فتح الله كولن وتجربته في 100 سؤال
أكمل البروفيسور دُوغُو أَرْكِيل، العالم السياسي المتميز، دراسته التي دامت عامين ونصف العام حول حركة متطوعين يستلهمون أفكارهم من فكر الداعية والكاتب الكبير فتح الله كولن، والمعروف بدعمه لحوار الأديان والحوار بين الثقافات.
يحلل هذا الكتاب تحت عنوان "100 Soruda Fethullah Gülen ve Hareketi" (فتح الله كولن وتجربته في 100 سؤال، دار النشر:Timaş ) التجربة من منظور العلوم الاجتماعية، واستنادا إلى الإجابات التي أعطاها الأستاذ فتح الله كولن.
جاء البروفيسور أركيل ببعض الملاحظات حول الأستاذ فتح الله كولن وتجربته من قبيل: "يسعى فتح الله كولن إلى إرساء عصر نهضوي جديد في تركيا. وتمثل حاليا تجربة الأستاذ فتح الله كولن قيمة تصديرية مهمة لتركيا... يكمن مفتاح نجاح تجربة الأستاذ فتح الله كولن في اعتقاد القائمين بها الراسخ بصدق قضيتهم". عكف البروفيسور أركيل على دراسة تجربة الأستاذ فتح الله كولن حوالي عامين ونصف، وقال إنه قد جمع الأسئلة الشائعة حول هذه الجماعة وتحليله لها في كتابه. أركيل محاضر في كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة، وسبق له أن اشتغل على التقرير الكردي المثير للجدل سنة 1990.
وفي حديثه عن البواعث التي دفعته لدراسة هذه الحركة التطوعية التي تستوحي من رؤى وأفكار الأستاذ فتح الله كولن، لفت البروفيسور أركيل الانتباه إلى حقيقة أن ظاهرة "تشكيل أناس لجماعات" قد أصبحت عالمية. و"حتى الآن لم يتم تحليل هذه الظاهرة من منظور اجتماعي يتخطى الصراعات السياسية اليومية والمخاوف أو الشكوك التي تؤسس لها". ويضيف "أنه كان من اللازم على أحدهم، وخاصة من "الساحة العلمانية" أن يفعل شيئا حيال ذلك".
وقد جاءت فكرة تأليف هذا الكتاب في حين كان البروفيسور إركيل في زيارة للأستاذ كولن قبل ثلاث سنوات في مقر إقامته ببَنْسِلْفانيا: "سألته إذا ما كان على استعداد للرد على بعض أسئلتي حول تجربته إذا بدأت الاشتغال على كتاب "100 سؤال" الذي اعتاد عليه القارئ التركي"، أجابني أنه سيفعل ذلك بكل تأكيد. فأعددت قائمة تضم 100 سؤال وقدمتها له.
التقى أركيل بالأستاذ كولن مرتين أثناء تأليفه الكتاب. وكانت طبيعة ومحتوى المائة سؤال مما يثير اهتمام الرأي العام. كما جاء تحليل البروفيسور أَرْكِيل لهذه الأسئلة مرافقا لإجابات الأستاذ كولن عليها.
وقد ضمن البروفيسور أركيل تقييماته عند بداية ونهاية الكتاب. وفي فصل تحت عنوان "ظاهرة الزعيم الديني في تحديث تركيا: مثال الأستاذ فتح الله كولن"، يتساءل أركيل عن سر نجاح تجربة الأستاذ كولن، ويشير إلى أن الجواب على هذا التساؤل موجود في هذا الكتاب الذي يشتمل على تحليل سوسيولوجي على إجابات الأستاذ كولن، كما أنه يضم تصريحات له نشرت من قبل. أما الجزء الأخير من الكتاب فيناقش التجربة من منظور تاريخي وفيه يرسم أركيل أوجه التشابه بين "أخِيليك- Ahilik" (وهي منظمة نقابية تعاونية أخَوية للتجار في العهد العثماني) أو تجمع التجار التقليدي وحركة الأستاذ كولن.
ويبتدئ الكتاب بسؤال: "من هو فتح الله كولن؟" ثم تأتي أسئلة أخرى تترى: هل حركة كولن امتداد لحركة سابقة؟ ما هي مبادئ حركة كولن؟ ما هو موقع الدولة في فكر فتح الله كولن؟ أي احتياجات فردية وجماعية استطاعت هذه الحركة تلبيتها إلى حد أنها انتشرت في جميع أنحاء البلاد، وحتى خارج حدود البلاد في وقت قصير؟ هناك من يجادل بأن حركة كولن منظمة تسعى إلى أن تكون بديلا للدولة، فهل هذه فعلا هي الحقيقة؟ هل لدى كولن في ذهنه نموذج مثالي للمجتمع؟ ما هي طبيعة الجمهور الذي تستهدفه الحركة؟ ما هي الموارد المالية للحركة؟
ليس هناك نجاح بدون مشاكل في تركيا
في حين كنت تشتغل على الأستاذ فتح الله كولن وتجربته، هل كانت هناك أشياء فاجأتك؟
لقد كانت هناك العديد من المفاجآت. ملاحظة كيف يمكن لمنظمة من المجتمع المدني أن تنمو قوية جدا وتتطور لتصبح ظاهرة عالمية. وكأناس يميلون إلى توقع الدعم من الدولة لكل مبادرة، لدينا صعوبة في فهم كيف يمكن لأشخاص منا أن يبتكرون حركة محلية، ثم دولية من مواردهم الخاصة. ثم نكتشف أننا نكره الضعف الذي نسجن به أنفسنا، ونغذي شكوكا ومخاوف حول أناس يوحدون مواردهم من أجل إنشاء حركة قوية. في الواقع، نحن لا نلومهم بقدر ما نلوم أنفسنا و"عجزنا المُتَبنَّى".
إنه لتناقض بالنسبة لنا أن ننسب العكس إلى حركة تفعل كل ما بوسعها لتجنب الصراع مع الدولة، كما أنها لا تطالب الدولة بشيء. حركة ترفض قطعيا المشاركة السياسية.
إنه لشيء رائع أن نرى بروز إمام من الأناضول الريفية ليصبح رائدا يؤثر في شريحة واسعة من المجتمع ويقودهم في بحثهم عن التحديث، وتحسين نوعية حياتهم وفي بحثهم عن القواسم المشتركة.
أن نفسر وفرة العيش كمكافأة من الله إلى الناس لعملهم الدءوب ولكونهم يفيدون الآخرين، الأمر الذي يمهد الطريق لتراكم رأس المال، ويشجع رجال الأعمال ليتحولوا إلى مستثمرين.
أن نكفل بأن الدين والعلم يسيران جنبا إلى جنب وأن العلم لا يخترق حياة الفرد فقط، ولكن أيضا الحياة الاجتماعية. أن تنشأ مؤسسات تعليمية على المستوى الدولي وتأخذها إلى كل مكان.
أن نفهم أنه في حين أن العديد من الطوائف الدينية أو رجال الدين يبحثون عن تفسيرات مغلوطة وتبريرات مجوجة ومتنوبة للقرآن والسنة لتبيّي الحقد والجراهية، يستطيع كولن نشر السلام والتضامن وجميع القيم المشتركة، كما أنه يبذل جهودا إنسانية كبيرة من أجل تحقيق هذه الغاية، مرفوقا بإنجاز هائل يقوم به أتباعه في سبيل تعميم جهوده.
أن نلاحظ أن تجربة الأستاذ فتح الله كولن حققت حرية في التعايش من أسفل إلى أعلى، على عكس الجهود السابقة من جانب سلطات الدولة لتحقيق ذلك. أن نرى أن مع زيادة في تعليمهم ورفاههم وفعاليتهم، يمكن للناس اتخاذ قرارات أكثر عقلانية كما يمكنهم تجربة التعايش بين الدين والعلم، أو الحياة على الأرض والآخرة، دون فصل أو قصر لهم في حياتهم اليومية. لقد حدث هذا من دون خيار سياسي أو إكراه، ولكن كعملية اجتماعية وثقافية.
ما رأيك في الجهود المبذولة مؤخرا لإنشاء جو من ثقافة "الفوبيا" حول كولن؟
حسنا، من السهل الخوف من حركة حققت الكثير من الأشياء. حركة ديناميتها وتأثيرها في تزايد. وهذا هو الحال خصوصا إذا لم نتمكن من إيحاء القدرة والمهارات أو التضامن لتحقيق الحياد حول ما يسمى بـ"آثارها الضارة". وكما يقول المثل، "ليس هناك نجاح بدون مشاكل في تركيا!".
"حركة فتح الله كولن هي أعظم قيمة تصديرية لتركيا"
لماذا قررتَ تأليف هذا الكتاب؟ ما هي العوامل التي دفعتك إلى ذلك؟
هناك ثلاثة عوامل دفعتني إلى تأليف هذا الكتاب:
أولا، نحن لا نعرف سوى القليل عن شخص تتم الإشارة إليه بشكل متكرر في العديد من المناقشات، غير أن هذا الشخص لا يشغل منصبا محددا أو صفة رسمية. ثم إن الإشاعات التي تتردد حوله لا تستند إلى دراسات جدية، ومعظم المقالات حوله مكتوبة من داخل الحركة. سد هذه الفجوة كان تحديا حقيقيا بالنسبة لعالم اجتماع.
ثانيا، لقد كانت هذه أول مرة نشهد فيها منظمة من المجتمع المدني كهذه تنشط في مجتمع تركي كان إلى عهد قريب تحت هيمنة الدولة. كما أنه لم تكن تتوفر لدينا واقعيا أي معرفة عينية حول الكيفية التي خرجت بها هذه المنظمة إلى حيز الوجود، وكيف تطورت.
وأخيرا، فإن حركة فتح الله كولن تمثل واحدة من أعظم القيم التصديرية لتركيا، كما أنه لم يسبق لنا أن رأينا أن منظمة غير حكومية قادرة على الانفتاح على العالم بدون أي دعم من الدولة بقدر ما هي قادرة على ضمان استمرار هذا الانفتاح. وبدلا من محاولة البحث عن إجابات لتساؤلات حول كيف حدث هذا، كنا نلجأ إلى الشائعات. فكان من اللازم على أحدهم، وخاصة من" العلمانيين" أن يفعل شيئا حيال ذلك.
هل التقيتم بالأستاذ فتح الله كولن؟
نعم ، مرتين، في مقر إقامته بولاية بنسلفانيا الشمالية.
ماذا كانت معاييرك الخاصة في اختيار المئة سؤال؟
كانت كل هذه الأسئلة حول الأشياء التي تشغل فضول المجتمع والأشياء التي لا نملك معرفة كافية عنها. أردت أن يجاب على كل الأسئلة والشكوك تحت ضوء الشمس.
كيف وجدت الأجوبة لهذه الأسئلة؟ وما هي المنهجية التي اتبعت في ذلك؟
لقد لجأت إلى مصدرين رئيسيين. أولهما كان فتح الله كولن نفسه. عند زيارتي للأستاذ فتح الله كولن قبل ثلاث سنوات في مقر إقامته ببنسلفانيا. سألته إذا ما كان على استعداد للرد على بعض أسئلتي حول تجربته إذا بدأت الاشتغال على كتاب "100 سؤال" الذي اعتاد عليه القارئ التركي. أجابني أنه سيفعل ذلك بكل تأكيد. فأعددتُ قائمة تضم 100 سؤال وقدمتُها له. ثم أتيحت لي فرصة لإجراء محادثات مطولة معه في خلال زيارتي التي استغرقتْ خمسة أيام.
هل رد فتح الله كولن على أسئلتك بطريقة مباشرة؟
رد على أسئلتي بطريقة مباشرة شفهية وبطريقة كتابية. جزء مهم من الردود الكتابية يتضمن كتاباته ونصوص المعلومات التي قدمها للآخرين. وقد أقر فتح الله كولن هذه النصوص. أما الباقي فحصيلة محادثاتنا. لقد كنت وفيا للنصوص التي أعطيت لي بحيث أنني أشرت إلى المراجع. ومع ذلك، فقد صغت الاستشهادات على طريقتي.
كم من الوقت استغرق تأليف هذا الكتاب؟
بدأت العمل عليه فبل نحو عامين ونصف.
مقتطفات من الكتاب...
- لقد كان لسعيد النورسي ورسائل النور -التي هي ترجمة معنوية وتفسير للقرآن الكريم- تأثير كبير على فتح الله كولن وتجربته. ويبدو أن هذا التأثير هو إلى حد كبير روحي وإلهامي.
- إن لدى حركة فتح الله كولن تطبيقها العملي الفريد، والذي يعتمد إلى حد كبير على الظروف السائدة اليوم.
- لقد كرس كولن حياته في فهم وتفسير مبادئ الدين وتقاسم الدروس التي تعلمها شخصيا مع أناس آخرين. لذلك ومن أجل فهم ما يقول ويفعل لا ينبغي أبدا تجاهل هذا المنظور.
- دعوة مماثلة لتلك التي جاء بها مولانا جلال الدين الرومي تُعَبِّر عنها اليوم حركة فتح الله كولن. هناك توافق تام بين ما تدعو إليه الحركة وما تنجزه، وهذا ما يخلق نوعا من الارتباط القوي بين الزعيم الروحي وأتباعه.
- هل هناك منظمة أخرى من منظمات المجتمع المدني يمكنها أن تمثل تأثير تركيا على الصعيد الثقافي وعلى صعيد العلاقات الإنسانية في الخارج بصورة شاملة وفعالة مثل هذه الحركة؟ للأسف لا يوجد. إذن كيف يمكن لحركة فتح الله كولن تحقيق ذلك؟ هل باعتقادهم أم في ماذا؟ في قضيتهم، واعتقادهم في أنهم خدّام الله وعباده بفعلهم هذا.
- إن التحرك الجغرافي والعملي، الذي تتمثله تجربة فتح الله كولن، والذي يتجاوز الطبيعة المحلية و"التبعية" للجماعات النمطية، يُفسرُ مسألة كوننا لا نرى فيها فقط جماعة بل أكثر من ذلك "حركة".
- كانت الحركة قادرة على التطور والنمو -في وجه بعض الضغوط- ويمكن تفسير ذلك بحقيقة أن الناس من مختلف الفئات يرون بعض النفع في آراء ومقترحات كولن، بالإضافة إلى أنه يمكنهم مشاهدة ثمار تلك المقترحات في حياتهم الشبيهة بالتجمع التجاري التقليدي (Ahilik). تشتغل تجربة فتح الله كولن في الهامش، فمجهودات أصحابها تعمل من أجل ضمان انضمام تلك المجموعات الهامشية للمركز. وهذا لا يساعد فقط تلك المجموعات، والتي قد تكون ضد المركز (النظام)، على الاندماج داخله، وبالتالي تحويلهم لقبول قدر أكبر من التعددية، بل تضيف دينامية جديدة لهذا النظام.
المصدر: جريدة "زمان اليوم" الإنجليزية، 31 مايو 2010؛ الترجمة عن الإنكليزية: هشام الراس.
- تم الإنشاء في