جمعية الصحفيين والكتاب في تركيا ترد على المزاعم الواردة بخصوص قضية الفساد
أصدرت جمعية الصحفيين والكتاب في تركيا، التي يرأسها فخريًّا الأستاذ محمد فتح الله كولن، بيانًا حول التطورات الأخيرة التي تشهدها البلاد، خاصة بعد ظهور فضيحة الفساد والرشوة الكبرى، وردّت خلاله على العديد من التساؤلات والمزاعم الواردة حول تيار أو حركة الخدمة، وندرج أدناه ذلك البيان.
إن عملية مكافحة الفساد تأتي على رأس القضايا التي يتابعها الرأي العام عن كثب في جميع أنحاء العالم. والجميع يعلم أن الشعب التركي اهتزت ثقته في جميع الحكومات التي اقترنت أسماؤها بقضايا الفساد أو توانت في مكافحته. ولهذا كان من الضروري أن يتابع القضاءُ والإعلام، بشكل فعال، المزاعم والادعاءات الواردة حول فضيحة الفساد التي انتشرت أصداؤها في الآونة الأخيرة، كما هو الحال بالنسبة لجميع الدول التي تتبنى مبادئ الديمقراطية.
ينبغي للحكومة وجميع الأشخاص والمؤسسات المعنية، أن تحترم القضاء المستقل والذي يصدر أحكامه باسم الشعب وفق ما ينص عليه الدستور والقانون، وذلك من أجل إقناع الرأي العام والضمير الجمعي بأن العدالة تُطبّق كما ينبغي. ومن ثم يمكن أن تظهر براءة الأشخاص الذين سيق في حقهم ادعاءات حول تورطهم في قضية الفساد، عبر احترام عمل القضاء وانتظار ما ستسفر عنه التحقيقات في القضية دون تدخل من أي جهة كانت.
اتهام تيار الخدمة بوقوفه وراء التحقيقات في قضية الفساد افتراء قذر
لا يخفى على أحد أن المزاعم التي تشير إلى وجود علاقة وصلة بين الرئيس الفخري لجمعيتنا الأستاذ "محمد فتح الله كولن"، وتيار الخدمة الذي يستلهم أفكاره من هذه الشخصية الموقرة، وبين المدعين العامين المنوط بهم التحقيق في القضية، والاتهامات الواردة بحقهم بأنهم فتحوا هذه التحقيقات نظرًا لأنهم أداة في أيدي قوى خارجية.. ليست كل هذه المزاعم والاتهامات سوى افتراءات قذرة لا أساس لها من الصحة.
ونرى أن بعضًا من وسائل الإعلام المقربة من الحكومة تهاجم حتى المؤتمرات التي تعقدها جمعيتنا من أجل التعريف بتركيا والأنشطة التي يزاولها الأعضاء المتطوعون في حركة الخدمة، وتصفها بأنها "خيانة للوطن" و"تجسس" و"تعاون مع محاور دولية وقوى خارجية"، وهو ما لا يتسق مع مبادئ الإنصاف والعدل بأي حال من الأحوال.
ليس هناك خصام بين الخدمة وحزب العدالة والتنمية، ولا يمكن أن يحدث
إن محبي تيار الخدمة أو الأستاذ كولن لا يكنّون أي عداوة أو خصومة لحزب العدالة والتنمية، إذ هي من أبرز التيارات التي دعمت مسيرته الديمقراطية في خدمة تركيا بين عامي 2002 – 2011. غير أنه حصل اختلاف بيّن في وجهات النظر بين الجانبين اعتبارًا من الانتخابات العامة التي أجريت عام 2011. وكان هناك العديد من القضايا التي دفعت الأوساط المنصفة من داعمي الحزب للشعور ببعض المخاوف والقلق حول مستقبل البلاد، والتي جاء على رأسها تباطؤ وتيرة مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، ومبادرة الحزب لتغيير النظام الحاكم إلى النظام الرئاسي بشكله الذي يؤثر بالسلب على مبدأ الفصل بين السلطات، وتقويض حرية الإعلام بمرور الوقت، وضعف الرقابة البرلمانية، وتحول ديوان المحاسبات إلى هيئة لا تقوم بوظائفها، وزيادة أمارات السلطوية، وأخيرًا التدخل في عمل القضاء.
وليس من الصحيح أن ينسب البعض الخلاف بين الحركة والحزب إلى قضية إغلاق المعاهد الخاصة المؤهلة للجامعات التي أثيرت مؤخرًا؛ إذ إن هذا الخلاف يرجع إلى ما قبل هذه القضية. وكما يعلم الجميع، فإن "الخدمة" كانت تنتقد الحكومة للأمور والمسائل المذكورة، وللأسباب ذاتها، قبل هذا التاريخ أيضًا.
نشعر بمخاوف إزاء احتمالية تسبب المظاهرات في الشوارع في حدوث أعمال وحركات استفزازية
لقد أفضت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، والتي توحي بتدخلها في عمل القضاء، وعزل العديد من المسؤولين الأمنيين والشرطيين، إلى ردود أفعال محقة حول هذه القضية الشائكة.
نحن نشعر بالقلق بشأن تحول المظاهرات التي يشهدها الشارع إلى أعمال شغب وإثارة تجر بلادنا إلى بيئة فوضوية. لذلك ندعو الحكومة للتعامل بحكمة وحنكة مع أي مظاهرة سلمية تعترض على ما ورد في مزاعم الفساد، كما قلنا ذلك سابقًا في أحداث متنزه "كيزي باركي" التي وقعت صيف العام الماضي.
في الدولة الديمقراطية لا يُسمح أبدًا بوجود دولة موازية، وإن وجدت بنية كهذه فعلى الحكومة الكشف عنها وإظهارها مع الأدلة والبراهين
من ناحية أخرى؛ إن الاتهامات المجردة الخالية من الأدلة التي بدأت وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة تطلقها عشوائيًّا تزامنًا مع بدء التحقيقات في قضايا الفساد والرشوة مثل "الطغمة" و"الزمرة القضائية" و"الدولة الموازية" و"الهيكل المستقل" و"التجسس" و"التنصت" وغيرها.. إنما تهدف إلى إسدال الغطاء على تلك التحقيقات والتعتيم عليها.
وقد أدلينا في شهر أغسطس الماضي بتصريحات واضحة متعلقة بهذا الموضوع، وقلنا فيها علانية، إذا كانت الحكومة تملك أية دلائل في هذا الصدد فعليها أن تبادر إلى تقديمها إلى القضاء مباشرة، لكنها بدلاً من أن تخطو هذه الخطوة عمدت إلى تصوير "الخدمة" التي يقدرها ويحبها الملايين من أفراد الشعب ويكنّون لها بكل الاحترام، بأوصاف مجحفة ومشينة، ونعتها بكلمات دنيئة كالجاسوسية، والحديث عنها بأنها "عصابة قذرة ذات طموحات ظلامية ويجب أن تقطع أيديها" وما شابهها من تلك الاتهامات التي أقل ما يقال عنها بأنها ظلم وإجحاف.
إن من يصف محاكمة الأشخاص المتهمين في قضايا الفساد والرشوة بأنها مناقضة لفرضية البراءة وانتهاك للحقوق الشخصية، له الحق الكامل في ذلك، لكن عليه أيضًا أن يعي بنفس النظرية أن إلصاق تهم مثل المنظمة والعصابة على تيار وحركة الخدمة التي تنال تقدير الملايين من الشعب دون الاستناد إلى المبادئ القانونية والديمقراطية أمر لا يتوافق مع مبدأ الإنصاف، وشيء لا يقبله العقل ولا المنطق.
لقد قلناها مرارًا إن اتهام حركة الخدمة، التي تعتبر جزءًا من المجتمع المدني ومشروعًا مدنيًا، بأنها تسعى لفرض وصايتها على الدولة أو مشاركتها في شؤون السلطة ما هو إلا اتهام سخيف ومنافٍ للعقل، وإن تقديم مؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بالدفاع عن الحق وتقديم النصح وإبداء النقد البناء للرأي العام على أنها تسعى وراء السلطة، أو مخاطبتها بأقوال مثل "لا تتدخلوا في السياسية" أو "لو ترغبون خوض غمارها فتعالوا وأنشؤوا حزبًا سياسيًّا ومثلوا أنفسكم به" أو "انتظروا الانتخابات لتعرفوا قدركم وحجمكم" أو وصف أعمالها في الصحف بالبنط العريض على أنها ضغوط على الإرادة الوطنية، وغير ذلك من الممارسات، أمرٌ غير مقبول على الإطلاق، لأن هذه الأفعال تعتبر مناقضة تمامًا لروح الديمقراطية وضوابطها وقيمها.
الوصاية مرفوضة أيا كان نوعها
إن وجود محبين لتيار الخدمة ومتعاطفين معها من البيروقراطيين أو الموظفيين العموميين الذين نالوا البيروقراطية في إطار القانون وطبقًا لحقوق المواطنة الشرعية والقانونية هو أمر طبيعي جدًّا في دولة ديمقراطية، كما أن القانون ينظر إلى الخطوات الملموسة والأعمال أو الحركات الفعلية فقط، لا إلى شي آخر، بمعنى أن توظيف وتعيين المواطنين للعمل في مختلف دوائر الدولة مهما كانت أفكارهم وآراؤاهم وتوجهاتهم لا يعني بالمرة إمكانية إطلاق أوصاف عليهم مثل "محاولة السيطرة على السلطة" أو "التغلغل في أعماق الدولة" أو فرض الوصاية" أو "تكوين هيكل موازٍ للدولة" وغير ذلك.. ولا يمكن النظر إلى أصحاب تلك الادعاءات والاتهامات على أنهم ذوو نوايا حسنة. فضلاً عن ذلك فإن الأستاذ محمد فتح الله كولن قد نُعت بكل تلك الأوصاف، واتهم بهذه الاتهامات في أشد فترات الوصاية العسكرية، وحوكم من أجل ذلك طيلة ثماني سنوات، ولكنه خرج في النهاية بريئًا من جميع تلك التهم.
ولا شك أن البيروقراطيين أو الموظفين العموميين ملتزمون بإطاعة قادتهم ومديريهم المنتخبين، وتنفيذ أوامرهم وتعليماتهم المتطابقة مع القانون، كما ينبغي عليهم أن لا يستقبلوا الأوامر والنواهي إلا منهم فقط دون غيرهم، ويتطلب منهم أيضًا إظهار كل الاحترام اللازم للخطوات والإجراءات الصادرة عن الحكومات المنتخبة شعبيًّا، لكن في نفس الوقت فإن التشهير بالناس وفق التقارير المخابراتية ووضعهم في القوائم السوداء وتصنيفهم على أنهم ينتمون إلى حركة الخدمة (وفقًا للوثائق الرسمية التي ظهرت للرأي العام دون نفي أو تكذيب)، ثم اتخاذ قرار بتصفية حركة الخدمة بناء على معلومات استخباراتية لا تستند إلى أي معيار، يعتبر انتهاكًا لأدنى حقوق الإنسان، إلى جانب أن الدستور التركي يعد هذه العملية جريمة تعاقب عليها.
تركيا التي نحلم بها
إن جمعية الكتب والصحفيين ورئيسها الفخري الأستاذ العلامة فتح الله كولن وحركة الخدمة قد بذلت جهودًا جبارة في سبيل تحقيق كل المشاريع والفعاليات التي تضمنها الاستفتاء العام الذي جرى في عام 2010 حول الدستور الأساسي، وكذلك ساندت تحقيق الإصلاحات الأوروبية، وخلق تركيا ديمقراطية بالمعنى الحقيقي، وسيادة وإعلاء كلمة القانون، وصيانة واحترام حقوق الإنسان على أفضل وجه، وجعل الناس سواسية أمام عدالة القانون، ودستور مدني، ومحاسبة شفافة.
وبهذا؛ يظهر جليًّا أن سعي أناس بذلوا تلك الجهود لتحقيق تلكم الطلبات السالفة الذكر للسيطرة على مفاصل الدولة، أو تكوين دولة موازية داخل دولة، أو خلق هيكل مستقل ذاتي في جسم الدولة، أمر يرفضه العقل والمنطق السليم؛ إذ إن أكبر عائق وحائل أمام تكوين هيكل موازٍ أو محاولة طغمة مجهولة النوايا للسيطرة على الدولة، هو إنشاء وتكوين تلك الدولة القانونية التي تتمتع بالديمقراطية على شاكلة الاتحاد الأوروبي وتتميز بالشفافية، وتخضع لمحاسبة البرلمان والقضاء ومجلس الدولة والإعلام والرأي العام.
ومن هذا المنطلق؛ تبقى مسألة تحديد العامليين على وجه الحقيقة لتحقيق هذه الأهداف من غيرهم للرأي العام.
المصدر: موقع "وقف الصحفيين والكتاب"، 30 ديسمبر 2013.
- تم الإنشاء في