، وتحتوي على حجرات دراسة ومعامل وتجهيزات على أعلى مستوى حتى بعد أن يستخدمها مئات الطلاب الشغوفين، وطلابها أذكياء ومنفتحون ومتحمسون لاستعمال لغتهم الإنجليزية مع الزوار الأمريكيين، أما مسؤولو هذه المدارس والإداريون والمعلمون فلديهم التفاني والتركيز ويفتخرون بمدارسهم وطلابهم، والكثيرون منهم يقيمون مع الطلاب في مقار المدارس التي توفر الإقامة. وقد جلست على مائدة الطعام مع الكثير من الأسر التركية التي ترسل أطفالها إلى تلك المدارس، وسألتهم نفس السؤال الذي أطرحه في كل مدينة وكل منطقة: لماذا ترسل أطفالك إلى هذه المدرسة؟ وكانت الإجابة واحدة في كل مرة، وهي تفاني المعلمين، وجودة المناهج، والرؤية العامة التي تنشرها المدرسة -عن طريق المعلمين- فيما يتعلق بالإنسانية العالمية والتعليم والتسامح والحوار.
ولا تشمل رؤية كولن التربويةُ المدارسَ وحدها، بل تشمل أيضًا الأسر والمجتمعات والإعلام، فكل المكونات الرئيسية للمجتمع يجب حشدها من أجل تعليم الشباب وإكسابهم جميع المعارف والمعلومات المفيدة، وهو شيء في غاية الأهمية؛ لأن مستقبل أي أمة أو حضارة يتوقف على شبابها. يقول كولن:
"إن من يريدون ضمان مستقبلهم لا يمكن أن يهملوا كيفية تعليم أطفالهم وتربيتهم، فينبغي أن تتعاون الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة ووسائل الإعلام بكل أشكالها لضمان تحقيق النتيجة المنشودة... [وإذا لم يؤد واحد أو اثنان من هذه دوره فهذا يعني أن الشباب قد ترك ليتضارب في هذا الجو من المتناقضات. فإذا لم تكن المدرسة متعاونا مع الأسرة، وإذا لم يتعاون الإعلام مع الأسرة والمدرسة، وإذا لم تكن البيئة في خط هؤلاء... فستكون العملية التربوية منحصرة في الإطار الذي تُجرى فيه. ومن البدهي أن هذا التأطير لن يأتي بالفائدة المرجوة] وبتحديد أكبر، ينبغي على الإعلام المساهمة في تعليم النشء عن طريق اتباع السياسة التربوية التي يرضاها المجتمع. والمدرسة يجب أن تكون على أفضل ما يمكن من حيث المناهج، والمعايير العلمية والأخلاقية للمعلمين، والحالة المادية للمكان. أما الأسرة فيجب أن توفر الدفء والجو المناسب لتنشئة الأطفال".([17])
هنا، نرى كولن يبدي مخاوف شديدة الشبه بما ذكره سقراط في كتاب "الجمهورية"، حيث يذهب سقراط -كما رأينا سابقًا- إلى المطالبة بفرض الرقابة على الشعراء والموسيقيين، وهي وسائل الإعلام التي كانت موجودة آنذاك، حتى لا يتعرض الأوصياء إلا لمظاهر التعبير الفني التي تغذي أرواحهم. ورغم أن كولن لم يناد في أيٍّ من مؤلفاته بفرض الرقابة بالطريقة التي يقول بها سقراط، إلا أنه يشارك الأخير قلقه العام حول التعليم الملائم لبلوغ أقصى تجسيد للإنسانية، وما يتضمنه ذلك من دعم الآباء والمجتمع والبيئة المدرسية والموضوعات التي يتم تدريسها والمعايير الأخلاقية للمعلمين.
ويمكننا أيضًا أن نرى أهمية التعليم لكل أفراد المجتمع عندما يتحدث كولن عن دور الشورى في الإسلام بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، حيث خصص لمناقشة ذلك الموضوع فصلاً كاملاً في كتاب (The Statue of Our Souls) [ونحن نقيم صرح الروح]، وبيّن في هذا الفصل الدور الحيوي الذي يلعبه المثقفون في استمرارية وتقدم المجتمع ونوعيات التعليم المطلوبة في عصر العولمة الذي نعيش فيه. ويبدأ كولن بذكر آية من القرآن توضح أن إدارة الشؤون الحياتية بالشورى يقع في نفس منزلة إقامة الصلاة على وقتها، ثم يستشهد بما للشورى من أهمية كبرى في الإسلام لدرجة أن المجتمع الذي لا يطبق الشورى لا يكون مجتمعًا إسلاميًا بالمعنى التام للكلمة، ويستطرد بعد ذلك فيوضح دور الشورى في المجتمع الإسلامي، فيقول:
"تعتبر الشورى من الديناميكيات الأساسية التي تحافظ على استمرارية التركيبة الإسلامية كمنظومة؛ فإليها تعود مهمة تسيير شؤون الفرد والمجتمع، والشعب والدولة، والعلم والمعرفة، والاقتصاد والاجتماع، بالطبع ما لم يكن هناك نص شرعي واضح الدلالة يحكم هذه الأمور".([18])
حتى الحكام يجب أن يديروا شؤون الدولة بالشورى، فالشورى هي الطريقة التي يتخذ بها الحاكم أو الحكام القراراتِ التي تؤثر فعليًا في كل جوانب الحياة سواء للفرد أو للمجتمع. ويفرد كولن عدة صفحات في توضيح الآيات القرآنية التي تؤيد الشورى، واستعراضِ تاريخ تطبيقها في الإسلام، وحصرِ القواعد الثابتة لممارستها. ثم يصل كولن إلى السؤال المحوري عمن يصلح للشورى، ومع من ينبغي أن يتشاور الحكام؟ ومن هو المؤهل للعمل كمستشار؟ يقدم كولن نفسه الإجابة قائلاً:
"بما أن الأمور التي تطرح للنظر والمشورة تتطلب في غالب الأحوال المعرفة والخبرة والدراية، يجب أن تكون هناك لجنةُ أو هيئةُ الشورى تضم أناسًا تتوافر فيهم تلك الصفات، ولا يتأتي ذلك إلا بمن اصطلح العلماء على تسميتهم بـ"أهل الحل والعقد"، وهم الكبار المقدمون المقتدرون على حل كل المعضلات. واليوم بالذات -مع زيادة الحياة صعوبة وتعقيدًا ومع تيار العولمة الذي يجعل من كل مشكلة شأنًا عالميًا يمس جميع البشر- أصبح من الضروري مشاركة أهل الاختصاص في العلوم الطبيعية والهندسة والتكنولوجيا التي هي من مصالح المسلمين، إلى جانب أولئك من ذوي المنزلة الرفيعة الذين يدركون جوهر الإسلام وروحه ويفهمون الواقع الإسلامي والعلوم الإسلامية. فتجوز استشارة أهل الخبرة في العلوم ومجالات المعرفة الدنيوية المختلفة وغيرها من المجالات المطلوبة طالما أن إصدار القرارات يتم في النهاية تحت إشراف السلطات الدينية للتحقق من أن ما يرونه يتفق أو يتماشى مع الإسلام".([19])
نرى في هذه الفقرة المعايير الراقية التي يجب توافرها في الأشخاص كي يكونوا مستشارين. ومن المهم أن نذكِّر هنا بأن كولن يطرح رؤية لمجتمع إسلامي، وهو يرى أنه أفضل أنواع المجتمعات. وسواء اتفقنا معه أم لم نتفق ليس هذا هو الموضوع، فالمهم هنا أن التعليم في تصوره للمجتمع له أهمية مطلقة حتى يحصل كل الناس على أساسيات الوجود الإنساني. كما ينبغي توفير مستويات عالية من التعليم لنخبة من الكوادر الذين ستتم الاستعانة بهم كمستشارين للحكام في بعض القضايا أو الذين قد يصبحون هم أنفسهم حكامًا. يوضح كولن ذلك قائلا:
"وقد يتغير تكوينُ وطريقةُ عملٍ هيئة الشورى حسب الظروف والعصور، إلا أن مؤهلات تلك النخبة وسماتها -كأن يكونوا من أهل العلم والعدل والحكمة والنظر والدراية بالمجتمع- يجب ألا تتغير أبدًا".([20])
وهؤلاء المستشارون في الغالب يصبحون "الأفراد المثاليين" أو "أصحاب القلوب" الذين يصفهم كولن في موضع آخر من كتابه، وقد تناولنا ذلك في الفصل السابق. فالمستشارون هم من تهدف المدارسُ التي استلهمت أفكار كولن إلى تعليمهم، وهم الشباب الذين سيدخلون معترك الحياة بشخصية تتسم بالفضيلة وأيضًا بمستوى مرتفع من التدريب الأكاديمي كلٌّ في مهنته. وبعض هؤلاء الشباب سيبلغون مستويات استثنائية من النجاح والحكمة وسيُطلَب منهم العمل كمستشارين، وبذلك يكونون هم جيل "الأفراد المثاليين" الذين يبشرون بواقع اجتماعي جديد يُصلِح حالة الخصام المصطَنَع بين العلم والدين، ويجمع ما بين الشرق والغرب ويقدِّم منهجَ حياةٍ جديدًا للعالم.
ولا توجد في نظر كولن طريقة أخرى لتنظيم المجتمع تستحق أن تسمى "إنسانية" وبالتأكيد لا توجد طريقة أخرى يمكن أن تسمى "إسلامية"، فالبشر يمتلكون بداخلهم الملكات اللازمة لتحقيق الكمال كبشر، ومن يستوعبون هذا الكمال ويحققونه في أنفسهم يجب أن يؤثروا في المجتمع، كحكام أو كمستشارين أو كزعماء للمجتمع على مستوى القاعدة، ولكي يحدث أيٌّ من هذا يجب تعليم الناس وتربيتهم بطريقة سليمة وهادفة. وتُعتبر مدارسُ حركة كولن العابرة للحدود مبادراتٍ معاصرةً في هذا الاتجاه، وهي تسعى لتعليم الشباب من جميع قطاعات المجتمع ليصبحوا أناسًا على مستوى عالٍ من التأهيل والفضيلة يؤثّرون -كرجالِ كونفوشيوس المتفوقين- في كل ما حولهم ومن حولهم بقوة ما لديهم من المعرفة والخير والجمال (أي الـ"تي").
إن كل واحد من أطراف المحاورة الثلاثية التي أجريناها يطرح رؤية قوية لما هو ممكن على المستوى الاجتماعي الإنساني وكذلك السياسي، وتعود قوة هذه الرؤية في جزء كبير منها إلى الطبيعة الروحية أو اللامادية التي يقر بها كلٌّ منهم -بطريقته الخاصة وفي إطار القواعد الثقافية واللغوية التي تحكمه- كجزء محوري من الكينونة الإنسانية. هذه الطبيعة "الروحية" هي -من وجهة نظر كلٍّ منهم- ما يميز البشر عن بقية الكائنات، حيث يُؤْمن ثلاثتهم كثيرًا بقدراتنا المتأصلة على تنمية ملكاتنا الفطرية لتحقيق الكمال الإنساني، وإن كانوا جميعًا يعترفون أن الكثير من الناس لن يستعملوا هذه القدرات. وإيمانُ كونفوشيوس وسقراط وكولن بتلك القدرات -سواء استعملت أم لا- هو ما يجعلهم فلاسفة إنسانيين (humanists) بالمعنى الواسع للكلمة، فهم يؤمنون بقدرة الإنسان على أن يكون إنسانًا في أكمل صوره وأمثلها.
ولأن الناس يستطيعون تحقيق ذلك، فإن عليهم تحقيقه. وهؤلاء الفلاسفة ليسوا من القائلين بالجبرية أو الحتمية، فهم لا ينظرون إلى الناس -فرديًا أو جمعيًا- كقِطَع شطرنج في يد التاريخ. وكولن بالتحديد -حتى مع الأخذ في الاعتبار رؤيته بوجود إله قدير وعليم- يحث قراءه على تحمل مسؤولية أنفسهم ومسؤولية العالم، وهذه المسؤولية تعتبر تحديًا كبيرًا في أي عصر، إلا أن عصرنا الحالي بما فيه من تغيرات سريعة وانتشار للعنف ربما يدعونا للوقوف والمواجهة أكثر من أي شيء آخر. والآن ننتقل إلى الفصل التالي للحديث عن موضوع المسؤولية.
[1] Confucius, The Analects, xxiv–xxv. (كونفوشيوس، المقتطفات الأدبية)
[2] المصدر السابق، ص 198.
[3] المصدر السابق، ص 178.
[4] Thompson, Chinese Religion, 145–6. (تومبسون، الدين في الصين)
[5] Confucius, The Analects, 198. (كونفوشيوس، المقتطفات الأدبية)
[6] المصدر السابق، ص 199.
[7] Plato, The Republic, 113–114. (أفلاطون، الجمهورية)
[8] المصدر السابق، ص 109.
[9] المصدر السابق، ص 73.
[10] المصدر السابق، ص 99.
[11] المصدر السابق.
[12] المصدر السابق، ص 137.
[13] Gülen, Essays, Perspectives, Opinions, 80. (كولن، مقالات ورؤى وآراء)
[14] Gülen, Pearls of Wisdom, 231–232. (كولن، الموازين أو أضواء على الطريق)
[15] Gülen, Toward a Global Civilization of Love and Tolerance, 202. (كولن، نحو حضارة عالمية من المحبة والتسامح)
[16] المصدر السابق، ص 217.
[17] المصدر السابق، ص 206-207.
[18] Gülen, The Statue of Our Souls, 45. (كولن، ونحن نقيم صرح الروح)
[19] المصدر السابق، ص 54-55.
[20] المصدر السابق، ص 55.
- تم الإنشاء في