ندوة آبنْد في أربيل
بدأت اجتماعات ندوة أباند في أربيل تحت عنوان "البحث معًا عن السلام وعن المستقبل".
كان في المتوقع أن يقوم السيد "نجيروان برزاني" رئيس وزراء الإدارة المحلية لشمالي العراق بإلقاء كلمة الافتتاح في هذه الندوة التي هي الندوة رقم 18 لآباند، ولكنه في آخر لحظة تعذّر عليه ذلك.
وفي بداية الاجتماع ألقى السيد حُسَين عَوْني بُتْصَالِي القنْصل التركي في مدينة المَوصل كلمة قال فيها بأن تركيا هي الباب الذي يطلّ منه العراق على أوروبا وأن هذا الباب لن يُغلق أبداً. ومنه سينطلق جميعًا في البحث عن السلام وعن المستقبل. وقال: "إن تركيا احتضنت العراق في وقت كان الجميع يهربون منه، ولا تزال تحتضنه".
وأضاف السيد القنصل: "إن لم نقم معاً بإطفاء الحريق المشتعل في حديقة الجار، فلا يمكن تذوق ثمار تلك الحديقة". وقال بأن الحدود العراقية-التركية هي باب العراق المنفتح على أوروبا، وذكر بأن هذا الباب مفتوح على مصراعيه ولن يسدّ أبداً.
قام السيد نوزاد هادي والي محافظ مدينة أربيل بإلقاء الكلمة الأولى في افتتاح الندوة، وقال بأنه لا مفرّ من توسيع العلاقات بين المنطقة الكردية في شمالي العراق وبين تركيا ذاكراً بأنه: "لا يوجد بديل عن دوام هذه الأخوّة". ثم قال بأن العمليات العسكرية والتصريحات النارية لن تكون حلاًّ أبداً للمشاكل. وأضاف السيد نوزاد هادِي: "إن العهد الحالي هو عهد الحوار، لذا فيجب ألا نكون أسرى الأخطاء السابقة". وشكر السيد هادي تركيا لأنها كانت تبقي حدودها مفتوحة دائماً.
أما البروفيسور الدكتور مُمْتاز تُرْك أُونَه فقال في كلمته بأنه لا يشعر أنه خارج وطنه، بل يحس بأنه الآن في وطنه، وأضاف: "هناك خارطة كردستان الكبيرة. وهي حلم بعضهم وكابوس البعض الآخر. يجب على الجميع مواجهة الحقائق". وأشار البروفيسور مُمتاز بأنه لا توجد مشكلة كردية بين جماهير تركيا. وقد ذكّر بقول ضِياء كُوكْ آلْبْ: "إن الكردي الذي لا يحبّ الأتراك ليس كُردياً. والتركي الذي لا يحب الأكراد ليس تُركي". وأشار السيد ممتاز إلى أن أكبر مدينة يعيش فيها الأكراد ليست دياربكر ولا أربيل، بل مدينة إسطنبول.
ووصف السيد فَلاَك الدّين كَاكايي افتتاح القناة الكريدة TRT6 بأنها خطوة إيجابية كبيرة.
ونظراً لكون السيد فتح الله كولن الرئيس الفخري لوقف الصحفيين والكتاب يتلقى العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية فإنه لم يستطع الاشتراك في هذه الندوة، مكتفيًا بمباركته لها عبر رسالة قصيرة معبرة عن الأمتنان والشكر:
رسالة الشيخ فتح الله كولن إلى الندوة
أرسل الأستاذ فتح الله كولن رسالة إلى هذه الندوة. وقال اليسد مصطفى يَشِيل (رَئيس وقف الصحفيين والكتاب) الذي قرأ هذه الرسالة بأن هذه هي المرّة الأولى التي يرسل فيها الأستاذ فتح الله كولن رسالة إلى نَدوة آبانْد.
كانت رسالة الأستاذ فتح الله كولن كما يأتي:
"أيها الحضور الكرام من أكاديميين ورجال فكر وسياسة! أُسلّم عليكم سلامَ مولانا وخالقنا العظيم جل جلاله، وأحيّيكم بأسمى التحايا.
إن تاريخ مدينة أَرْبِيل من أغنى المناطق في الدنيا من الناحية الثقافية والإنسانية والاجتماعية وأكثرها خصوبة. فقد كانت موطن العديد من الحضارات في السابق، ولعبت أدواراً سياسية واجتماعية مهمّة.
وأنا أهنّئ المشاركين الأفاضل في ندوة "آبَانْدْ" بسبب ما أَبدوه من اهتمام بهذه المنطقة؛ لأن مدينة أربيل أصبحت تجلب الاهتمام بنشاطاتها الثقافية والتجارية والتعليمية مثلما كانت في عهودها التاريخية السابقة، وهي تساهم في تقوية العلاقات المتقابلة وتطويرها وفي إيجاد منطقة إستراتيجية من الناحية الجغرافية. إن الأخوّة والتساند والتعاون مهمّ جدّاً من ناحية المحركات العالمية والإنسانية، بحيث إن الذين يقطنون في المنطقة الجغرافية نفسها لا يستطيعون الاستغناء عن هذه المحرّكات العالمية والإنسانية ولا تأجيلها. وهناك الآن أسباب عديدة عندنا للتوصل إلى مفهومٍ وأسلوبٍ مشترك.
لقد أصبحت هذه المنطقة الآن بؤرة اهتمام عالمية من الناحية السياسية، ولا شكّ أن الحرب -وكذلك السلام- يعلّماننا كيف نبني علاقات إنسانية وعالمية يؤمّنان لنا مكاسب كبيرة. فبجانب الآلام والمآسي للحرب هناك ناحية تربوية وتعليمية تنضج الإنسان. ولكن يجب في المطاف الأخير العودة إلى المرحلة الاعتيادية والطبيعية وإلى الحياة الاجتماعية.
ولا شك أن الصعوبة الحقيقية تبدأ بعد الآن. فهناك حاجة إلى مقدار كبير من التضحية والصبر والتحمل. وهناك الآن في تركيا الآلاف -بل الملايين- من المهتمّين بهذه المنطقة من الناحية الذهنية والفكرية والمعنوية. وهم يهتمّون بإقامة أخوّة متقابلة وصداقات حميمة وعلاقات جوار قوية وما تستلزمها من تضحيات وتبادل التجارب والمعلومات بكل رحابة صدر.
وأنا آمل أن تكون هذه الندوة وسيلة لإعطاء ثمارها الاجتماعية والثقافية في وقت قصير، وتساهم -ولو بشكل يسير- في تقليل المشاكل المادية والمعنوية لجماهير هذه المنطقة وتخفيف آلامهم. وأنا أنتهز هذه الفرصة لتهنئة جميع المشاركين في هذه الندوة من كلّ قَلبي، وأقدّم سلامي وتحياتي بكل احترام إلى الشخصيات الممتازة من رجال العلم الذين يمثلون مدينة أربيل.
أدعو الله تعالى أن يجعل كرم ضيافتكم هذا وسيلة لانطلاقة مباركة وناجحة.
مع سلام الله تعالى عليكم.
محمد فتح الله كولن
المصدر: جريدة "الحرّية"، 15 فبراير 2009.
- تم الإنشاء في