فتح الله كولن، من الوجوه الهامة في التسامح والحوار
"أعتبر الأستاذ فتح الله كولن واحدا من ممثلي الحب والتسامح والحوار الأكثر تأثيرا في عالمنا اليوم. لقد اكتشف العديد من العلماء في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة، أن الأستاذ فتح الله كولن رجل حب وتسامح، وأن توجيهاته تمثل نموذجا في الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات."
هذا ما جاء على لسان الدكتور هيون ج. كيم (Heon C. Kim) متخصص في الإسلام المعاصر، وهو بهذا التنويه يسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى الحوار في عالم اليوم، كما أنه يشيد بتوجيهات فتح الله كولن في التسامح والمحبة والحوار، توجيهات يعمل محبّو الأستاذ كولن على تفعيلها ممارسة واقعية وحية، كما يعملون على نشرها في جميع أنحاء العالم. ويعلق الدكتور كيم على الدراسة التي نشرتها مؤخرا جامعة جورج تاون تحت عنوان "الخمسمائة مسلم الأكثر تأثيرا"، بأنه من اللائق والمعقول أن تضع هذه الدراسة الأستاذ كولن من ضمن الخمسين شخصية مسلمة الأكثر تأثيرا، وأن تقدمه كشخصية تؤثر في مجموعات بشرية كبيرة وتنحو إلى أن تصبح إسما عالميا.
أكمل الدكتور كيم رسالة الدكتوراه في موضوع فتح الله كولن وتجربته سنة 2008 ويدرس حاليا بجامعة تامبل، بفلاديلفيا. ومن ضمن المقترحات الرائعة والرائدة التي قدمها في أطروحته كان مسألة جعل أبعاد الأستاذ فتح الله كولن الروحية وفكره والدينامية الداخلية لحركته ملموسة. وأوضح الدكتور كيم بالتفصيل في بحثه أن الروحانية الإسلامية المتمثلة في الحب والتسامح والحوار، والتي كان يجسدها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عمل بها أولياء صوفيّون بعده، توجد في صميم فكر الأستاذ فتح الله كولن وأنشطة حركته. وبناء على هذه النتائج، يضم الدكتور كيم رأيه إلى آراء بعض علماء الغرب الذين يرون في فتح الله كولن "روميّا معاصرا" (نسبة إلى جلال الدين الرومي واحد من أبرز وأشهر الأولياء الصوفيين في التاريخ الإسلامي)، ويرى في توجيهاته في الحوار بديلا عن الحركات الجهادية والأصولية وتلك التي تتبنى نموذج (Paradigm) "صراع الحضارات".
كيف ومتى سمعت بالأستاذ فتح الله كولن؟
بعد تخرجي من شعبة الدراسات العربية بكوريا الجنوبية سافرت إلى مصر لتعلم المزيد عن الإسلام. وفي فترة دراستي العليا في الفقه الإسلامي لاحظت كثيرا من علماء الإسلام ينظرون إلى الديانات والثقافات الأخرى بتعصب نوعا ما، الشيء الذي بدا لي متناقضا مع قناعتي عن الإسلام دين "إسلام وسلام"، وعقيدة تحترم التقاليد الدينية الأخرى. بعدما عايشت هذه التجربة، كنت محظوظا بتعرفي على طلبة فتح الله كولن الأتراك في كوريا الجنوبية. وقد دفعني إعجابي بانفتاحهم وتسامحهم إلى البدء في قراءة بعض كتب الأستاذ فتح الله كولن و"فكره الإسلامي المعتدل" الذي ألهمني فكريا وروحيا. ومن أجل تقديم رؤيته المعتدلة وتصوره السامي للإسلام كمقابل للصيغ الوهّابية / الدُّغماتية للإسلام السائدة في عالمنا اليوم، قمت بترجمة كتبه إلى اللغة الكورية. وقد نشرت أول مرة سنة 1999، وأعيد طبعها في وقت لاحق سنة 2001 في سياق أحداث ١١ سبتمبر. ثم دفعني اهتمامي المتزايد بفكر الأستاذ كولن إلى زيارته في تركيا سنة 1998 حيث تمكنت، بعد أن أذن لي، من حضور دروسه اليومية التي كان يلقيها لطلابه. وعلى الرغم من أنني لم أكن أستطع تتبع محاضراته بسهولة في الأيام الأولى بحكم ضعف لغتي التركية، إلا أنني كنت معجَبا بسلوكه اللطيف وبأسلوب حياته البسيط.
ما الذي قمت به بعد لقائك بفتح الله كولن؟
بعد أن أمضيت ثلاثة أشهر في حضور حلقات العلم اليومية التي كان يلقيها الأستاذ فتح الله كولن، كنت قد تعلمت ما يكفي من اللغة التركية من أجل قبولي في برنامج دراسات عليا في الفلسفة الإسلامية بجامعة مرمرة بإسطنبول. وكلما ازداد تعلمي للغة التركية ازداد فهمي لتعاليم الأستاذ فتح الله كولن، خصوصا مثله العليا في الحب والتسامح والحوار. ثم انتهى بي الأمر في تركيا لمدة ثلاث سنوات قضيتها في الجامعة وفي محاولة التعمق أكثر في فهم فكر الأستاذ فتح الله كولن. كما إنني انتهزت فترة بقائي هناك فسافرت عبر أنحاء البلاد وتتبعت كيف يمارَس الإسلام في الحياة العامة، خصوصا بالأناضول، وسَط تركيا، حيث شهدت فضائل جميلة كالضيافة والسلام والتسامح والتضحية بالنفس. فضائل يشيد بها الأستاذ فتح الله كولن ويعتبرها من صميم روح الإنسان الأناضولي. غير أن فضيلة أثرت فيّ بقوة، هي قدرة محبي الأستاذ كولن ترجمة تعاليمه في العطاء، ثم العطاء أكثر في سبيل مرضاة الله وفي سبيل الخدمة (Hizmet)، خدمة البشرية. لكن دراستي لفكر الأستاذ كولن الإسلامي المعتدل لم تنته عند سفره إلى أمريكا في. فعندما غادر الأستاذ تركيا قررت تتبع دراستي في سلك الدكتوراه بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي تأيّد بشدة التنوع الديني والثقافي وتشجع الأكاديميين على القيام بدراساتهم وبحوثهم من دون أي قيود سياسية أو دينية. وهذا ما لا يوجد، للأسف بعدة دول إسلامية، بما في ذلك تركيا.
لماذا اخترت موضوع "فتح الله كولن والتصوف" لأطروحتك؟
أولا، ما شهدته وعايشته في مصر وتركيا لم يكن إسلاما عقائديا، بل إسلاما شعبيا. الإسلام الشعبي ليس إسلاما حرفيا أو أصوليا، بل بالأحرى إسلاما صوفيا، وهو صيغة روحية للإسلام متجذرة في حياة الناس العاديين وتظهر كتجلِّ ثقافي. الإسلام الحرفي - الأصولي، والمعروف كذلك بالإسلام الجهادي أو الإسلاموي، ينظر إلى غير المسلمين، وخصوصا اليهود والنصارى، كـ "آخر"، وبالتالي يتبنى نظرة عدائية نوعا ما اتجاههم. وقد قضى العديد من الأكاديميين الغربيين الوقت أكثر مما ينبغي في التركيز على هذا الشكل من الإسلام. إلا أنه في الواقع لا يتبنى هذا الشكل من الإسلام إلا قلة قليلة من مسلمي العالم تقدّر بـخمسة بالمئة، أما السواد الأعظم فيتبنى ما نسمّيه، نحن الأكاديميين، "الإسلام الشعبي"، والذي لعب التصوف دورا رئيسيا في التعريف به طوال تاريخه الألفي الطويل. هذه الحقيقة عن التصوف لم تعط حقها الكافي من البحث داخل الأوساط الأكاديمية. إلا أن الأسوأ من هذا هو أنه منذ فترة طويلة والمسلمون الأصوليون - الجهاديّون يدينون التصوف على أنه تقليد غير إسلامي، كما أن بعض المستشرقين يرون فيه تجربة صوفية شخصية سلبية. وكِلا المنظورين لا يتفق وتجربتي الخاصة وحقيقة التصوف. هناك حاجة ماسة إلى مقاربة أكاديمية تنظر إلى التصوف "في طبيعته وأصله"، وهذا كان الدافع المبدئي وراء اختياري لهذه الأطروحة.
واستنادًا إلى تجربتي الخاصة في تركيا، كنت واثقا بأن تركيا بشكل عام وفتح الله كولن بشكل خاص من شأنهما أن يقدما حالة دراسة متميزة للقيام بتحليل معمق للتصوف. لقد نظرت الفكرة المسيطرة في بلاد الأناضول للتصوف نظرة زراية ورأت فيه سببا لتخلف الأمة عن مواكبة ركب التقدم الذي كان يعرفه الغرب، كما اعتبرته تهديدا يمس أسس الجمهورية التركية، وبالتالي فقد تم حظر الطرق الصوفية سنة 1925. لقد اعتبر بعض السياسيين والمثقفين العلمانيين وبعض النخب العسكرية فتح الله كولن زعيما صوفيا يقود طائفة دينية خطيرة. غير أن بعض الأوساط الأكاديمية وبعض الصحف في الغرب فندت هذه الاتهامات كونها تنظر إلى فتح الله كولن وتجربته من منظور حركة تقدم العديد من المساهمات الكبيرة للعالم. وبين هذا وذاك جاءت رغبتي في التحقق من هوية فتح الله كولن وحركته الحقيقية.
هل تعني بكلامك هذا وجود ارتباط قوي بين فتح الله كولن والتصوف؟
بالتأكيد. إنني أعتبر فتح الله كولن وليّا صوفيا، ولا أعتبره إسلامويا ،كما يشهد على ذلك حياته وأعماله وفكره وحركته. وهذا يؤكد تبني فتح الله كولن وتجربته لإسلام منفتح يقر بأن الديانات الأخرى شركاء في الحوار. ولتأكيد ذلك فقد سبق له أن التقى بزعماء يهود ونصارى بما في ذلك الأب يوحنا بول الثاني سنة 1998. كما أن هناك حقيقة أخرى مهمة مفادها أنه في حين نعتبر فتح الله كولن وليا صوفيا فإننا لا نرى فيه أبدا شيخا لطريقة صوفية. إنه لا يعطي تعليمات انطلاقا من كرسي شيخ صوفي، بل إنه يُعلم أن التصوف هو أن تعيش حياتك وفقا لروح الإسلام كما جاء في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وكما أحياه جلال الدين الرومي والشاعر يونس أَمْره، وبديع الزمان النورسي. هؤلاء لم يؤسسوا طريقة صوفية. ولكي أبيّن بوضوح هذه القراءة للتصوف فإنني أصطلح عليه "تصوفا بدون طريقة". هذا النوع من التصوف هو الحاضر في فكر فتح الله كولن، وهو تصوف يتجاوز منطق الحدود الذي تضعه الطرق الصوفية؛ بل على عكس ذلك فهو يدعو جميع المسلمين إلى احترام بعضهم واحترام غير المسلمين واعتبار الجميع متساوين أمام محبّة الإله. وهو بالتالي يشجّع المسلمين على الانخراط في حوار مع الآخر وتذكر أننا جميعا انعكاس للمحبة الإلهية. هذا "التصوف الحواري" كما أسمّيه يقدم رؤية بديلة عن الحركات الإسلامية الأصولية – الجهادية، ويخلق جسرا حواريا بين الإسلام والديانات الأخرى.
هلا وضّحتَ لنا أكثر وجهات نظر فتح الله كولن في الحوار؟
يظهر الحوار في فكر فتح الله كولن كنتيجة طبيعية لإنسانيته. فالأستاذ فتح الله كولن يعرّف الإنسانية بمذهب الحب والرحمة، وهو بذلك يحذر من فهم غير متوازن للإنسانية، كمثل الذي يسيء فهم الجهاد ويرى في غير المسلمين أعداء. إنسانية فتح الله كولن تتعارض مع الفهم الحرفي المتعصب، فهو يهدف إلى إحياء "الحب في البشرية جمعاء". ويعتبر الإنسانية أغلى شيء في الكون. فهي، كما يرى، مرآة لأسماء الله الحسنى وصفاته العليا. وُهب الناس بالتساوي القدرة على عكس صفات الله وعلى تطوير تميّز عظيم. وبالتالي فهذا التساوي واقع بغض النظر عن الدين أو العرق أو الثراء أو المكانة الاجتماعية. وبما أننا خلقنا بفضل حب الله، فالحب يمثل أهم العناصر المكونة للإنسانية. هذه المفاهيم السامية كالمساواة والحب والرحمة تمثل جوهر إنسانية فتح الله كولن، وتعمل كميكانِيزْمات أساسية لحركته.
إن أول ما يظهر كشيء عملي في إنسانية فتح الله كولن المعتمدة على الحب هو الحوار. بالنسبة له يشكل الحوار نشاطا ترابطيا بين شخصين أو أكثر. ولا يمكن لهذا الترابط أن يتم إلا بوضع الإنسان في محور هذا الحوار. وبالتالي يصبح الحوار، في معناه الحقيقي، امتدادا روحيا وواقعيا للإنسانية. على أنه لن يتحقق إلا عن طريق الاحترام المتبادل والتسامح والحب. لقد أدرك كثير من الناس، في عالمنا المعاصر، الحاجة الماسة للحوار من أجل تعايش سلمي. وقد كان الأستاذ فتح الله كولن يدعو إلى حوار مبني على الحب والتسامح منذ ما يناهز ثلاثة عقود، وكان يؤكد على ذلك بقوله: "يجب علينا أن ننخرط في الحوار مع أي كان ودون أي تمييز". وبما أن العديد من الناس لا زال يؤمن بـ"صراع الحضارات"، فإنني أرى أن تعاليمه في الحوار هي في غاية الأهمية اليوم.
إذن أنت ترى في الحوار والتسامح حلولا لصراع الحضارات؟
نعم. أعتبره كبديل وأكثر من ذلك كحلّ وحيد لمشاكل البشرية المعاصرة. في السنوات الأخيرة تبنّى عدد كبير من علماء الاجتماع السياسي نظرية "صدام الحضارات" لصمويل هنتنغتون. هذه النظرية تفترض وجود علاقة جوهرية لا توافقية بين الحضارة الغربية والحضارات غير الغربية، وتتوقع صراعات وحروبا حضارية حتمية. أثارت هذه الرؤية مناقشات علمية هائلة، وخلّفت أعمالا نقدية كثيرة. وقد سبق وشاركت في هذا النقاش من خلال كتابة عدة ورقات وتقديم بعضها في مؤتمرات أكاديمية في الولايات المتحدة. وقد تتبعت في هذا الورقات الأصول الفكرية لنظرية هنتنغتون. تفترض قناعته باللاتوافق الحضاري وخصوصا بالصراعات الحضارية توتّرا جدليا أو معارضة لعلاقة عكسية بين "الذات والآخرين"، والتي تتمخض من عند فريدريك هيجل وبعده المفهوم الهيجيلي: "الآخرين الأدنى فكريا"، ومن عند كارل ماركس وبعده الفكرة الماركسية: "الآخرين الغرباء سياسيا واقتصاديا". يضيف هنتنغتون إلى هؤلاء مفهوم اللاتوافق الديني بين الإسلام والمسيحية. وبالرغم من أنها تنطوي على محاور مختلفة، فوجهات نظر هيجل وماركس وهنتنغتون متفقة في تعريفها للإنسانية كعلاقة تضاد ونزاع بين الذات والآخرين، والتي قد يطلق عليها "النهج الجدلي للإنسانية".
وعلى عكس النهج الجدلي للإنسانية، فاستيعاب فتح الله كولن لمفهومي البشرية والإنسانية يفترض مساواة وتوافقا بين الذات والآخرين تقود إلى المحبة والتسامح والحوار. إن الإنسانية عند فتح الله كولن ترفض قطعيا اعتبار الآخرين نقيضا جدليا. وبدلا من ذلك فإنه يؤكد أن التمييز بين الذات والآخر لا يمكنه إلا أن يكون هدفا للحوار بطريقة تحمي وتُقوي روحانية الواحد ضد نفسه الأنانية والتبعية الأهوائية، التي تخلق صراعا مستمرا مع الآخرين. إنني أصطلح على هذه الإنسانية بـ"الإنسانية التحاورية" وأعرّفها كأنظمة تفكير وطريقة حياة تنظر إلى البشرية كوحدة مكونة من "الذات والآخرين" وكموضوع للمحبة والحوار. وبالتالي فإنني أضعها بديلا للنهج الجدلي للإنسانية. ولذلك أرى أنه ينبغي علينا اعتبار وتقدير تعاليم فتح الله كولن حول الإنسانية.
ذكرت أن إنسانية فتح الله كولن ومنهجه في الحوار يمثلان المبادئ المؤسِّسة لتجربته.
بالفعل. وذكرت أيضا مصطلح الخدمة (Hizmet)، الذي يعني باللغة العربية خدمة الإنسانية. لقد أبان بحثي على أن الإنسانية عند فتح الله كولن تظهر في الحياة الشخصية لأعضاء الحركة وتظهر كذلك في أنشطة التجربة. فمفهوم جوهر العمل هنا هو "الخدمة". وأعتبر أيضا أن مفهوم "الخدمة" هو أكثر المبادئ فرادة في فكر الأستاذ فتح الله كولن وحركته، وهو أيضا ما يميزها عن حركات إسلامية أخرى.
يمثل مفهوم "الخدمة" في فكر فتح الله كولن الإسلامي مثالا أعلى يحتذى به فرديا وجماعيا في سبيل خدمة الإنسانية. ويشير الأستاذ فتح الله كولن في تعاليمه إلى أنه "ينبغي عيش الدنيا من أجل الفوز بالآخرة، ومن أجل إرضاء الله الذي أنعم بهما علينا، وذلك بحسن عبادته ثم بخدمة أفراد أُسَرِنا، والمجتمع، والبلاد، وبالتالي خدمة البشرية جمعاء". ويضيف أن "الخدمة حقُّنا؛ وتقاسمها مع الآخرين واجبُنا". ويمكن لمفهوم الخدمة أن يتحقق فعليا على يد "رجل الحركية والفكر" أو (Düşünce ve Aksiyon İnsanı) وهو مفهوم آخر معروف عند فتح الله كولن. وعلى عكس بعض الطرق الصوفية النمطية التي تعطي الأولوية للتجربة الصوفية الفردية في ذكر الله في عزلة، يؤكد فتح الله كولن على أن أي تجربة أو ممارسة روحية لن تكتمل إلا بالعمل داخل المجتمع. وبخلاف بعض الحركات الإسلامية، فإنه يشدد على أن العمل داخل المجتمع لن يتحقق إلا بشرط الإنسانية والمحبة والحوار.
لقد أنشأ الأستاذ فتح الله كولن تجربته على أساس نموذج مبدأ "الخدمة"، والذي مكّن لحركته من إيصال نموذجه الإنساني هذا إلى جميع أنحاء العالم. وتضم الحركة حاليا ملايين الأعضاء حاضرين في أكثر من مائة دولة. وقد أبان بحثي على أن مفهوم "الخدمة" كان ولا يزل أهم عوامل إشعاع الحركة. وفي حين أن معظم الدراسات حول الحركة تركز على بعض العوامل الخارجية مثل البنية التنظيمية واعتبارها سببا رئيسيا في نجاح الحركة، أرى أن الممارسة الفعلية لمفهوم "الخدمة" هي السبب الرئيسي، إن لم يكن السبب الوحيد لنجاح الحركة. ومن دون اعتبار لهذا المفهوم سيكون من الصعب جدا تفسير "لماذا تقريبا جميع أعضاء الحركة يتطوعون بشكل ملفت بأموالهم ووقتهم وجهدهم؟". إن روح العطاء هي المصدر الحقيقي وراء أنشطة الحركة في جميع أنحاء العالم. وسيتفق مع استنتاجي هذا العديد من الأجانب الذين شاركوا في أنشطة الحركة.
أعتقد أنه إذا تم تقديمها بشكل صحيح، فستكون الإنسانية الإسلامية في المحبة والتسامح والحوار، والتي ينصح بها الأستاذ فتح الله في تعاليمه، هي الترياق المثالي للنهج الجدلي للإنسانية الذي يؤدي إلى صراع متواصل من خلال خلق فجوات توترية متتالية بين الحضارات، والأمم، والطبقات الاجتماعية، والإنسانية نفسها.
المصدر: جريدة "زمان اليوم" الإنجليزية، 26 يوليو 2010. الترجمة عن الإنجليزية: هشام الراس.
- تم الإنشاء في