قوة فاعلية أسماء الله الحسنى

السؤال: هل توجد درجات ومراتب بين أسماء الله تعالى وصفاته؟

الجواب: لو لم تكن أسماؤنا موضوعة من قِبَل آبائنا وأمّهاتنا، بل حسب المهارات التي سنكتسبها فيما بعدُ لَكان اسم البعض خبّازاً، والبعض الآخر نجاراً... الخ. أي لكانت الأسماء دالّة على مهارات حامليها. وقد تكون هذه الأسماء بصيغ المبالغة، فالذي يقوم بوظيفة الستر بشكل اعتيادي "ساتر"، أما من يقوم بهذا بشكل كامل ودون نقص فهو "ستّار"، ومن يحمد يكون اسمه "حامد"، أما من يقوم بوظيفة الحمد بشكل كامل فهو "حمّاد".

ولكن أسماءنا لا تعطى لنا حسب مهاراتنا المستقبلية، بل حسب رغبات آبائنا وأمهاتنا، حتى أننا نسمى بأسماء لا تتناسب ولا تتلائم معنا. قد يبدو هذا التشبيه سمجاً وغير جميل، ولكن ما بيدنا حيلة، لأننا نضطر إلى هذا في سبيل توضيح الحقائق المجردة وإفهامها.

أما أسماء الله تعالى الحسنى فقد تم إخبار عباده بها من قِبل رسله الكرام. وهي تتعلق بإجراءاته تعالى في الكون. فمثلاً هناك جمال واضح في الكون، جمال متداخل بعضه مع البعض الآخر كتداخل ألوان قوس قزح، جمال نشاهده في السهول والبساتين والجبال والأزهار والعيون والحواجب. والشعراء ترنَّموا بالصورة الخارجية فقط لهذا الجمال منذ آلاف السنوات، ولا يزالون يترنّمون، ولكنهم لم يعبّروا إلا عن جزء صغير مما يمكن أن يعبّر ويقال عن الجمال. ولا شك أن هذا الجمال الذي نعجب به كل هذا الإعجاب ولا نتمكن من التعبير عنه حق التعبير يستند إلى اسم من أسماء الله تعالى وهو اسم "الجميل".

ثم نرى أن الرزق يوزَّع في الكائنات حسب نظام دقيق. فاعتباراً من الخلية إلى وحيد القرن تتم تغذية كل حي برزق مناسب. فالعبادة والذكر والتسبيح هو رزق الملائكة، واللحم رزق الإنسان، والعظم رزق الجن. وهذه الفعّاليات التي نشاهدها في موضوع الرزق تستند دون شك إلى اسم "الرزاق".

ولو لم نكن نعلم أن "الجميل" و"الرزاق" من أسماء الله تعالى، ولكن شاهدنا أفعاله وإجراءاته لَدعوناه وقلنا له "أنت جميل" "وأنت رزّاق". والأمر نفسه وارد بالنسبة لأسمائه الحسنى الأخرى. وهكذا فالله تعالى بعد أن أظهر إجراءاته لنا سمّى نفسه بهذه الأسماء الحسنى لكي لا نقع في الخطأ أو في الوهم. غير أن هذه الأسماء الإلهية الحسنى أسماء توقيفية، أي أننا لا نستطيع اختراع أسماء من عندنا حول الله تعالى.

هذه الأسماء الحسنى تستند إلى صفات إلهية معينة. ونستطيع أن نقول استناداً إلى المثال الذي سبق وأن ذكرناه أنه لا يمكن إعطاء اسم "الخبّاز" لمن لم يكن من صفته صنع الخبز، ولا إعطاء اسم "النجّار" لمن لا يعمل في أعمال النجارة. أما الله تعالى فقد بصم على وجه كل موجود بصمة الجمال لكي نعرف أن صفة الجمال موجودة عنده، لذا يستطيع كل من كان في مستوى معيَّن أن يشاهد "الجميل" في كل منابع الجمال.

ومثيل هذا جميع "الأسماء" ترجع إلى صفات معيّنة. وهذه "الصفات" ترجع إلى "الشأن". فإن استعملنا هذا في حق البشر عبّرنا عنه بالقابلية والاستعداد، ولكن لا يجوز استعمال مثل هذا التعبير بحق الله تعالى. إذن فالأفعال تستند إلى الأسماء، والأسماء إلى الصفات، والصفات إلى الشؤون الإلهية، والشؤون الإلهية إلى ذات الله سبحانه وتعالى. نقف هنا لنقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عرفناك حقّ معرفتك يا معروف»[1] أو كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه «العجزُ عن الإدراك إدراك»[2]، نقول هذا وننحني بكل أدَب وخشوع.

هو سبحانه وتعالى موجود.. نشعر حتى نخاع عظامنا بوجوده، ولكننا نعجز عن إدراكه. ليس هناك أظهر ولا أبْيَن منه، ولكنه مع هذا هو الموجود المجهول. نكتفي هنا بهذه النظرة السطحية حول الفرق بين أسمائه وصفاته، ونؤجل التفصيل في هذا الموضوع إلى فرصة أخرى.

الهوامش

[1] فيض القدير للمناوي، 2/410؛ أقاويل الثقات لمرئي بن يوسف، ص 45.

[2] إحياء علوم الدين للغزالي، 4/252؛ المقاصد الحسنة للغزالي، ص 54؛ شرح سنن ابن ماجه للسيوطي، 1/103؛ فيض القدير للمناوي، 6/181.

المصدر: مسجد "بُورْنُوَا"، 6 يوليو 1979؛ الترجمة عن التركية: اورخان محمد علي.