نموذج الرشد

يقوم نموذج الرشد على فكرة "النضج"، التي تفترض أنَّ لكلِّ شيء ظروفه الفطرية والطبيعية لكي يصل مرحلة النضج، سواء أكان ذلك ماديا أم معنويا، طبيعيا أم بشريا... ولعلَّ هذا الذي يفسِّر كون الله تعالى خلق الخلق في زمن محدَّد، وهو القادر سبحانه أن يخلقه في أقلَّ من ذلك، أو حتى خارج دائرة الزمن.

خلق الله السموات والأرض في ستة أيام، ويخلق الإنسان في تسعة أشهر، وينضج الثمرة في حول... الخ.

وحكمة هذا الخلق من الله سبحانه تكمن في إعداد ذلك المخلوق لظروف ولسنن يسير تحت إطارها، ولا يخرقها، وهذا لا يعني بالطبع أنَّ هذه الأسباب لها إرادة أو قدرة، أو أنها خارج تصرُّف الله وأمره، تعالى الله عن ذلك.

بل إنَّ الأسباب والمسببات كلَّها من خلق الله وحده، لا تندُّ عن إرادته ولا تقهره، ولا تتصرف خلاف حكمه وحكمته.

وقد يبدو الرشد أو النضج في النباتات والحيوانات وجميع المخلوقات غير العاقلة أمرا بدهيًّا، فتتخذ الوسائل، وتعدُّ العقول لتقبُّل تلكم الظروف والشروط؛ ولكنَّنا لو انتقلنا إلى عالم الأشخاص، وعالم الأفكار، وعالم المعتقدات، وعالم الأنفس، وعالم الجماعات... فإننا نصطدم بصعوبة إدراك مدلول الرشد، ومعنى الرشد، فنخلط بين الأسماء والمسميات، وبين الحقائق والاحتمالات... ونتيه في كهوف من الأوهام وسقم الأفهام، وقد لا ندرك ذلك، أو قد ندركه ولا ندرك المخرج منه.

يعرِّف الشيخ الشعراوي الرشد، بأنه: "حسنُ التصرف في الأشياء، وسداد المسلك في علَّة ما أنت بصدده" (خواطر إيمانية، تفسير سورة الكهف)، وبالتأمل في سورة الكهف عموما، وفي قصَّة ذي القرنين بالخصوص، عرَّفنا الرشد بأنه "ذاتية اتباع الأسباب". لقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَاتّبَعَ سَبَبًا﴾(الْكَهْف:84-85) وفي روايةٍ ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾.([1])

[1] للتوسع، انظر المراحل السبعة، في هذا الكتاب.