دعوة للمحبة والعلم.. مؤتمر حول أفكار بديع الزمان
اجتمع لفيف من علماء الإسلام والمتخصصين من الأوساط الأكاديمية في ندوة "بديع الزمان ورسائل النور" في دورتها التاسعة المنظمة تحت رعاية جمعية إسطنبول للعلم والثقافة. وقد شارك 10 آلاف شخص تقريبًا من بينهم حمسة ومئة من العلماء الأجانب علماء أجانب في افتتاح الندوة التي تناقش موضوع "منـزلة العلم والإيمان والأخلاق في بناء مستقل يليق بشرف الإنسانية". وعلى صعيد متصل كان نائب رئيس الوزراء بُولَنْد أَرِنْجْ، ونائب الرئيس العام لحزب العدالة والتنمية حُسَين جَلِيك، ورئيس بلدية إسطنبول قَادِرْ طُوبْ بَاشْ، وأربعة من تلامذة الأستاذ سعيد النورسي مُحمّد فِرِنْجِي وعبد الله يَكَنْ وَسَعِيد أُوزْ دَمِير ومُصطفي سُونْكُرْ على رأس المشاركين في حفل الافتتاح.
وبيّن أَرِنْجْ في كلمتة في حفل الافتتاح: "حان وقت الإصغاء إلى عاشق الحرية والحقيقة ودعوته للحب والعلم المنتشرة في ربوع العالم. وأوضح أَرِنْج أنّه يَسعي لتَوضيح النّقاط غير المعروفة عن بديع الزمان، وأخذ يسرد بعض المشكلات السائدة أنَذاك قائلاً: "كما أنّ المسدسات والحراب تعتبر عند أناس آلات لإعداد الجريمة، كان هناك من يرى أن الكتب التي يقرؤها أتباع النورسي وسجادة الصلاة عنصر من عناصر ارتكاب الجرائم. وأكمل أرِنْج قائلاً: "إنّ النورسي يمتلك شمولية في الفكر والعمل، فهو إنسان يعيش ويتصرف كما يفكر دون تطلع لمنافع دنيوية وأخروية.. فالنورسي حكيم يرى أن خدمة الشعب خدمة للحق كدَراويش خُرَاسان، وهو إنسان ينبض قلبه بقول "نحن فدائيّوا المحبّة، فليس لدينا وقت للعداوة". وتابع أرنج: "إن بديع الزمان كان يسعى لتعريف رسائله النورانية للحضارة الغربية المادية ومعرفة الله والإسلام، ولم تنحن جبهته لظالم أو لظلم في يوم ما، ولم يكن بمنأى من طغيان الحزب الواحد على الرغم من أنه كان أحد المدافعين عن الجمهورية.
وقد شارك ما يزيد على 245 أكاديميا من 40 دولة تقريبًا من "الولايات المتحدة الأمريكية، وكَنَدا، ورُوسْيا، ونيجيريا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، والهند، والفلبين، وبتسوان". وسيفتح باب النقاش خلال الندوة في عديد من القضايا كالعدالة الاجتماعية والقومية والمشكلات التي تمخّضت بسبب تباين بين سلوك الاستهلاك والثقافة والدين.
ولقد دُعي الأستاذ المربّي فتح الله كولن إلى هذا المؤتمر، ولكن كونه تحت العلاج في الولايات المتحدة، مما حال بينه وبين الاشتراك. فأرسل رسالة تهنئة قائلا فيها:
رسالة العالم الفاضل فتح الله كولن
الموجهة إلى المؤتمر العالمي التاسع لبديع الزمان سعيد النورسي
الذي نظمته مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم في 3/10/2010 بإسطنبول.
إلى حضرة أعضاء الهيئة الإدارية العاملين في مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم الفضلاء.
وإلى جميع العلماء الأجلاء الذين يشاركون في هذا المؤتمر ببحوثهم القيمة وإلى جميع الحاضرين الأعزاء.
إنه ليحزنني أن لا أتمكن من الحضور كذلك إلى هذا المؤتمر العالمي التاسع والذي ينعقد تحت اسم "العلم والإيمان والأخلاق لأجل مستقبل أفضل للإنسانية - مقاربة رسائل النور". فأقدم تهاني وشكري إلى الهيئة المنظمة والأساتذة الباحثين الأكاديميين ولجميع الحاضرين في هذا المؤتمر الذي يتناول فيه دور العلم والأخلاق لمستقبل أفضل للإنسانية، في ضوء طروحات الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، فهذا الأمر ذو أهمية بالغة توازي أهمية من اضطلع على هذا النشاط العلمي الجليل.
إنكم تقدرون أنّ أسلم طريق للبلوغ إلى حقيقة الحقائق هو ما يمكن أن نصطلح عليه "عشق الحقيقة" وهو الاطلاع على كنه كل شيء وماهيته وأساسه، بتدقيق كل ما في الوجود من أشياء وحوادث. ويمثل العلم جانبًا من عشق الحقيقة هذا، ويشكل الجانب الآخر الدين الذي هو مجموعة الإيمان والأخلاق. فرجل الحقيقة يتميز، ضمن سعة أفق الإيمان والأخلاق، بإبداء ملاحظات حول مطالعة الأوامر التكوينية مطالعة صائبة، ومناقشتها من زاوية العلم المعاصر. فإنه يرى بجميع نواحي وجدانه، ويفكر ويتصرف بحيث إن حركاته وسكناته تنم عن الرحمة، وكلامه وحديثه يومئ إلى الرفق، فهو رجل قلب لطيف، دمث في كل أحواله.
فكل ما يصبو إليه مثل هذا الرجل الرباني هو نقل كل روح إلى حياة أبدية، وإسداء إكسير الخلود إلى كل أحد، فهو في أغلب الأحيان-رغم حرمانه البدني والروحي- يخطط لسعادة الآخرين، ولا سيما لأمته، إذ يتلوى مما تعانيه من بؤس وشقاء فهو دوماً يؤثر الآخر على نفسه، عفيف، منكر لذاته، ذو وجدان ينبض بروح النبوة.
والأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي مثال مجسم لعشاق الحقيقة؛ سواء في حياته الفكرية، أو في نشاطه الدعوي، حيث أظهر سجية مميزة واسعة جداً بحيث تحتضن الإنسانية كلها، حتى في المسائل التي قد تقضي على الحياة، فأصبح نموذجاً فريداً تجاه مقارعته الكفر ومصاولته الظلم والضلالة، ومحاربته الاستبداد أينما كان، فكان وفياً نبيلاً إلى حد استهانته بحياته واستقباله الموت بسرور.
وبجانب كونه إنسان الشعور الواسع، في المسائل التي تتعلق بمهمته، كان يدور في فلك كتاب الله والسنة المطهرة، ممثلاً العلم والعاطفة معاً، فكان شهما أقصى درجات الشهامة، فضلاً عن كونه في جميع خصاله في توازن تام كامل. وقد سبق بنظراته المستقبلية أقرانه. فكان مفكراً بعقل سليم يولد مناهج ومشاريع جبارة. حتى غدا أنموذج المرشد الإمام أمام الأنظار. وما قدم في عهد شبابه إلى محيطه من آثار تنم عن دهاء، قد حافظ على شعلة ذكائه المتوقد إلى آخر سني عمره، فكان على المستوى العلمي الرفيع مع ما قاسى من المكابدة والمعاناة في السجون والمحاكم والمنافي.
فالذين يدققون آثار الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي سيرون مزايا ذكائه الحاد كلها، حيث سيرون أنه قدم للجيل الصاعد وَصْفات علاجية لا مثيل لها ترتكز على العلم والإيمان المؤسسين على الأخلاق بأوسع معانيها.
وحيث إني أعتقد أن هذا المؤتمر العالمي لبديع الزمان سعيد النورسي في دورته هذه سيساهم في إنشاء عالم آخر لنقل الإنسانية إلى سعادة دنيوية وأخروية ومفهوم حياة تنعم برضى الله سبحانه وتعالى مع خدمات جليلة أخرى، لذا أدعو الله تعالى أن يحقق له التوفيق، مهنئاً وشاكراً للمنظمين العاملين في مؤسسة اسطنبول للثقافة والعلوم. مع توقيري الكامل لجميع الأساتذة الباحثين الذين يقدمون بحوثهم الأكاديمية في هذا الصدد. وإلى جميع الحاضرين الكرام.
المصدر موقع "تركيا اليوم" المصري، 4 أكتوبر 2010.
- تم الإنشاء في